شيع العراقيون، يوم أول من أمس، الشاعر العراقي وليد جمعة الذي رحل يوم الجمعة الماضي في أحد مستشفيات كوبنهاغن إثر مرض عضال. وجمعة واحد من وجوه الثقافة العراقية الذين اضطروا لمغادرة العراق مثل آلاف آخرين في نهاية سبعينات القرن الماضي. وعاش في منافٍ شتى في بيروت ودمشق ولندن وأخيرا كوبنهاغن.
وعرف الراحل، الذي ينتمي للستينات، بثقافته الأدبية الواسعة، وموقفه من النشر، فلم ينشر سوى قصائد قليلة في حياته، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لكنها علقت في أذهان الكثير من مجايليه وقرائه لاختلافها عن السائد، ولسخريتها اللاذعة من كل شيء، خاصة من الواقع السياسي العراقي منذ الستينات، هذا الواقع الذي بقي وليد جمعة خارجه وداخله في آن.
عاش جمعة حياة مضطربة عن وعي كامل، ودخل في معارك كثيرة، خاصة معارك سياسية، وكان ناقدا حاد اللسان لكل ما يراه هو على خطأ، وكأن تلك السيرة المضطربة، كما يقول صديقه الكاتب عبد الأمير الركابي، كانت «كنبوءة طويلة الأمد، لدرجة أنها تحولت إلى حياة وموت بينهما ما يزيد على السبعين عاما، قد يكون هو تصورها كفيلة بإتعاب صاحبها، أو عجزت عن إنهاكه، لتثبت أنه مقاتل إلى النهاية، يعلم أن زمنه آيل للتبعثر والاندحار بلا أي أثر جدير بالتوقف».
في قصيدته الشهيرة «العبئريون»، التي كتبها في الثمانينات، هذه النبوءة المفزعة بموته الخاص وحيدا في منفاه:
«سيرثونني
ملثمٌ بالموت
عندي مراسيم لدفني من يد القابلة
أقيس مسرى قدمي بينه
وبين جذب الأرض للسابلة.
أنا الذي لا أحذق القهقهة
أفقأ عين الفرح المشبوه إذ يرتقي
سطح مناخاتي ويعتادها
وعندما تغشّني غبطتي
قد أفرك الأيام من أذنها
أخبرها
- غبَ التقاء الشمس بالمزولة:
كوني كما أنت.. رداء الشجن
وخطوة تعبى على مفرقٍ مرتطمٍ بالجنون
حذار أن تألفي
وشوشة المهد، ففي عصرنا
يتأتئ المولود، يحبو، يرى
سرتّه في رحم المقهى
حيث يحزّ الأرض.. يجتازها
في دولة الشوارب الكثة
*******
ملثمٌ بالموت
عندي له: عدّته البغيضة الرثة
زجاجةُ السمّ ومرثيةٌ
- ملحوظة عن عتعتات الزمن -
شخصٌ سيستجدي نقود الكفن
سبعة أشخاصٍ يجرونني
(سبعتهم على الرغم مني.. رفاق..!)
لكنني تعوزني حفرة
في أيما مقبرةٍ
في العراق».
الشاعر العراقي وليد جمعة يرحل وحيدا في منفاه الدنماركي
الشاعر العراقي وليد جمعة يرحل وحيدا في منفاه الدنماركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة