بعد مرور سنة على انطلاقها.. الحرب الأميركية على «داعش» إلى أين؟

وسط تساؤلات عما حققه استهداف التنظيم المتطرف

عناصر من داعش في مدينة الرقة السورية
عناصر من داعش في مدينة الرقة السورية
TT

بعد مرور سنة على انطلاقها.. الحرب الأميركية على «داعش» إلى أين؟

عناصر من داعش في مدينة الرقة السورية
عناصر من داعش في مدينة الرقة السورية

بمناسبة مرور سنة على بداية الضربات الجوية الأميركية، مع طائرات من دول حليفة، لتنظيم «داعش» في العراق، ثم في سوريا، نشرت بعض مراكز البحث الأميركية تقارير فيها تفاؤل قليل وتشاؤم كثير. وقالت تقارير إن «الحرب ضد (داعش) ربما لن تنتهي أبدا». وأيضا انعكس هذا الرأي في برامج تلفزيونية، وفي تقارير صحافية.
معهد أبحاث السياسة الخارجية (إف بي آر آي) في مدينة فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا) أصدر أخيرا تقريرا عنوانه: «بعد سنة.. (داعش) يفوز على (القاعدة).. ماذا بعد (داعش)؟». وجاء فيه: «قبل سنة، كان نجم (داعش) يصعد. إلا أن قلة من الناس توقعت مثل هذا المسار السريع باتجاه قمة المجتمع التطرفي العالمي. ومع شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي، اكتسح (داعش) شمال العراق، واستولى على الموصل. وقبل ذلك بشهور قليلة كان الاعتقاد هو أن (داعش) وجبهة النصرة سيقاتل بعضهما بعضا حتى الفناء. ولكن، فجأة، ألهب (داعش) مشاعر المتطرفين في كل أنحاء العالم، وهو يحقق ما كان تنظيم القاعدة يتحدث عنه، ولم يقدر على تحقيقه: تأسيس ما سمته (دولة إسلامية)..». وأضاف التقرير: «من خلال الجرأة والعنف ضد حكومة الأسد والشيعة والدول الغربية، وبفضل استعمال أحدث تكنولوجيا الاتصالات، هيمن (داعش) على ساحة التطرف العالمية. وتوافد المقاتلون الأجانب إلى صفوفه. وتابعه عشرات الآلاف، وربما ملايين، في مواقع الإنترنت».
من جهة أخرى، أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأميركي تقريرا عنوانه: «ون يير أوف إينهيرت ريزولف» (عام على عملية العزم المتأصل)، جاء فيه أن الرئيس باراك أوباما أعلن يوم بداية العملية أن الهدف منها هو «ضرب مواقع الإرهابيين لحماية مدينة أربيل العراقية»، لكن في الوقت الحاضر يقول أوباما إن الهدف هو «تقليص قوة (داعش) وفي النهاية تدميره».
وأشار التقرير إلى تفاؤل كثير وسط قادة عسكريين في البنتاغون (وزارة الدفاع)، وإلى أن الطائرات الأميركية وطائرات الحلفاء قامت بأكثر من أربعمائة ضربة جوية، وقتلت أكثر من اثني عشر ألف مقاتل من «داعش»، ودمرت أكثر من عشرة آلاف قطعة عسكرية.
لكن وعلى الرغم من تفاؤل العسكريين، كما جاء في التقرير، ينتهي التقرير بجمل تشاؤمية. منها قوله «عندما بدأت الغارات قبل سنة لم يحدد الرئيس أوباما مدتها، وحتى الآن لم يحدد. غير أن مسؤولين في البيت الأبيض يقولون إن المدة هي ثلاث سنوات أخرى. ربما الحقيقة عند الجنرال المتقاعد راي أوديرنو: ما بين عشر سنوات وعشرين سنة». وكان الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، قد قال إن الحرب ضد «داعش» هي «صراع أجيال».
أيضا في اتجاه متشائم، قال تقرير أصدره مركز «هيريتيدج فاونديشن» اليميني في واشنطن إن الرئيس أوباما يتحمل مسؤولية «هذا النفق المظلم في حرب بعيدة، وتبدو من دون نهاية». وأشار التقرير إلى أن «مسار الحرب لن يتغير في المستقبل القريب ما دمنا لا نريد أن نرسل قوات برية إلى مسرح العمليات». وكان السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري من ولاية ساوث كارولينا) قد دعا حقا إلى نشر 10 آلاف جندي على الأقل على الأرض. إلا أن أيا من المرشحين الجمهوريين لرئاسة الجمهورية لم يدع بعد إلى إرسال مزيد من القوات. ويبدو أن هؤلاء يدركون مسبقا أن هذه الحرب هي «حقل ألغام سياسي»، ولذا يوجد عزوف شديد من جانب أعضاء الكونغرس عموما عن مجرد الحديث عن الموضوع.
