مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: مساعي روسيا لإعادة تأهيل الأسد لن تنجح

قالت إن الرئيس بوتين لن يكون مستعدًا للتضحية بـ100 ألف جندي وحذرت من تحول سوريا إلى أفغانستان جديدة

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: مساعي روسيا لإعادة تأهيل الأسد لن تنجح
TT

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: مساعي روسيا لإعادة تأهيل الأسد لن تنجح

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: مساعي روسيا لإعادة تأهيل الأسد لن تنجح

استبقت باريس الهجمة السياسية والدبلوماسية التي ستقوم بها روسيا في الأمم المتحدة الأسبوع المقبل من خلال خطاب الرئيس فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة، والاجتماع الذي دعا إليه وزير خارجيته سيرغي لافروف والمخصص للإرهاب، فضلا عن القمة الروسية الأميركية الاثنين المقبل، بالتعبير عن «تشكيكها» في إمكانية نجاح الخطة الروسية الداعية إلى تشكيل تحالف جديد لمحاربة الإرهاب و«داعش» على وجه الخصوص يتضمن إعادة تأهيل النظام السوري وجعله طرفًا مقبولاً على المستوى الدولي.
مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس قالت إن «العودة إلى الترويج للأسد على أنه (عنصر استقرار) والقوة القادرة على مجابهة (داعش) و(إعادة اللحمة) إلى سوريا أمر لا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال، لأن الأسد لو كان كذلك لتبين هذا خلال السنوات الأربع المنصرمة». والحال كما تؤكد هذه المصادر، فإن النظام السوري «مسؤول عن تدمير سوريا وتحويلها إلى مقبرة مفتوحة». وبالتالي فإن «الاستراتيجية الروسية الحالية سائرة في طريق مسدود لأننا لا نعي الأسباب التي ستدفعها لأن تهب من أجل نجدة شخص في حال الغيبوبة». والخلاصة التي تصل إليها المصادر الفرنسية قوامها أن الأسد «لن يمكن النظر إليه بوصفه عنصر استقرار ومخرجا من الأزمة والحرب في سوريا». وكانت باريس استضافت ليل الخميس - الجمعة اجتماعًا لوزراء خارجية ثلاث دول أوروبية رئيسية معنية بالنزاع في سوريا، هي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى مسؤولة العلاقات الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي بغرض «تنسيق المواقف» قبل الاستحقاقات الدبلوماسية في نيويورك الأسبوع المقبل. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال، أمس، في إطار المؤتمر الصحافي الأسبوعي، إن «المسؤولين الأربعة توافقوا على ضرورة تحقيق عملية الانتقال السياسي في سوريا وفق بيان (جنيف واحد) الذي يعد السبيل الوحيد للخروج من الأزمة». أما الأمر الثاني الذي كشفت عنه الخارجية الفرنسية فهو الاستمرار في أن الرئيس الأسد «لا يمكن أن يكون جزءا من مستقبل سوريا» ما يعني أن عليه أن يتخلى عن السلطة. ويضاف إلى ذلك أن المسؤولين الأربعة رأوا في تحقيق الانتقال السياسي «الطريق الوحيد للحد من الهجرات الجماعية من سوريا» باتجاه أوروبا.
بيد أن الخطاب السياسي الفرنسي يبدو ظاهريًا بعيدًا عن التحولات الحالية في المواقف الإقليمية والدولية كما برز في تصريحات عدد من الساسة الدوليين، فضلا عن تلميحات فرنسية جاءت على لسان الرئيس فرنسوا هولاند ووزير الخارجية لوران فابيوس. لكن المصادر الفرنسية ترفض هذه القراءة، وتشدد على أن باريس قالت دومًا إن «العملية الانتقالية يفترض أن تجمع أطرافا من المعارضة وأطرافا من النظام»، ما يعني عمليا قبول الحديث إليه. وبالتالي، فإن التوقف عن المطالبة برحيله بوصفه شرطا من شروط الدخول إلى الحل السياسي ليس إلا من باب التعبير المباشر عن الأمور كما هي. لكن المصادر الفرنسية حرصت على القول إن «القبول ببقاء الأسد لفترة معينة خلال المرحلة الانتقالية لا يعني بقاءه لسنتين أو أكثر بل لفترة قصيرة من عدة أشهر وذلك بانتظار تحضير إلى انتخابات لن يكون مقبولاً أن يترشح إليها».
وعليه، فإن خلاصة الموقف الفرنسي هي أن القبول المرحلي ببقاء الأسد في الصورة غرضه «تنظيم العملية الانتقالية وليس تكريس بقائه في السلطة». ولذا، فإن باريس ترى أن ما يمكن أن يفتح الباب للسير بالحل السياسي الذي يطالب به الجميع هو «معرفة درجة انفتاح الروس وما سيقترحونه في الأمم المتحدة» بما في ذلك في الاجتماع الذي دعا إليه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بحضور مبعوثه إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
أما بصدد التعزيزات العسكرية الروسية التي صبّت في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة فترى فيها باريس «مسعى روسيا لمنع انهيار الأسد وجيشه». واللافت أنها نبّهت من إرسال قوات روسية إلى سوريا لأن ذلك سيعني خسائر روسية كبرى ما سيجعل من سوريا «أفغانستان جديدة» للجيش الروسي. وفي أي حال، فإن الرؤية من باريس تدل على أن تدفق السلاح والمعدات والرجال إلى سوريا «لن يرفع كثيرا من معنويات الجيش السوري الذي فقد في السنوات الأربع الماضية نصف عتاده، كما أن بوتين «لن يكون جاهزا للتضحية بمائة ألف قتيل» من جيشه. هل هذه العبارات تأتي من باب التأكيد على مواقف ثابتة لدحض ما يسمع من تحليلات تسلط الضوء على تغير في المواقف الغربية من النظام السوري؟ تقول المصادر الفرنسية: «لدينا أولويتان: محاربة (داعش) والأسد على السواء، والوصول إلى تسوية سياسية» وفق المبادئ المعروضة سابقا. لكن من الواضح أن الغربيين يتحرّكون تحت ضغط عاملين اثنين: الأول، الإرهاب واستقواء «داعش» الذي تمدّد من سوريا والعراق إلى سيناء وليبيا وأفريقيا، وضرب في قلب العواصم الأوروبية. والثاني، تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى أراضي الاتحاد الأوروبي. وفي الحالتين، يرى الأوروبيون أنه لا مفر من المرور بالبوابة السورية والتعاون مع الجانب الروسي، شرط أن تلعب موسكو اللعبة ولا تستخدم الحاجة إليها لتحقيق مكاسب.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».