كولبيرت: أكثر سياسة.. أقل فكاهة

خليفة ليترمان لبرنامج «ليت نايت شو» في «سي بي إس» حائز 3 جوائز «إيمي» في الإبداع التلفزيوني

ستيفن كولبيرت المقدم الجديد لبرنامج «ليت نايت شو» في مدخل تلفزيون «سي بي إس»  (نيويورك تايمز)
ستيفن كولبيرت المقدم الجديد لبرنامج «ليت نايت شو» في مدخل تلفزيون «سي بي إس» (نيويورك تايمز)
TT

كولبيرت: أكثر سياسة.. أقل فكاهة

ستيفن كولبيرت المقدم الجديد لبرنامج «ليت نايت شو» في مدخل تلفزيون «سي بي إس»  (نيويورك تايمز)
ستيفن كولبيرت المقدم الجديد لبرنامج «ليت نايت شو» في مدخل تلفزيون «سي بي إس» (نيويورك تايمز)

مع نهاية الصيف، مع شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، يبدأ الموسم الجديد في القنوات التلفزيونية الأميركية الرئيسية. لهذا، مع بداية الصيف، مع شهر مايو (أيار)، ينسحب من الأضواء من يريد أن ينسحب، ويستعد كل نجم جديد لأضواء الموسم الجديد.
هذه المرة، من أشهر تخلوا عن الأضواء جون ستيوارت، مقدم برنامج «ديلي شو» في تلفزيون «كوميدي سنتر» (المركز الفكاهي)، الذي ترك البرنامج بعد عشرين عاما تقريبا. وأشهر من تتسلط عليه الأضواء الجديدة هو ستيفن كولبيرت، المقدم الجديد لبرنامج «ليت نايت شو» (عرض آخر الليل) في تلفزيون «سي بي إس».
في الحقيقة، ليس كولبيرت غريبا عن الأضواء. لعشر سنوات، ظل نجمه يلمع في برنامجه «كولبيرت ريبورت» (تقرير كولبيرت)، في تلفزيون «كوميدي سنتر»، نفس التلفزيون الذي خرج منه ستيوارت.
بينما مقابلات تلفزيون «كوميدي سنتر» تميل أكثر نحو الفكاهة، وأقل نحو الجدية (مثل: كولبيرت، وستيوارت)، تميل مقابلات تلفزيون «سي بي إس» أكثر نحو الجدية، وأقل نحو الفكاهة (مثل ليترمان). لهذا، كما قال دامون وينتار، مسؤول الإعلام في صحيفة «نيويورك تايمز»: «يحتاج كولبيرت إلى مزيد من الجدية، وقليل من الفكاهة».
في الأسبوع الماضي، قدم كولبيرت في برنامجه الجديد جو بايدن، نائب الرئيس. وفي كثير من السياسة الجادة، وقليل من الفكاهة، تحدثا عن مختلف المواضيع. من بينها، ترشيح بايدن لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي، بدلا عن هيلاري كلينتون، التي هبط تأييد الأميركيين لها بسبب تلاعبها بوثائق وزارة الخارجية عندما كانت وزيرة بين عامي 2009 – 2013. قال بايدن إنه لم يحدد رأيا نهائيا. وأشار إلى حزنه بسبب وفاة ابنه «بو». لهذا، لم تكن المقابلة فكاهية، أو حتى شبه فكاهية، احتراما لأحاسيس بايدن.
بعد أول حلقة في البرنامج الجديد، قالت عنه صحيفة «واشنطن بوست»: «إنه برنامج عادي. لكنه كان مليء بأشياء كثيرة تبرهن على أن كولبيرت ملئ بالمعلومات». وأشارت الصحيفة إلى أن كولبيرت، في أول حلقة، تحدث عن الحملة الانتخابية الأميركية. وعن المهاجرين السوريين إلى أوروبا. وعن ديفيد لترمان (الذي سبقه في تقديم البرنامج). وعن حمص ماركة «سابرا». وعن تاريخ السلام الجمهوري الأميركي. وعن البسكويت الذي يفضله: «أوريوز».
يبلع عمر كولبيرت (50 عاما). وهو ممثل، وكاتب، وكوميدي. حاز على ثلاث جوائز «إيمي» في الإبداع التلفزيوني. معروف بأسلوبه التهكمي، خاصة في المجال السياسي درس ليصبح ممثلا، لكنه اهتم بالكوميديا أكثر، في جامعة نورث ويسترن (ولاية اللينوي). بعد الجامعة، عمل في أدوار مختلفة. ثم اشتهر عندما عمل مراسلا صحافيا (كوميديا) في البرنامج الكوميدي الشهير «ديلي شو» الذي كان يقدمه ستيوارت. في عام 2005، ترك كولبيرت البرنامج ليعمل مستقلا في برنامج خاص به سماه «كولبيرت ريبور (تقرير كولبيرت)». سار على نفس نهج برنامج «ديلي شو»، وصار مذيعا سياسيا ساخرا. منذ بدأ البرنامج، وهو في نجاح متواصل. وصار الثاني، بعد برنامج ستيوارت، مشاهدة في تلفزيون «كوميدي سنترال». ونال ثلاث جوائز «إيمي» في الإبداع التلفزيوني. وفي عام 2008، قدم في البيت الأبيض برنامجا هزليا، تندر فيه على الرئيس بوش الابن بحضور الرئيس بوش الابن نفسه. وفي عام 2009، وضعته مجلة «تايم» مع قائمة 100 شخصية مؤثرة في العالم. ولد كولبيرت في واشنطن، لكنه تربى في شارلستون (ولاية ساوث كارولينا). وهو الابن الأصغر من بين 11 ابنا وابنة، من عائلة كاثوليكية آيرلندية.
