القوات المشتركة تتقدم في مأرب وسط تقهقر الميليشيات.. وقصف عنيف على صنعاء

مستشار هادي لـ {الشرق الأوسط}: قوات التحالف تعمل على تدمير ما تبقى من احتياطات مادية وعسكرية للمتمردين

يمنيون يقفون أمام موقع استهدفته غارة للتحالف في صنعاء أمس (أ.ب)
يمنيون يقفون أمام موقع استهدفته غارة للتحالف في صنعاء أمس (أ.ب)
TT

القوات المشتركة تتقدم في مأرب وسط تقهقر الميليشيات.. وقصف عنيف على صنعاء

يمنيون يقفون أمام موقع استهدفته غارة للتحالف في صنعاء أمس (أ.ب)
يمنيون يقفون أمام موقع استهدفته غارة للتحالف في صنعاء أمس (أ.ب)

حققت القوات المشتركة المكونة من قوات التحالف العربي والجيش الوطني والمقاومة الشعبية، تقدمًا ملحوظًا في القتال الذي تخوضه في محافظة مأرب اليمنية، ضد الميليشيات الحوثية وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في الوقت الذي شنت طائرات التحالف سلسلة غارات عنيفة على العاصمة صنعاء، أسفرت عن تدمير عدد من الأهداف.
وقالت مصادر محلية في مأرب لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات المشتركة تمكنت من السيطرة على عدد من التباب، وإنها تتقدم، مقابل تقهقر الميليشيات. وأضافت أن العشرات من عناصر الميليشيات الحوثية، استسلموا للقوات المشتركة وجرى أسر آخرين، في عدد من مواقع المواجهات، في حين أكد شهود عيان على أطراف محافظة مأرب، نقل الميليشيات وقوات صالح لعشرات الجثث من قتلاهم إلى صنعاء والمناطق المجاورة لها.
وأشارت مصادر في المقاومة الشعبية إلى أن القوات المشتركة تلقت المزيد من التعزيزات، التي دعمت بها الجهة الشمالية لمأرب، وقد جرت المواجهات في مأرب، في ظل غطاء جوي كثيف لطائرات التحالف، التي أكدت المصادر أنها دمرت عددًا من مخازن الأسلحة والمواقع والتحصينات في مناطق متفرقة من المحافظة.
وذكرت مصادر مطلعة في المقاومة بمأرب أن عددًا من القادة العسكريين الذين شاركوا في الحروب الست، بين الحكومة اليمنية السابقة والحوثيين في محافظة صعدة، التحقوا بجبهات القتال للاستفادة من خبراتهم فيما يتعلق بمواجهة الحوثيين، في وقت نقلت وسائل إعلام يمنية عن «مركز أبعاد للدراسات والبحوث» إحصائية تشير إلى خسائر الحوثيين في مأرب منذ مارس (آذار) الماضي وحتى الآن، وذكر المركز أن القوات الانقلابية خسرت نحو 3 آلاف قتيل ومئات الأسرى، إضافة إلى تدمير عشرات الآليات العسكرية.
في هذا السياق، قال اللواء جعفر محمد سعد، مستشار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لـ«الشرق الأوسط»، ردًا على الطروحات بشأن تأخر الحسم في مأرب، إن «العمل العسكري على الأرض الذي تشترك في تنفيذه أنواع وصنوف القوات البرية ووحدات التأمين والطيران، يتم وفقًا لحسابات دقيقة جدًا لا تخضع لرغبات بل لخطط توضع على أساس ما يمثله مسرح العمليات من انتشار وحشد للقوات الانقلابية لصالح والحوثي، وأيضًا طبيعة الجغرافيا بمفهومها العلمي الواسع: السكان، والثقافة، وطبيعة الأرض، ونوع وحجم العمل السياسي المطلوب إنجازه في تلك الجغرافيات، خصوصًا في مثل واقع محافظة مأرب التي تفرض تحركات متوازية عسكرية وسياسية، في وقت واحد». وأضاف مستشار الرئيس أن «من يعتقد دون إدراك للحقائق بأن الحسم تأخر، هم من لا يستطيعون قراءة الواقع أو التطورات الإيجابية على الأرض عسكريًا وسياسيًا». وفيما يتعلق بعمليات القصف الجوي في صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، قال اللواء جعفر محمد سعد إن «تلك مهام موجهة، أولاً، لمنع الإمدادات وإضعاف قوات الانقلاب وجعلها غير قادرة على المناورة بالقوى والوسائل من اتجاه إلى آخر، خصوصًا في اتجاهات تعز والحديدة، يضاف إلى تلك المهام التي يقوم بها التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول التحالف تأتي مهمة تدمير ما تبقى من احتياطات مادية وآليات وأسلحة لقوات صالح والحوثي».
