يبدأ الطريق الملتوي إلى ألمانيا من محطة الحافلات أحمد شاه بابا على مشارف العاصمة الأفغانية كابل، حيث يتجمع هناك كل يوم بعض من أصغر وأفقر الأفغان الطامحين إلى الهجرة إلى أوروبا على أمل الرحيل. حقائبهم، إذا كانوا يحملون إحداها، رخوة في العادة، لا تحمل بداخلها الكثير. لكن بعضهم بدأ يسمع أن هناك بلدًا واحدًا متلهفة لاستقبالهم.
ويقول عبد الجواد، 16 عامًا، بعد شرائه بطاقة لركوب الحافلة «أحاول الذهاب إلى ألمانيا.. آمل أن أجتاز هذه التجربة وأصل إلى هناك».
وكان المراهق الأفغاني يقف في المكتب الصغير بالمحطة، حيث كانت هناك سجادة ملقاة على المنضدة لكي يتمكن المسافرون من إسناد مرفقهم عليها بينما يعدون نقودهم.
ويقول عامل بيع البطاقات رحمة الله إنه «لا توجد لديه حافلة ستقطع كل المسافة إلى ميونيخ، لكن ما يعادل 14.5 دولار يؤمن للمسافر مقعدًا في الحافلة المسافرة إلى ولاية نيمروز المقفرة على الحدود الأفغانية مع إيران، بينما تعد أولى محطات الرحلة».
وحتى العام الماضي، كان معظم المراهقين الذين يتوجهون إلى ولاية نيمروز لا يتطلعون إلى الذهاب إلى أبعد من إيران، لكي يبحثوا هناك عن فرصة عمل كإجراء. لكن الولاية أصبحت مشهورة الآن بأنها المحطة الأولى في الطريق إلى أوروبا، حيث يشق بشغف الآلاف من المهاجرين واللاجئين سبيلهم إلى هناك. ويحاول فريق من صحافيي جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية توثيق هذه الرحلة.
ويقول عدد من عمال بيع البطاقات من شركات حافلات مختلفة في كابل إن «نحو 40 حافلة تغادر يوميًا إلى نيمروز في الوقت الراهن».
وأصبحت خدمة أحمد شاه بابا من بين أشهر شركات الحافلات في المنطقة، حيث اكتسبت سمعة بين الركاب أن سائقيها قادرون على إنهاء الرحلة في 12 ساعة فقط بفضل قيادتهم السريعة والمتهورة.
وعندما يفكر رحمة الله في عدد الأشخاص الذين يغادرون أفغانستان - كل بطاقة يبيعها تذكره بهذه الحقيقة - يشعر بالدهشة والحزن. ويقول «لم يكن هناك قط هذا العدد الكبير من الناس الراغبين في الرحيل الآن».
على مدار جيل كامل، كان الأفغان يمثلون أكبر جماعة للاجئين في العالم، بخلاف الفلسطينيين. إلا أن السوريين الفارين من بلادهم تفوقوا العام الماضي على أعداد اللاجئين الأفغان.
لكن الأفغان يغادرون بلادهم الآن بمعدلات متسارعة. وحتى شهر يوليو (تموز) الماضي من هذا العام، وصل نحو 77 ألف أفغاني إلى تركيا وتقدموا بطلبات لجوء، مقابل 58 ألفا في عام 2014 كاملا، بحسب البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة. ويمثل الأفغان، بعد السوريين، أكبر طائفة من اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر هذا العام، والذي يزيد عددهم على 381 ألف شخص.
ويشعر الكثير من الشبان الأفغان بالخوف إزاء مستقبلهم ومستقبل بلادهم، إذ تكسب حركة طالبان مزيدًا من الأرض، كما أن القوات والمنظمات الأجنبية رحلت مخلفة ورائها اقتصادا منكمشًا. وبعد مرور عام تقريبًا على تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة، لا يسع أحد أن يتذكر أي إنجاز لها.
«في حقبة ماضية من الزمن، دخلنا في العصور المظلمة»، حسبما يقول عين الله، والذي يبيع البطاقات من كشك على الطريق السريع المزدحم الذي يمتد جنوبًا خارج كابل، باتجاه قندهار، ثم ينحرف غربًا إلى نيمروز.
ومن بين جميع السبل المؤدية إلى أوروبا، يعد ذلك الطريق هو الأسوأ على الإطلاق.
في الواقع، إن أي أفغاني يستطيع تحمل كلفة الرحلة بالطائرة إلى تركيا لن يتورع عن اتخاذ هذه الخطوة ومواصلة الرحلة من هناك، تحاشيا للذهاب إلى إيران.
كان أمير محمد أخوندزاده، الحاكم السابق لولاية نيمروز، صرح هذا العام بأنه «كانت هناك أسابيع شهدنا خلالها إعادة 44 جثة إلينا عبر الحدود». ويضيف «الجثث كانت لأناس تعرضوا لحوادث، أو شنقوا بتهمة التهريب، أو أطلق عليهم الرصاص أثناء العبور. نواجه أزمة كبيرة».
وينضم عادة الأفغان الذين يصلون إلى تركيا عبر إيران إلى السوريين والعراقيين الفارين والذين يتوجهون بحرًا إلى اليونان ومن ثم يشقون طريقهم عبر البلقان. لكن الغالبية لا يذهبون إلى أبعد من الحدود الإيرانية، على الأقل في محاولتهم الأولى.
وتتضح فرص نجاح الرحلة في نحو الساعة الخامسة مساء في معظم الأيام، عندما تبدأ الحافلات العائدة من نيمروز في الظهور بالمحطة. وفي عصر أحد الأيام القريبة، كان ريحان الله، 18 عامًا، أحد آخر الركاب الذين نزلوا مترنحين من إحدى هذه الحافلات، حيث كان وجهه شاحبًا من الجفاف والجوع. الشاب الذي يستخدم، شأنه شأن الكثير من الأفغان، اسمًا واحدًا، كان قد غادر كابل قبل 8 أيام.
ويقول ريحان الله «لم يكن هناك بلد معين في خاطري - أردت الرحيل فحسب».
هذا الشاب الأفغاني نشأ في جلال آباد شرق أفغانستان، حيث كان يعمل في إحدى ورش الميكانيكا ويكسب القليل من المال. كما نالت الحرب من عائلته: لقي شقيقه الأكبر حتفه قبل 3 أعوام.
وقال «أعتقد أن أوروبا ستعاملنا كبشر.. لكنني هنا، ليس لدي أي شيء بين يدي - أي شيء».
ويسترجع ريحان الله كلمات والده قبل أن يغادر المنزل الذي أبلغه قائلا «أجل، ليس لك أي مستقبل هنا. إذا أردت أن ترحل، فلترحل».
الشاب الأفغاني انطلق وفي جيب ملابسه الأفغانية التقليدية الزرقاء ما يعادل 65 دولارًا. بينما كان يحمل في حقيبة الظهر بنطلون جينز وقميصًا، حيث كان ينوي ارتداءهما بعدما تصبح أفغانستان خلفه. لكن الفرصة لم تواتيه.
وفي نيمروز، التقى مهربًا وافق على نقله عبر الحدود، حيث حشر عددًا كبيرًا من البشر في سيارته من طراز «تويوتا كورولا»، كان الشاب ريحان الله واحدًا من أربعة في صندوقها الخلفي.
*خدمة «نيويورك تايمز»