في وقت لاحق، تندر على تربيته تربية كاثوليكية متشددة. وتندر على الكنيسة الكاثوليكية، وعلى بابا الفاتيكان. وتندر على لكنته الجنوبية.
وهو صغير، لاحظ أن الشخصيات من ولايات الجنوب الأميركي تظهر في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية وكأنها أقل ذكاء، وأقل حضارة، من غيرها من عامة الأميركيين.
ليتجنب ذلك، تعلم أن يتكلم بلكنة أميركية مثل مذيعي الأخبار. وكان هذا من أسباب ميله نحو البرامج التلفزيونية الإخبارية.
ركز كولبيرت في برنامجه القديم على تقليد برامج سياسية في قنوات تلفزيونية أخرى. مثل: «أورايلي فاكتور» (يقدمه بيل أورايلي)، و«سكاربرو كانتري» (يقدمه جيمس سكاربرو).
من أشهر ما قدم، كان في عام 2006، في حفل مراسلي البيت الأبيض، إذ انتقد الرئيس بوش الابن، وكان ضيف الحفل. قال في تهكم: «ها أنذا أؤيد هذا الرجل، لأنه يؤيد أشياء كثيرة. منها: حاملات الطائرة، وتدمير المدن (حرب العراق)، ومدينة غارقة بالفيضان (نيو أورليانز، التي أغرقها إعصار كاترينا)».
قال في برنامجه مرات كثيرة إنه لم يكن سياسيا عندما كان طالبا في الجامعة. وحتى اليوم، رغم أنه يتندر على السياسيين كثيرا. لكنه، اعترف بأنه يصوت مع الحزب الديمقراطي. قبل خمسة أعوام، في مقابلة في جامعة هافارد، قال: «لا أختلف مع الجمهوريين، لكن، أختلف مع سياساتهم».
يعيش كولبيرت في مونتا كلير (ولاية نيو جرسي) مع زوجته إيفلن ماكجيكولبيرت. ومن هناك يتنقل كل يوم إلى مكتبه في مبنى تلفزيون «سي بي إس». مرة، ظهرت زوجته معه في حلقة من مسلسل «سترينجر ويذ كاندي» (غريب يغري الأطفال بالحلوى). لديهما ثلاثة أطفال: «مادلين»، و«بيتر»، و«جون». ظهروا كلهم في برنامج «ديلي شو». لكن، قال كولبيرت إنه يفضل ألا يشاهده أطفاله في البرنامج. قال: «لا يفهم الأطفال السخرية أو التهكم. يفهمون النكات المباشرة. وأيضا، لا يفهمون النكات السياسية. ولا نفاق السياسيين. لهذا، لا أريدهم أن يشاهدوني، ويعتقدوا أني منافق أجري مقابلات مع منافقين مثلي».
في عام 2005، سمي كولبيرت ثاني أوسم مذيع تلفزيوني، في استطلاع مجلة «ماكسيم» الرجالية. وفي عام 2006، سمي واحدا من أوسم الرجال في العالم، في استطلاع مجلة «بيبول». وفي عام 2006، كان واحدا من رجال العام في مجلة «جي كيو» الرجالية. وفي عام 2007، أصدرت محلات آيس كريم «بن وجيري» نكهة آيس كريم جديدة على شرف كولبيرت اسمها «كولبيرت أميركان دريم» (حلم كولبيرت الأميركي). في العام الماضي، وهو يغادر برنامجه «كولبيرت ريبوت» إلى برنامج «ليت نايت شو»، قدم احتفالا عامرا بالنجوم. وكان هناك صديقه وزميله ستيوارت. وغنيا «سنلتقي مجددا. سنلتقي مرة أخرى. لا نعلم أين. ولا متى. لكننا نعرف أننا سنلتقي في يوم مشمس، فلنحتفظ بالابتسامة كما اعتدنا دائما».
في بداية صيف هذا العام، عندما غادر ستيوارت برنامجه «ديلي شو»، واعتزل العمل التلفزيوني، قدم حفلا صاخبا، وعامرا بالنجوم. وكان هناك صديقه وزميله كولبيرت. وغنيا، مرة أخرى: «سنلتقي مجددا. سنلتقي مرة أخرى. لا نعلم أين. ولا متى. لكننا نعرف أننا سنلتقي في يوم مشمس، فلنحتفظ بالابتسامة كما اعتدنا دائما».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.