يكتسي الأسبوع المقبل بأهمية استثنائية بالنسبة للملف السوري، الذي سينتقل إلى الأمم المتحدة التي ستستضيف عددا من الاجتماعات المهمة، أولها دعا إليه الأمين العام بان كي مون وزراء الدول الخمس دائمة العضوية، وسيحضره مبعوثه ستيفان دي ميستورا. والغرض الذي يسعى إليه، وفق مصادر دبلوماسية في باريس، النظر في إمكانية التقريب بين المواقف وتزخيم دور الوساطة الذي يقوم به دي ميستورا.
وتتلاقى مساعي بان كي مون مع الدعوة التي أطلقها أول من أمس رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا هولاند، الذي شدد على الحاجة لمؤتمر دولي جديد للسلام على غرار مؤتمري «جنيف 1» و«جنيف 2»، بحيث «تتمكن كل الدول الراغبة في عودة السلام إلى سوريا من المساهمة فيه». وسبق لهولاند ورئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون أن أشارا، بمناسبة زيارة الأول السريعة لبريطانيا، إلى «الحاجة لتوفير دينامية (جديدة) للمسار السياسي في سوريا» من غير إعطاء المزيد من التفاصيل.
والى جانب ذلك، ينتظر المراقبون ما ستسفر عنه القمة التي دعا إليها الرئيس أوباما يوم 29 سبتمبر (أيلول) والمخصصة للإرهاب، واجتماع مجلس الأمن على المستوى الوزاري في اليوم التالي بخصوص الموضوع نفسه، وبدعوة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث من المتوقع أن يجدد الدعوة إلى إقامة تحالف إقليمي - دولي جديد لمحاربة الإرهاب وتحديدا تنظيم داعش. وفي النظرة الروسية التي سيعرضها الرئيس بوتين في كلمته أمام الجمعية العامة، فإن التحالف الجديد يجب أن يضم الجيش السوري وكذلك قوات المعارضة التي تقاتل «داعش». لكن المصادر الفرنسية ترى أن غرض موسكو هو بالدرجة الأولى «إعادة تأهيل النظام السوري» من باب محاربة الإرهاب، الأمر الذي يعتبر، حتى اليوم، بعيد المنال.
بيد أن الأنظار ستكون مشدودة باتجاه نيويورك لمعرفة ما إذا كانت ستشهد القمة الأميركية - الروسية التي إن حصلت ستكون سوريا على رأس أولوياتها بالنظر لحاجة الغرب الماسة اليوم للتفاهم والعمل مع موسكو التي نجحت على السواء في فرض وقعها الدبلوماسي والعسكري.
لكن مشكلة العواصم الغربية أنها، بعكس الطرف الروسي، عاجزة عن بلورة موقف موحد ومؤثر في مسار الأزمة السورية بعكس موسكو. ولذا، فإن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس التقى ليل أمس نظراءه وزراء خارجية ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في محاولة واضحة لتنسيق المواقف وبلورة مقاربة مشتركة قبل استحقاقات نيويورك. فخلال الساعات الماضية، بدا أن الأوروبيين يغرد كل منهم على هواه. فبينما دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، إلى «الحوار» مع الرئيس الأسد، رأى هولاند أن «مستقبل سوريا لا يمكن أن يمر عبره»، وأنه «لن تكون هناك عملية انتقال سياسي ناجحة إلا مع رحيله» عن السلطة.
وتقول مصادر سياسية في باريس إن «تخبط» الأوروبيين مزدوج المصدر: فهم من جهة يرون أن «داعش» يتقدم ويتشعب وبالتالي عليهم أن يعملوا اليوم على محاربته بأكثر من الضربات الجوية التي يشاركون فيها في العراق. وهذا ما دفع باريس تحديدا للإعلان عن عزمها ضرب مواقعه في سوريا نفسها، الأمر الذي لم تبدأ به حتى الآن. وما ينطبق على فرنسا يصح على بريطانيا التي يرجح أن تسير على الطريق نفسه إذا نجح رئيس الحكومة كاميرون في الحصول على ضوء أخضر من مجلس العموم البريطاني. أما العامل الضاغط الثاني فهو استمرار تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي بعشرات الآلاف، وتيقن الأوروبيين أنه لا حل من غير معالجة الأسباب التي تدفع بهم إلى الهجرة. وكان واضحا من خلال قرارات القمة الأوروبية التي التأمت في بروكسل، أول من أمس، أن عملية «إدارة أزمة المهاجرين» لم تعد كافية بل يتعين إيجاد حلول سياسية لها.