إلى ذلك، وفي حين تحدثت بعض المصادر عن اقتتال داخلي بين قوات الرئيس السابق صالح والميليشيات الحوثية في دار الرئاسة بصنعاء، قالت مصادر مطلعة في صنعاء إن «التراجع الكبير للانقلابيين في مأرب وعدد من الجبهات، فجر خلافات بين الطرفين، إضافة إلى خلافاتهم المستمرة بشأن توزيع الأموال والسيطرة على الأسلحة الحديثة واغتنامها وإرسالها إلى مناطق القيادات العسكرية وقيادات الميليشيات، دون الاستفادة منها في المواجهات، وذلك في إطار عمليات الفساد المستشرية في أوساط القوات الانقلابية ونهبها لأموال كبيرة من خزينة الدولة ومن رجال المال والأعمال وتجارة بيع السلاح والمشتقات النفطية في (السوق السوداء). ورصد مراقبون أعمال نهب كبيرة للمال العام والخاص من قبل الميليشيات والقيادات العسكرية، وهي عمليات فُسرت على أنها جاءت في إطار الهزيمة النفسية والعسكرية والتحضير للفرار من معركة صنعاء».
على صعيد آخر، شنت مقاتلات قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية أعنف الغارات الجوية على مواقع في العاصمة اليمنية صنعاء، فجر أمس وبعد منتصف ليل أول من أمس. وقال شهود عيان في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن «غارات طائرات التحالف غير مسبوقة، حيث استهدفت، تلك الغارات منزل صالح في حي الحصبة، بشمال العاصمة صنعاء، ووزارة الداخلية ودائرة التوجيه المعنوي التابعة لوزارة الدفاع، إضافة إلى عدد من المنازل التي يتخذ منها الحوثيون وقياداتهم مواقع لهم، إضافة إلى تدمير هذه القوات».
وتحدثت مصادر في السلطة المحلية بصنعاء عن مقتل العشرات في تلك الغارات. وفي هذا السياق، أكد شهود العيان أن العاصمة صنعاء، وعقب الغارات، التي شهدتها اليومين الماضيين، شهدت موجة نزوح غير مسبوقة للسكان إلى مناطق ومحافظات أخرى، حيث توافدت مئات الأسر إلى محطات سيارات الأجرة بين المحافظات، وذلك لمغادرة صنعاء بما خف حمله، هروبًا من القصف العنيف، ورغم المبالغ الكبيرة والطائلة لكلفة السفر، ودون الأخذ في الاعتبار عمليات القصف التي تستهدف الطرق والجسور التي تربط صنعاء بعدد من المحافظات. وقد تزامنت عملية النزوح الكبيرة من صنعاء مع الأنباء المتواترة عن قرب عملية تحرير صنعاء، وإطباق الحصار عليها، قبل مهاجمتها.
ورغم ظروف القصف والحصار لصنعاء، تواصل عدد من أسر المعتقلين والمختطفين لدى الميليشيات الحوثية وأجهزة الأمن التابعة لها، تنفيذ سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية للمطالبة بإطلاق سراحهم، حيث قامت الميليشيات بالاعتداء على عشرات الناشطين والناشطات الذين تجمعوا أمام مبنى جهاز الأمن السياسي (المخابرات) للمطالبة بإطلاق سراح القيادي البارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، محمد قحطان، الذي تحتجزه الميليشيات منذ بضعة أشهر، وقد استقدم الحوثيون عددًا من النساء اللواتي رددن ما تسمى بـ«الصرخة» وقمن بضرب النشطاء والناشطات، فيما قام مسلحو الحوثي باعتقال عدد من الناشطين والناشطات، بينهم الكاتب محمود ياسين، والناشطة رضية المتوكل وزوجها عبد الرشيد الفقيه، إضافة إلى أن القيادي في حركة الحوثيين، علي البخيتي، أعلن في بيان صادر عنه، أنه تعرض للضرب على يد النساء الحوثيات أمام مقر المخابرات، بسبب تضامنه مع القيادي قحطان ومطالبته بالإفراج عنه، ويحتفظ الحوثيون بمئات من المعتقلين من مختلف الاتجاهات السياسية، وبالأخص من قيادات ونشطاء حزب الإصلاح، إضافة إلى اعتقالهم المتواصل لوزير الدفاع، اللواء محمود سالم الصبيحي، الذي شدد مجلس الأمن على ضرورة الإفراج عنه وعن بقية المعتقلين السياسيين، دون أن يلتزمون الحوثيون بالقرار الأممي وتنفيذه.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.