ارتياح يعم بوركينا فاسو بعد انتهاء الانقلاب.. ومصير مجهول يكتنف منفذيه

مئات الأشخاص يتظاهرون تعبيرًا عن رفضهم إصدار عفو عن الانقلابيين

رئيس بوركينا فاسو ميشال كافاندو خلال مراسيم إعادة تسلمه رسميا مقاليد السلطة في البلاد مساء أول من أمس (أ.ب)
رئيس بوركينا فاسو ميشال كافاندو خلال مراسيم إعادة تسلمه رسميا مقاليد السلطة في البلاد مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

ارتياح يعم بوركينا فاسو بعد انتهاء الانقلاب.. ومصير مجهول يكتنف منفذيه

رئيس بوركينا فاسو ميشال كافاندو خلال مراسيم إعادة تسلمه رسميا مقاليد السلطة في البلاد مساء أول من أمس (أ.ب)
رئيس بوركينا فاسو ميشال كافاندو خلال مراسيم إعادة تسلمه رسميا مقاليد السلطة في البلاد مساء أول من أمس (أ.ب)

عبر سكان واغادوغو أمس عن ارتياحهم لعودة السلطات الانتقالية بعد فشل الانقلاب الذي شهدته بوركينا فاسو في 17 سبتمبر (أيلول)، بينما ما زالت عدة قضايا عالقة تنتظر الحسم، ومن بين أبرزها قضية نزع أسلحة الانقلابيين.
ومن المؤشرات العملية الأولى على عودة الوضع إلى طبيعته، فتح المصارف ومحطات الوقود، التي كانت مغلقة في الأيام الماضية، أبوابها أمس في أول أيام عيد الأضحى في هذا البلد، الذي يشكل المسلمون 60 في المائة من سكانه. كما تجمع مئات الأشخاص في وسط العاصمة لأداء صلاة العيد، التي أكد خطيب واغادوغو سانا أبو بكر بعدها أنه يصلي من أجل عودة السلام، لكن بعد الصلاة خلت الشوارع من الناس، وعاد السكان إلى بيوتهم، أو تجمعوا في لقاءات عائلية بمناسبة العيد.
وكان رئيس بوركينا فاسو الذي أطاح به انقلاب قبل أسبوع قد عاد الأربعاء للسلطة في خطوة كبيرة على طريق إنهاء الأزمة، وذلك بعد اعتراف زعيم الانقلابيين بأنه «كان على خطأ». وقد أعيد ميشال كافاندو رسميا إلى الرئاسة، وكذلك رئيس الوزراء اللفتنانت كولونيل إسحق زيدا، وكل الحكومة والجمعية الوطنية الانتقالية، وذلك بحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات في واغادوغو.
وذكر كافاندو بأن تنظيم انتخابات ديمقراطية يبقى «الهدف الأول» للسلطة الانتقالية، وقال وسط تصفيق مؤيديه إن «رد فعل شبابنا والاستياء العام للأسرة الدولية، والإجماع على إدانة الانقلاب يعزز ثقتنا بأننا على الطريق الصحيح، وإن قضيتنا عادلة مهما حصل».
وبعد ذلك أعلن كافاندو عن استئناف الاستعدادات للانتخابات، التي كانت مقررة في 11 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. لكن الموعد الجديد للاقتراع لم يحدد، بينما تحدث رئيس الوزراء عن احتمال إرجائها بضعة أسابيع، إلا أنه جرى إرجاء أول اجتماع لمجلس الوزراء إلى صباح اليوم بمناسبة العيد.
وقاد الانقلاب ضد كافاندو لواء الأمن الرئاسي، وهي قوات خاصة تابعة للجيش كانت تتولى حراسة الرئيس السابق بليز كومباوري في 17 سبتمبر الحالي.