تعتبر هذه المصادر أن المفارقة في المشهد السوري الحالي أنه في الوقت الذي تتشدد فيه روسيا وتعزز حضورها العسكري في سوريا نفسها وفي شرق المتوسط، وتعيد التأكيد على أن تنحي الرئيس الأسد ليس على أجندتها، فإن الموقف الغربي «يتراخى»، حيث لم يعد خروج الأسد من الصورة شرطا للحل السياسي، بل أصبح وجوده مقبولا في المرحلة الانتقالية.
وكان الوزير كيري الأكثر وضوحا عندما اعتبر أن طول هذه المدة «خاضع للنقاش» وأن المطالبة بخروجه «لن تكون في الأسابيع أو الأشهر الأولى»، مما يعني، على الأرجح، عدم استبعاد بقائه في السلطة حتى نهاية ولايته. كذلك تعبر هذه المصادر عن «خيبتها» من غياب الرد الغربي على تعزيز الوجود العسكري الروسي، وإعلان موسكو «عدم استبعادها» للاستجابة لطلب سوري بالتدخل المباشر في العمليات القتالية إذا دعت الحاجة.
وفي أي حال، سبق الرئيس بوتين الجميع عندما أعلن في لقاء مع ضباط روس قبل ثلاثة أسابيع، أنه «يستبعد في الوقت الحاضر» تدخلا مباشرا، الأمر الذي يترك الباب مفتوحا للتدخل في مرحلة لاحقة.
ويقول دبلوماسيون فرنسيون استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، إن «الليونة» الغربية غرضها «استدراج» روسيا لدفعها باتجاه الحل السياسي عبر تخطي عقبة مستقبل الأسد، وهذا «لا يعني بالضرورة تغيرا عميقا في السياسة الغربية»، كما أنه «لا يعني إعادة تأهيل» للرئيس السوري.
وجدير بالذكر أن «جنيف 1» و«جنيف 2» أخفقا بسبب رفض ممثلي الحكومة البحث في مصير الرئيس السوري. وقبل ثلاثة أيام، عاد وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى تكرار النغمة ذاتها عندما قال للتلفزيون الرسمي إنه لا بحث في موضوع كهذا «إلا بعد التغلب على الإرهاب»، رافضا بذلك عمليا خطة المبعوث الدولي الذي يريد أن تعمل اللجان الأربع التي عين رؤساءها «بالتوازي». والتخوف أن يفسر النظام الليونة الغربية على أنها «ضعف»، وبالتالي سيكون رده أوتوماتيكيا، مزيدا من التشدد خصوصا إذا اعتبر أن الدعم العسكري الروسي - الإيراني كاف لقلب الوضع العسكري ميدانيا.
كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي طالب على الدوام برحيل الرئيس السوري عن السلطة، في أنقرة أمس، أن بشار الأسد يمكن أن يشكل جزءا من مرحلة انتقالية في إطار حل للأزمة السورية.
وكانت أنقرة ترفض بشكل قاطع أي حل سياسي يشمل الرئيس السوري وتحمله مسؤولية المشكلات في بلاده.
مقاربة موحدة من سوريا لوزراء فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي قبل «استحقاقات نيويورك»
إردوغان: الأسد يمكن أن يشارك في مرحلة انتقالية لحل الأزمة السورية
مقاربة موحدة من سوريا لوزراء فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي قبل «استحقاقات نيويورك»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة