قائد الأمن الوطني الفلسطيني يأمر بسجن ضباط وإعفاء آخرين بعد التنكيل بفتى في بيت لحم

حرب كلامية ثانية يشعلها تصريح لقيادي وصف الأجهزة الأمنية بالـ«غوستابو»

قائد الأمن الوطني الفلسطيني يأمر بسجن ضباط وإعفاء آخرين بعد التنكيل بفتى في بيت لحم
TT

قائد الأمن الوطني الفلسطيني يأمر بسجن ضباط وإعفاء آخرين بعد التنكيل بفتى في بيت لحم

قائد الأمن الوطني الفلسطيني يأمر بسجن ضباط وإعفاء آخرين بعد التنكيل بفتى في بيت لحم

أثار وصف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، تيسير خالد، للأجهزة الأمنية الفلسطينية، بـ«عصابات غوستابو» (البوليس السري الألماني أيام النازية)، جدلا وغضبا واسعين داخل المؤسستين الرسمية والأمنية الفلسطينيتين، وحركة فتح، التي ردت على خالد بشكل غير مسبوق، واصفة إياه بـ«الموتور»، ليظهر خلاف علني آخر داخل البيت الواحد في منظمة التحرير.
وشن مسؤولون فلسطينيون هجوما على خالد، وقالوا إن تصريحاته التي كان يعقب فيها على فيديو يظهر اعتداء عناصر أمنية بشكل وحشي، على فتى فلسطيني، «وقحة». فيما أمر قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني، بإعفاء ضباط فلسطينيين وسجن آخرين، على خلفية الاعتداء على المتظاهر الذي خلف غضبا شعبيا.
وعد الناطق باسم الحركة أسامة القواسمي، تصريحات بعض المسؤولين الفلسطينيين حول قضية الاعتداء والتنكيل بفتى بيت لحم، بأنها «دليل على انحراف بوصلتهم الوطنية، وتساوق مع الطابور الخامس الهادف إلى زرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني، وجعل المشكلة فلسطينية داخلية».
وقال القواسمي في بيان، إن «من شبّه رجال الأمن والمؤسسة الفلسطينية بعصابات غوستابو، هو شخص أصابه الغباء السياسي، وفقد عقله وبوصلته الوطنية. وهو يعبر عن حقد كان من الواجب توجيهه نحو المحتل الإسرائيلي ومستوطنيه الإرهابيين». وتابع: «هذه التصريحات المشبوهة التي عبر عنها بعض الموتورين، هي أخطر بكثير مما حدث في بيت لحم، مع تأكيد حركة فتح على موقفها الثابت بضرورة عدم الاعتداء على أي فلسطيني من أي طرف، وأن سيادة القانون هي التي يجب أن تسود دائما».
وكان القيادي الفلسطيني تيسير خالد، قد وصف الأجهزة الأمنية بعصابات غوستابو، في تعقيب له على فيديو لمجموعة من عناصر الأمن تعتدي بوحشية على فتى فلسطيني في مدينة بيت لحم، شارك في مسيرات «نصرة الأقصى» الجمعة الماضية.
وقال خالد، وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية: «إننا لسنا أمام مشهد لأجهزة أمن فلسطينية، بل أمام مشهد لعصابات غوستابو، فليس هكذا تتصرف أو يجب أن تتصرف أجهزة الأمن الفلسطينية مع المواطنين الفلسطينيين». وأضاف في بيان وزعته «الديمقراطية» ونشرته على موقعيها في «فيسبوك» و«تويتر»: «ما شاهدناه لم يكن سلوكا فرديا كما أوضحت جهات حكومية رسمية، فالمشهد المرعب شارك فيه عدد غير قليل من أجهزة الأمن الفلسطينية». وطالب خالد بالتحقيق المستقل، وتقديم التوصيات إلى كل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية، «لاتخاذ ما يلزم من تدابير تحول دون حدوث مثل هذه الممارسات التي تليق فقط بعصابات الغوستابو».
ولم يسلم خالد من غضب المؤسسة الأمنية الرسمية، ورد اللواء عدنان الضميري الناطق باسم الأجهزة الأمنية، مطالبا إياه «بالاعتذار لكل جندي وضابط في أجهزة الأمن»، متهمًا إياه «بتشويه صورة المؤسسة الأمنية في انتهازية وجهل ولا مسؤولية في استغلال الحادث»، حسب قوله.