من جهته، قال زعيم الانقلابيين الجنرال جيلبير ديانديريه عند انتهاء مراسم إعادة تسليم السلطة إن «الانقلاب انتهى ولن نعود للحديث عنه». وعبر الجنرال الذي كان يرتدي بزته العسكرية أمام الصحافيين عن شبه ندم، واعترف بأنه «أخطأ بالقيام بهذا الانقلاب»، الذي قُتل فيه عشرة متظاهرين وجُرح عشرات آخرون.
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإعادة النظام الانتقالي. كما رحب الاتحاد الأوروبي أمس في بيان بعودة الرئيس إلى منصبه، وقال إن «عودة الرئيس كافاندو إلى مهامه واستئناف العملية الانتقالية يشكلان مرحلتين أساسيتين على طريق تطبيع الوضع في بوركينا فاسو».
لكن بعد عودة الرئيس والنظام الانتقالي ما زالت هناك قضايا أساسية عالقة لتعزيز الخروج من الأزمة، ومن بينها قضية العفو الذي طلبه الانقلابيون، ومصير لواء الحرس الرئاسي الذي يعد جيشا داخل الجيش. وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء، الرجل الثاني السابق في قوات النخبة هذه، إنه «لا يمكن الإبقاء عليه بهذا الشكل». بينما طالب اثنان من المرشحين الرئيسيين لانتخابات الرئاسية روش مارك كريستيان كابوريه، وبينيويندي سانكارا الأربعاء بحل هذه القوة فورا.
ولتبرير الانقلاب، طالب جنود الحرس الرئاسي بإشراك الأنصار السابقين لكومباوري في الانتخابات بعدما استبعدتهم منها السلطات الانتقالية.
وفي وسط العاصمة أبان المواطنون أمس عن ارتياحهم لعودة الشرعية إلى البلاد، إذ أكد أداما ساوادوغو، وهو في الخمسين من العمر، بأنه واثق في مستقبل بلده، وقال إن «الشعب هو الذي يقرر. إنه لا يريد العودة إلى الوراء. نريد الديمقراطية.. والآن سيعود كل شيء إلى طبيعته».
أما موسى ساوادوغو فقال «عندما تولى بليز كومباوري السلطة كان عمري سبع سنوات، واليوم أنا أب. كومباوري حكمني وحكم أبي.. لكن لا أريد أن يحكم ابني»..وتابع موضحا: «نحن نشعر بالثقة... الانقلاب ممارسة من زمن ولى. الشعب فتي وواعٍ».
وأمس بقي جنود لواء الأمن الرئاسي في ثكناتهم كما وعد زعيمهم، حسبما ذكر صحافيون من وكالة الصحافة الفرنسية، لكن لم تتم تسوية مسألة نزع أسلحتهم التي تبحث حاليا مع رئاسة الأركان، بينما قالت مصادر أمنية إن كل مداخل المدينة مراقبة من قبل الجيش لتجنيب فرار جنود من هذه القوة.
وصرح الخبير السياسي السنغالي بابكر جاستن ندياي بأن إفشال الانقلاب يدل على أن «نظاما عسكريا وقاسيا (...) لم يعد واردا» في بوركينا فاسو.
وتجمع نحو ألف شخص بعد ظهر أول من أمس تعبيرا عن رفضهم إصدار عفو عن الانقلابيين، ومعارضتهم الشديدة لعودة مرشحين قريبين من كومباوري، إذ قال متظاهر يدعى محمدي كواندا إن «الحية تبقى حية. يجب حل لواء الأمن الرئاسي.. وإلا ستعود المشكلة من جديد».
كما تجمع نحو 500 من أنصار الرئيس السابق في ساحة الشهداء، وقال أحدهم ويدعى روجيه زانغريه إن كل سكان بوركينا فاسو «متساوون وهم يريدون منع بعضهم من الترشح. لقد أخذوا على كومباوري أنه يريد تغيير الدستور، وهم يدوسون عليه الآن».



الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
TT

الشراكة مع فرنسا تثير جدلاً واسعاً في نيجيريا

الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي ماكرون مستقبلاً مع عقيلته نظيره النيجيري تينوبو وعقيلته في باحة قصر الإليزيه 28 نوفمبر (إ.ب.أ)

في وقت تسحب فرنسا قواتها من مراكز نفوذها التقليدي في الساحل وغرب أفريقيا، وتبحث عن شركاء «غير تقليديين»، يحتدمُ الجدل في نيجيريا حول السماح للفرنسيين بتشييد قاعدة عسكرية في البلد الأفريقي الغني بالنفط والغاز، ويعاني منذ سنوات من تصاعد وتيرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

يأتي هذا الجدل في أعقاب زيارة الرئيس النيجيري بولا تينوبو نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرنسا، والتي وصفت بأنها «تاريخية»، لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس نيجيري إلى فرنسا منذ ربع قرن، ولكن أيضاً لأنها أسست لما سمّاه البلدان «شراكة استراتيجية» جديدة.

وتمثلت الشراكة في اتفاقيات تعاون هيمنت عليها ملفات الطاقة والاستثمار والمعادن، ولكنّ صحفاً محلية في نيجيريا تحدّثت عن اتفاقية تسمحُ للفرنسيين بإقامة قاعدة عسكرية داخل أراضي نيجيريا، وذلك بالتزامن مع انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل، خصوصاً تشاد والنيجر، البلدين المجاورين لنيجيريا.

لا قواعد أجنبية

ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل الجيش النيجيري ليؤكد أن ما يجري تداوله بخصوص «قاعدة عسكرية» أجنبية فوق أراضي نيجيريا مجرد «شائعات»، نافياً وجود خطط للسماح لأي قوة أجنبية بإقامة قاعدة عسكرية في نيجيريا.

وتولّى قائد الجيش النيجيري، الجنرال كريستوفر موسى، بنفسه مهمة الرد، فأوضح أن «زيارة الرئيس بولا تينوبو الأخيرة إلى فرنسا، وُقِّعت خلالها عدد من الاتفاقيات الثنائية، لم تشمل السماح بإنشاء قواعد عسكرية أجنبية في نيجيريا».

وكان قائد الجيش يتحدّث خلال حفل عسكري بمقر وزارة الدفاع في العاصمة أبوجا، بمناسبة تغيير شعار القوات المسلحة النيجيرية، وقال إنه يوّد استغلال الفرصة لتوضيح ما جرى تداوله حول «قاعدة عسكرية أجنبية» في نيجيريا. وقال: «لقد أوضح الرئيس بشكل لا لبس فيه أن ما تم توقيعه هو اتفاقيات ثنائية تتعلق بالتجارة، والثقافة، والتقاليد، والتعاون، والاقتصاد، ولا وجود لأي شيء يتعلق بقاعدة عسكرية أجنبية».

وأوضح الجنرال موسى أن الرئيس تينوبو «يدرك تماماً عواقب مثل هذا القرار، ويعلم أن من واجبه حماية نيجيريا، ومن ثم، لن يسمح مطلقاً لأي قوة أجنبية بدخول نيجيريا»، ولكن قائد الجيش أكد: «سنستمر في التعاون بشكل ثنائي من خلال التدريب المشترك وإرسال ضباطنا كما هو معتاد، ولكن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية في نيجيريا ليس ضمن خطط الرئيس».

كراهية فرنسا

ورغم تصريحات قائد الجيش، فإن الجدل لم يتوقف؛ حيث عَبَّر «تحالف جماعات الشمال»، وهو هيئة سياسية ناشطة في نيجيريا، عن إدانته قرار السماح للعسكريين الفرنسيين بدخول أراضي نيجيريا، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين انتقد بشكل لاذع عقد شراكة مع فرنسا.

وقال التحالف: «إن القرار يتعلق باتفاقية ثنائية جرى توقيعها بين نيجيريا وفرنسا تمنح الأخيرة وصولاً غير مقيد إلى الموارد المعدنية في نيجيريا»، وذلك في إشارة إلى اتفاقية وقعها البلدان للتعاون في مجال المعادن النادرة.