في هذه الأثناء، وفي تناول لتكلفة العمليات العسكرية، أفاد تقرير أصدره مركز كارنيغي في واشنطن بأن العمليات ضد «داعش» كلّفت أكثر من ثلاثة مليارات دولار، أي عشرة ملايين دولار تقريبا في اليوم الواحد. وبلغ عدد القنابل والصواريخ التي أسقطتها الطائرات الأميركية والطائرات الحليفة عشرين ألفا، وقتلت 15 ألف شخص تقريبا من مقاتلي «داعش».
على صعيد آخر، ترى جيسيكا شتيرن، مؤلفة كتاب «آي إس آي إس: ستيت أوف تيرور» (داعش: دولة الإرهاب)، أنه «خلال العام الماضي هيمن تنظيم داعش، بصورة واضحة، على تنظيم القاعدة. لم تقدر (القاعدة) حتى على أن تؤكد أن الهجوم على مجلة (شارلي إيبدو) - المجلة الكاريكاتيرية الفرنسية - العام الماضي كان باسم (القاعدة)، رغم أن مشتركين في الإعداد للهجوم قالوا ذلك». وتضيف شتيرن «صار تنظيم القاعدة، بالتأكيد، هو رقم اثنين في الأوساط المتطرفة».
ولم تفت نجاحات «داعش» القنوات التلفزيونية الأميركية. إذ قدم تلفزيون «إن بي سي» برنامجا خاصا عن مرور سنة كاملة على بدء الضربات الجوية الأميركية. وكان هذا امتدادا لبرنامج خاص قدمه في يونيو (حزيران) الماضي، بمناسبة مرور سنة على إعلان «داعش» تأسيس «دولته» و«خلافته». وقال البرنامج: «بعد سنة، لا يوجد ما يمكن أن يسعد أي شخص، إلا إذا كان الشخص مؤيدا لتنظيم داعش». ونقل البرنامج قول ماثيو هيرمان، الخبير في شؤون الإرهاب: «لم يستمتع (داعش) بفترة انتصارات مثل التي يستمتع بها في الوقت الحاضر». في حين قدم تلفزيون «سي إن إن» برنامجا جمع فيه بين مرور سنة على بداية الضربات الجوية الأميركية، وذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وجاء في البرنامج: «في الذكرى الرابعة عشرة لأقسى هجوم أجنبي علينا، ها نحن نواجه خطرا من نوع جديد. في المرة الأولى، حاربنا بعدما وصلت إلينا (القاعدة). هذه المرة، نحارب كي لا يصل إلينا (داعش)».
ولكن ماذا عن موقف الرئيس أوباما؟
في منتصف الصيف، زار أوباما مبنى البنتاغون، وكان محاطا بفريق من كبار العسكريين، أثناء زيارة نادرة له. وقال أثناء الزيارة إن «المعركة ضد (داعش) ستكون معركة طويلة.. ولن تحسم عسكريا، بل ستحتاج إلى جهود دولية». مع هذا أكد الرئيس الأميركي أن خسائر التنظيم في العراق وسوريا كبيرة. وأشار إلى تنفيذ ما يقرب من 5 آلاف ضربة جوية (كان ذلك في منتصف الصيف). وذكر أن الضربات الجوية «دمرت مراكز تدريب، ومنشآت عسكرية، وقتلت قادة لـ(داعش)، واستعادت منه ربع الأراضي في العراق وسوريا». كذلك شدد أوباما على أن «التحالف الدولي عازم على تكثيف التصدي لتنظيم داعش في سوريا»، قبل أن يكرر «الحملة على (داعش) ستستغرق وقتا طويلا». وأضاف: «إننا نكثف جهودنا ضد قواعد (داعش) في سوريا. وضرباتنا الجوية ستستمر في استهداف منشآت النفط والغاز التي تمول عددا من عملياتهم. إننا نستهدف قيادة (داعش) في سوريا، ومنشآته، وبناه التحتية».
أوباما أردف بعد ذلك: «في السنة المنصرمة، شهدنا كيف أنه يمكن صد تنظيم داعش حين يكون هناك شريك ناجع على الأرض»، مشيرا إلى استعادة مدينة تكريت العراقية. وتحدث عن أن الغارات الجوية في كل العراق وسوريا «تمكنت من القضاء على آلاف المقاتلين، بينهم قادة كبار» في التنظيم المتطرف. وبعد تشديده على أن «الأمر لن يتم بسرعة بل سيتطلب وقتا»، توقع «حالات تقدم وأيضا انتكاسات»، قبل أن يقول إن «الضعف الاستراتيجي للتنظيم الدولة بات حقيقة.. وإن (داعش) لا يحظى بدعم أي دولة، كما أن وحشيته تواجه برفض بين السكان الذين يتحكم التنظيم بهم».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.