مطعم الاسبوع: «جاي».. كرنفال الأطباق الآسيوية في قلب بيروت

طاولة واحدة فيه تجذب أهم الشخصيات اللبنانية

الشيف وائل يؤمن بأن المكون الجيد هو سر نجاح أي طبق أو مطعم  -  الطاولة الوحيدة في المطعم  -  طبق دجاج ساتيه  -  سبرينغ رول على طريقة جاي
الشيف وائل يؤمن بأن المكون الجيد هو سر نجاح أي طبق أو مطعم - الطاولة الوحيدة في المطعم - طبق دجاج ساتيه - سبرينغ رول على طريقة جاي
TT

مطعم الاسبوع: «جاي».. كرنفال الأطباق الآسيوية في قلب بيروت

الشيف وائل يؤمن بأن المكون الجيد هو سر نجاح أي طبق أو مطعم  -  الطاولة الوحيدة في المطعم  -  طبق دجاج ساتيه  -  سبرينغ رول على طريقة جاي
الشيف وائل يؤمن بأن المكون الجيد هو سر نجاح أي طبق أو مطعم - الطاولة الوحيدة في المطعم - طبق دجاج ساتيه - سبرينغ رول على طريقة جاي

إذا مررت في شارع الحمرا وبالتحديد في ذلك المفرق الملاصق لجامعة هايكازيان العريقة، لا بدّ أن تتسلل إلى أنفك رائحة طعام شهيّة لمطعم صغير يقع هناك والمعروف بـ«جاي» Jai)).
هذا المطعم الذي لا تتعدّى مساحته الـ30 مترا مربعا، والذي يعمل فيه فريق من الطهاة اللبنانيين المنهمكين في تحضير أطباق آسيوية، أسسّه وائل لاذقاني منذ نحو السنتين وأطلق عليه اسم «جاي» الذي يعني «القلب» بالتايلاندية و«النور» بالهندية.
جمع وائل القلب مع النور وابتكر مطعما يفيض بحبّ من نوع آخر، تذوب فيه البهارات الهندية والتايلاندية والإندونيسية والصينية.
«أردته نموذجا حيّا للاستقامة بكل معانيها، ففي (جاي) لا مكونات طعام غير طازجة، ولا بخل في كميّات الطعام المقدّمة، ولا إهمال أو استهتار بصحة الزبون الذي يرتاده. وجميع هذه الصفات متوّجة بأسعار معقولة لأطباق لذيذة، تشكّل العنوان العريض له». بهذه الكلمات يصف الشيف وائل لاذقاني «جاي» الذي يقصده تلامذة المدارس وطلاب الجامعات كما الوزراء والنواب، فقد آثر افتتاح هذا المحل بالشكل والمضمون اللذين يريدهما، ليكون وبعد خبرته الطويلة في عالم الطبخ (20 عاما) بمثابة طفله المدلل المولود من فكر شبابي عالمي بامتياز. فقد تطلّب منه هذا الإنجاز البقاء خارج لبنان لفترة طويلة، فجال خلالها على مختلف البلدان الآسيوية، ليجمع منها أشهى وأطيب الأطباق المعروفة ونقلها إلى لبنان لتلاقي طريقها في شوارعه.
ففي «جاي» تتذوّق العجين الهندي المقرمش المحشو بالبطاطس، والمتبّل ببهارات الكاري الأصلية تحت اسم «سامبوسا». وتلسعك نكهة الفلفل اللذيذة في لفائف الروبيان الفيتنامية، أو في طبق «سويت تشيلي تشيكن» التايلاندي المحضّر مع الصلصة الحارة. ويلفتك طبق «onion bhajis» بغرابة طعم دوائر البصل المقلية فيه على الطريقة الهندية، والمصنوعة من عجينة طحين الحمّص والمقدّمة مع صلصة المانجو. أما سلطة الـ«تاي بيف» وطبقي الـ«باد تاي» التايلانديين والـ«كورما كاري» الهندي، فسيستغرقك وقتا وأنت تتكهّن نوعية مكوّناتها، بعد أن تتذوّق طعمها الذي يتراوح ما بين نكهات الـ«peanut» (الفول السوداني)، والبصل الأخضر وبهار الكاري. هذا الأمر سيترك لديك دون شكّ شعورا بأنك زرت تايلاند ومررت بأكشاك المطاعم في شوارع الهند، رغم أنك في الحقيقة تجلس على كرسيك في شارع الحمراء في قلب بيروت.
كرنفال من الأطباق المنوعة يلامس عددها 34 صنفا، اختارها الشيف وائل بدقّة لتؤلّف لائحة الطعام لديه. فلن تشعر بالشبع مثلا من طعم الحلو والحامض لطبق الـ«نودلز» مع الدجاج والأرز، والذي يستغرق صنع صلصته يومين كاملين، وليقدّم إليك بنكهة تجمع ما بين البصل والثوم والكزبرة. وسيسيل لعابك لمجرّد اشتمامك رائحة أطباق لذيذة أخرى كالـ«باتر تشيكن» مع صلصة التمر الهندي والزنجبيل، والـ«nasi goreng» الإندونيسي المنشأ الذي يتألّف من الدجاج والروبيان مع البيض المقلي، و«طوكيو تشيكن سالاد» مع الملفوف الصيني.
«لقد تنقّلت ما بين جنوب الهند وفيتنام وشمال شرقي تايلاند وبانكوك وطوكيو ومدينة دلهي وغيرها، لأقف شخصيا على أهم وأعرق الأطباق الرائجة فيها، في ما يخص لائحة الطعام الشعبي. لقد تعمّقت في دراسة المطبخ الآسيوي الذي يعود عمره لمئات السنين، ودرسته لعشر سنوات متتالية. كنت أمرّ بفترة ملل مهني عندما نصحني شيف كنت أعمل معه في لندن أن أبحث عن أكلات مطبخ آخر قد يجذبني بعد أن عملت لعشر سنوات في المطبخ الفرنسي. عندها اتخذت قراري في البدء برحلة البحث عن ذلك المطبخ، وجاء عملي كشيف في رحلات سفر كانت تنظّم على البواخر، ليعرّفني على المطبخ الآسيوي، الأمر الذي ساهم في ولادة هذا الحبّ بيني وبين أطباقه».
لن تمرّ بمطعم «جاي» دون أن تلفتك الطاولة الوحيدة الموجودة فيه والمعروفة بـ«طاولة الشيف». فهذه الطاولة جلست عليها أهم الشخصيات اللبنانية من نواب ووزراء ورؤساء حكومات جلسوا وتلذّذوا بتناول طعامهم عليها، رغم أنها تطلّ على مطبخ المطعم المفتوح أمام الجميع، والذي تصلك منه مباشرة أصوات الطهاة العاملين فيه وقرقعة الصحون والطناجر. «في الحقيقة لقد فوجئت برواج (طاولة الشيف)، رغم أنها مزروعة وسط المطبخ إذا ما صحّ القول. فمنذ البداية كنت مقررا أن لا يحمل (جاي) سوى طابع (الديليفري)، ووضعت هذه الطاولة فيه لأستريح عليها بين الفينة والأخرى وأجري عليها حساباتي. إلا أن الزبائن راحوا يطالبونني بالجلوس عليها لتناول أطباقهم. وهكذا دون استئذان نالت الشهرة الواسعة بين ليلة وضحاها، فجلس عليها وزراء أمثال وليد جنبلاط ووائل بو فاعور والرئيس نجيب ميقاتي وصار حجزها يتطلّب وقتا طويلا لإتمامه».
300 صحن هو معدّل إيقاع التوصيل المجاني الذي يتبعه مطعم «جاي» يوميا في عمله. أما مكوّنات الطعام التي يحرص على جودتها فيستورد غالبيتها من بلاد المنشأ، كما يتعاون مع مزارعي بعض أصنافها في لبنان ليحصل على الأفضل منها. بعض الصلصات التي يستخدمها تتطلّب تحضيرات تستغرق أسبوعا كاملا وأحيانا أكثر، بينما اللحوم من سمك ودجاج وغيرها يتمسّك بمصدرها الرئيسي لتكمل الشروط المطلوبة لسلامة صحة الزبون.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».