المنسق الوطني لتحالف جماعات الشمال، جميل علي تشارانشي، اتهم الرئيس تينوبو بالسعي نحو «تسليم سيادة نيجيريا إلى فرنسا، والتغطية على ذلك بمبررات مضللة»، ثم وصف ما يقوم به تينوبو بأنه «مناورة دبلوماسية مكشوفة».

الناشط السياسي كان يتحدث بلغة حادة تجاه فرنسا؛ حيث وصفها بأنها «دولة عدوانية؛ تدعم وتمول تفكيك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)»، قبل أن يحملها مسؤولية «جو الحرب الذي تعيشه منطقة غرب أفريقيا».

وخلُص الناشط السياسي إلى أنه مصدوم من «إمكانية أن تخضع نيجيريا، بتاريخها الفخور بالدفاع عن السيادة الأفريقية، لتأثير أجنبي، نحن نرفض ذلك، وسنعارضه بشدة»، على حد قوله.

شراكة مفيدة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو لدى حضوره حفل تنصيب رئيس تشاد في ندامينا 23 مايو (رويترز)

في المقابل، ارتفعت أصوات في نيجيريا تدافع عن تعزيز التعاون والشراكة مع فرنسا، وعدّت الحديث عن «قاعدة عسكرية» محاولة للتشويش على الطموحات الاقتصادية للبلدين.

في هذا السياق، قال المحلل السياسي النيجيري، نيكسون أوكوارا: «إن العالم يتّجه بسرعة نحو نظام متعدد الأقطاب، وإعادة صياغة التحالفات التقليدية، وهذا الواقع الجديد يتطلب من نيجيريا الاصطفاف مع شركاء يقدمون فوائد استراتيجية دون التنازل عن سيادتها».

وأضاف المحلل السياسي أن «فرنسا، رغم تاريخها غير الجيد في أفريقيا، فإنها تمنح لنيجيريا فرصة إعادة التفاوض على العلاقات من موقع قوة؛ حيث تواجه فرنسا معضلة تراجع نفوذها بشكل مطرد في الساحل وغرب أفريقيا».

وشدّد المحلل السياسي على أن نيجيريا يمكنها أن تربح «مزايا اقتصادية كبيرة» من الشراكة مع فرنسا، كما أكّد أنّه «مع تصاعد التحديات الأمنية في منطقة الساحل، يمكن للخبرات والموارد العسكرية الفرنسية أن تكمل جهود نيجيريا لتحقيق الاستقرار في المنطقة».

تعاون عسكري

التعاون العسكري بين فرنسا ونيجيريا عرف صعوداً مهماً عام 2016، حين وقع البلدان اتفاقية للتعاون العسكري والأمني، خصوصاً في مجالات الاستخبارات، والتدريب والإعداد العملياتي.

في الفترة الأخيرة، بدأ الحديث عن رغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تعزيز هذا التعاون، وهو الذي عمل لستة أشهر في السفارة الفرنسية في أبوجا، حين كان طالباً في المدرسة الوطنية للإدارة. وبوصفها خطوة لتطوير التعاون العسكري بين البلدين، أعلن الجنرال حسن أبو بكر، قائد القوات الجوية النيجيرية، الأسبوع الماضي، أن بلاده تستعد للاستحواذ على 12 طائرة من طراز «ألفاجيت» مستعملة من القوات الجوية الفرنسية، ستتم إعادة تشغيل 6 منها، في حين ستُستخدم الـ6 أخرى مصدراً لقطع الغيار.

ورغم أنه لم تعلن تفاصيل هذه الصفقة، فإن نيجيريا أصبحت خلال السنوات الأخيرة «زبوناً» مهماً للصناعات العسكرية الأوروبية، وسوقاً تتنافس عليها القوى المصنعة للأسلحة، خصوصاً سلاح الجو الذي تراهن عليه نيجيريا لمواجهة خطر الإرهاب في غابات حوض بحيرة تشاد، أقصى شمال شرقي البلاد.