من التاريخ: قواعد الحرب والحياة

من التاريخ: قواعد الحرب والحياة
TT

من التاريخ: قواعد الحرب والحياة

من التاريخ: قواعد الحرب والحياة

شاءت الظروف أن أصطدم خلال بحثي في بعض الأوراق القديمة بمذكراتي التي كنت أحتفظ بها لمادة الاستراتيجية العسكرية خلال دراستي للدكتوراه، وهي تضم مادة مهمة للغاية على اعتبار أن الحرب كانت تلعب دورًا حاسمًا في مسيرة العلاقات الدولية ويبدو أنها ستظل كذلك.
راجعت تلك الأوراق لمدة غير قصيرة. أمعنت القراءة فيها وقرأتها غير مرة، ولا سيما، وكيف أن مبادئ الحرب التي التزم بها القادة العسكريون غيّرت مجرى الأمم والشعوب عبر التاريخ. من خلال هذه الوسيلة العنيفة، التي وصفها مؤسس علم الاستراتيجية كارل فون كلاوزويتز Karl von Clausewitz.. بأنها استمرار للدبلوماسية بوسائل أخرى.
لقد تضمنت هذه المذكرات تراكم القواعد الأساسية المستوحاة من الدروس المختلفة في إدارة المعارك والحروب عبر الزمن، وكلما أمعنت النظر في تلك المذكرات أدركت معنى الحرب وصعوبة المعركة والمسؤولية الملقاة على القائد العسكري. لكن الأغرب من ذلك أن تكون نفس قواعد الحرب والدروس المستفادة منها هي في تقديري أيضًا أساسًا لنفس القواعد التي يجب أن يتحلى بها أي قائد سياسي أو رجل صناعة أو أي إنسان في حياته العملية بعد أقلمة هذه القواعد. فهي في النهاية فن إدارة الوصول للهدف والتغلب على الخصم والمصاعب، ومن ثم وجدت نفسي أكتب هذا المقال لأشارك القارئ العزيز في القواعد العامة التي لا تمثل إلا القشور فقط من علم الحرب، خاصة، أن هذا العلم يتغيّر يومًا بعد يوم، غير أنه لا يزال يحافظ على بعض القواعد الثابتة التي يمكن أن نتأمل بعضها على النحو التالي:
أولاً: مبدأ وضوح الهدف السياسي. فالحرب هي جزء من إدارة الدولة لشؤونها الخارجية بل والداخلية في بعض الأحيان، وبالتالي، فإن وضوح الهدف هو أهم مبدأ من مبادئ الحرب. وهنا لا بد أن يكون الهدف السياسي واضحًا وصريحًا، فجيوش الدول تبدأ مهامها لأهداف كثيرة أولها الإبقاء على الدولة وآخرها احتلال الغير. ومن ثم، فهل يكون الهدف هو تدمير الخصم أم الضغط عليه أم توجيه ضربة استباقية لقواته أم الاستيلاء على أراضيه أم القضاء السياسي على الدولة الخصم؟ لا بد أن يكون الهدف السياسي هنا واضحًا ليصار إلى نقله للقيادة العسكرية بشكل لا لبس فيه. وهنا تنتقل المسؤولية إلى القيادة العسكرية لوضع هدف العمل العسكري على هذا الأساس وفقًا لقدراتها العسكرية. وعندها تبرز مخاطر النزوح عن هذه القاعدة في التاريخ خاصة عندما يختلط الأمر عند القيادة السياسية، مثلما كان الحال بالنسبة لنابليون الثالث عندما سعى للدخول في حرب مع بروسيا لمنع توحيد ألمانيا في عام 1870، فانتهت هذه العملية بهزيمة عسكرية قاسية.
ثانيًا: تحديد الأهداف العسكرية بدقة، وهنا تبرز مقولة الاستراتيجي البريطاني العظيم السير بازيل هنري ليدل هارت، التي تقول «اجعل هدفك دائمًا نصب عينيك» وهذا هو المبدأ الثاني في إدارة الحروب أو العمليات العسكرية. إنه عنصر حيوي للغاية لنجاح أية استراتيجية عسكرية، وقد وصف فون كلاوزويتز الهدف من الحرب بأنه «التدمير الكامل لقدرات الخصم لكسر إمكانياته كاملة»، ولكن هذه النظرية المتطرفة جوبهت بنظريات أخرى تدفع بغير ذلك، وتقول إن «الهدف من الحرب هو كسر قدرات العدو وقدرته على المقاومة» فقط. وعليه، فمن شأن وضوح هذا الهدف العسكري أن يسمح للقائد العسكري صياغة تكتيكاته الحربية لتُخدم على الهدف الاستراتيجي النهائي للمعركة، ووضوح الهدف العسكري هنا يساعد بشكل مباشر في نجاح العمليات الحربية لاتساقه مع الهدف السياسي.