ووجه الضميري تساؤلا إلى خالد عبر صفحته في «فيسبوك» قائلا، «ألست عضوا في اللجنة التنفيذية التي تصنع سياسة السلطة؟ وعضوا في القيادة الفلسطينية التي أقرت السياسات وطلبت من الأمن تنفيذها.. هل نحن في الأمن من أقر الاتفاقات أم أنت؟ أعتقد أن ما قلته من حديث ضد رجال الأمن الفلسطيني أنت مشارك فيه بهذا الوصف، إلا إذا اعتبرت نفسك وحزبك (الجبهة الديمقراطية) طرطورًا لا يصنع ولا يشارك في قرارات القيادة التي أنت جزء منها، قل للشعب الفلسطيني إن مرافقيك ومن يحرسوك ليسوا من الأمن الفلسطيني؟».
كما هاجم المسؤول الإعلامي في التعبئة والتنظيم في حركة فتح منير الجاغوب، تصريحات خالد، وخاطبه قائلا: «نصف جبهتك (الجبهة الديمقراطية) مفرغة على الأمن». مضيفًا: «سأرسل لك أسماء أعضاء في لجنتك المركزية يقبضون رواتب من مخصصات الأمن وهم نيام في منازلهم (...) كفى مزايدات وانتهازية».
ورد مسؤولون في وحدة الكتلة الطلابية التابعة للجبهة الديمقراطية، بوصف الجاغوب بأبشع الأوصاف، قبل أن يعلق خالد نفسه بوضع صورة تجمعه مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على «فيسبوك»، مع شعار «يا جبل ما يهزك ريح».
ويعد هذا الجدل، جزءا من جدل أوسع في الشارع الفلسطيني أعقب انتشار فيديو يظهر فيه بعض أفراد الأجهزة الأمنية، وهم يضربون بوحشية الفتى التلحمي، مما استدعى خروج مسيرات غاضبة في بيت لحم، ومطالبات من حركة فتح بإقالة المسؤولين عن الحادثة. وإزاء الغضب الشعبي، أعلن رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد لله، عن تشكيل لجنة تحقيق، متعهدًا بمحاسبة كل من يتجاوز القانون ضد المواطنين.
وأصدر قائد قوات الأمن الوطني اللواء نضال أبو دخان، قرارًا، أمس، بإعفاء مجموعة من الضباط من ذوي الرتب العالية من مهامهم، وتحويلهم للاستيداع التأديبي، وسجن ضباط آخرين وتأخير رتبهم.
وجاء في القرار: «إعفاء كل من نائب قائد المنطقة ورتبته عقيد، ونائب مدير العمليات برتبة مقدم، وقائد الكتيبة الخاصة السادسة برتبة رائد، وقائد المهمة برتبة نقيب، وتحويلهم للاستيداع التأديبي، وسجن خمسة آخرين برتب مساعد ورقيب أول ورقيب وعريف، وتأخير رتبهم سنة».
وأكد مدير العلاقات العامة والإعلام في الأمن الوطني، العقيد طيار حافظ الرفاعي، أن القرار يأتي في سياق حرص قيادة الأمن الوطني على حماية أبناء شعبنا والوقوف معهم، موضحًا أن من قاموا بهذا العمل ومن أعطى لهم الأوامر، خالفوا الأوامر والتعليمات الدائمة والسياسة العامة لقوات الأمن الوطني، ولم يلتزموا بحسن الأداء والالتزام بالقانون وحقوق المواطنين وحرياتهم.
ولم يكتف مواطنون غاضبون بقرارات إعفاء ضباط وعناصر في الأمن الوطني وسجن بعضهم، وخرجوا أمس من مخيم الدهيشة في بيت لحم مطالبين بإقالة مدير الشرطة في المدينة. واندلعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن في المدينة، بعدما منعتهم من التقدم باتجاه المقار الأمنية. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط»، إن «العشرات شاركوا في المسيرة التي خرجت من أمام مخيم الدهيشة باتجاه مقر المقاطعة، قبل أن يصطدموا مع قوات الأمن التي نصبت حواجز بشرية في الشوارع». ورشق المتظاهرون القوات الأمنية والمقار بالحجارة، وهتفوا «ارحل ارحل يا عباس» وردت الأجهزة الأمنية بإطلاق النار في الهواء دون أي إصابات.
ولاحقا عززت القوات الأمنية من وجودها، وظهر عشرات المسلحين في الشوارع وحول المقار الأمنية، بينما أغلق المتظاهرون الشارع الرئيسي في بيت لحم على طريق مخيم الدهيشة، وأشعلوا النار في الإطارات احتجاجا على تصدي قوات الأمن لهم، قبل أن تنفجر مواجهات جديدة على نطاق أوسع.
وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن «قرارات مناسبة اتخذت بحق المخطئين ولا يوجد مبرر لأي فصيل يسمح لهم باستهداف المقار الأمنية وأبناء الأجهزة بهذه الطريقة». وأضاف «لدينا تعليمات بضبط النفس لكننا لن نسمح باستباحة المقار».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».