ثالثًا: عملية الحشد (Mass). والمقصود هنا القدرة على حشد القوات المناسبة وتمركزها أو نشرها بكل أسلحتها وتموينها وذخيرتها ولوجيستياتها في المكان المخصص الذي سينطلق منه الهجوم أو تتمركز فيه الدفاعات. ولا يكون هذا مقصورًا على تلك الأمور المشار إليها فقط، بل يشمل كذلك عناصر كثيرة أخرى لا تقل أهمية، منها الالتزام، والتدريب على التكتيكات الحربية التي ستُعتمد، ورفع القدرة القتالية للجنود مع التركيز الخاص على الروح المعنوية. ولعل أفضل نماذج مبدأ الحشد حتى الآن كان مرحلة ما سبق الإنزال الشهير على شاطئ النورماندي بشمال فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية، حيث استطاعت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة ممثلة بالجنرال دوايت أيزنهاور حشد كل القوات المناسبة لنقل مسرح العمليات إلى القارة الأوروبية بهدف إلحاق الهزيمة بألمانيا النازية، ويشار إلى هذه العملية على اعتبارها نموذجًا لأكبر عملية حشد في التاريخ.
رابعًا: مبدأ وحدة القيادة العسكرية. وهنا لا بد للجيش أن يكون له قيادة موحّدة ومركزية لإدارة الحرب، ذلك أن تعدد القيادات دائمًا ما يجلب الكوارث. وحدة القيادة تسمح بالسيطرة الكاملة على أركان الجيش وتساعد القائد على تركيز خططه ودفاعاته وهجومه على حد سواء، وهي تتيح أيضًا بنوع من الانسجام في استخدام القوات وقدراتها. ولقد تعددت النماذج التاريخية التي أدت إلى هزيمة الجيوش نتيجة لغياب هذا العنصر، والحرب الأهلية الأميركية خير مثال على ذلك. فعلى الرغم من قوة الجيش (الاتحادي) الشمالي ضد الجيش (الكونفدرالي) الجنوبي فإنه ظل عاجزًا عن تحقيق النجاحات بسبب تعدد قيادته متمثلة في جيوش يرأسها قادة يعملون بمعزل عن مفهوم القيادة الموحّدة. ولكن عندما جرى توحيد هذه القيادة في أيدي الجنرال يوليسيس غرانت تغيرت دفعة القتال وحسمت الحرب. وكان النموذج الثاني حرب فيتنام، ففي هذه الحرب تعددت على سبيل المثال القيادات الجوية الأميركية التي كانت تدير الحرب فكانت النتيجة كارثية على الجيش الأميركي.
خامسًا: استراتيجية الهجوم. وهنا تعدّدت المبادئ الخاصة بهذا الركن المهم من مبادئ الحرب، فالأفضل في أوقات كثيرة هو أخذ المبادرة بالهجوم مع استخدام عنصر حسن التوقيت. كذلك أنه أصبح من غير المجدي في العلوم الحديثة الهجوم الشامل على الجبهة العسكرية للخصم إلا في حالة ضعفه الواضح، وهو أمر استثنائي للغاية. وبالتالي يكون «التوجّه غير المباشر» (Indirect Approach) الذي صاغه ليدل هارت هو أفضل الخيارات، إذ يصار إلى التركيز على أضعف نقطة للعدو وفقا لتوزيع دفاعاته. وغالبًا ما تكون هذه النقطة في المفاصل التي تربط دفاعاته وليس منطقة تمركز هذه الدفاعات، وبالتالي، يكون دائمًا من المفيد حث القوات المدافعة على التمدد الدفاعي على طول الجبهة بحيث لا تكون على دراية بالمكان الذي سيأتي منه الهجوم. هذا التكتيك يعرف بـ«تكتيك الهجوم بغرض التثبيت» (Pinning Attack) كي لا يقوم الجانب المدافع بتحصين المنطقة التي ستندفع إليها القوات المهاجمة. وبعد تركز القوة المهاجمة هجومها على النقطة الضعيفة بكل الثقل العسكري المتاح وهنا تبرز أهمية «معادلة بالكم والسرعة» (Mass Multiplied by Velocity) حتى لا تتمكن القوات المدافعة من الصمود أمام هذا الهجوم. إن نجاح هذه الخطوة يؤدي إلى عنصرين أساسيين: الأول، بداية تطويق الخصم من عدة جبهات على خطوطه الداخلية، وهو غالبًا ما يكون مقدّمة لهزيمته العسكرية، والثاني، يكون كسر الروح المعنوية للمدافعين بسبب انشطار خطوطه.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».