داود أوغلو يعد باستعادة الأغلبية بعد إعادة انتخابه رئيسًا لحزب العدالة والتنمية في تركيا

رفع حظر التجول في مدينة كردية يكشف عن دمار كبير فيها

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وزوجته ساره يحييان أنصار حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمر الحزب في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وزوجته ساره يحييان أنصار حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمر الحزب في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

داود أوغلو يعد باستعادة الأغلبية بعد إعادة انتخابه رئيسًا لحزب العدالة والتنمية في تركيا

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وزوجته ساره يحييان أنصار حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمر الحزب في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وزوجته ساره يحييان أنصار حزب العدالة والتنمية خلال مؤتمر الحزب في أنقرة أمس (أ.ف.ب)

أعيد انتخاب رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو أمس رئيسا لحزب العدالة والتنمية، ووعد أمام أعضاء الحزب باستعادة الأكثرية المطلقة في مجلس النواب خلال الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقال داود أوغلو، في كلمة ألقاها أمام المشاركين في مؤتمر حزب العدالة والتنمية «إن مستقبل تركيا خلال السنوات العشر إلى العشرين المقبلة سيكون مضمونا في حال تشكلت حكومة جديدة في الأول من نوفمبر على قاعدة أفكار حزب العدالة والتنمية». ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله «إن حكومة الحزب الواحد ضرورية سواء أكان ذلك لمحاربة الإرهاب أو رفع التحديات الاقتصادية».
وكان حزب العدالة والتنمية خسر خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في السابع من يونيو (حزيران) الأكثرية المطلقة التي كان احتفظ بها طيلة 12 سنة. واعتبرت هذه الخسارة صفعة لرئيس البلاد ومؤسس حزب العدالة والتنمية رجب طيب إردوغان. ويشارك الأخير في الحملة الانتخابية على أمل الحصول على غالبية واسعة تتيح له تعديل الدستور وتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية.
وكان داود أوغلو فشل في تشكيل حكومة ائتلافية، مما دفع الرئيس إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وأضاف داود أوغلو «نتوجه إلى انتخابات الأول من نوفمبر وكلنا أمل في التمكن من تشكيل حكومة مستقرة قادرة على وضع سياسة تنمية مستدامة والدفاع عن حقوق وحريات الجميع».
وكان داود أوغلو المرشح الوحيد لرئاسة الحزب، وأعيد انتخابه السبت بالإجماع حاصلا على أصوات 1353 مندوبا للحزب. وأفاد مشاركون في المؤتمر بأن إردوغان تمكن خلال هذا المؤتمر من تعزيز نفوذه داخل المكتب التنفيذي للحزب عبر إدخال عدد من الموالين إليه مثل وزير النقل السابق بينالي يلدريم.
ولم يحضر إردوغان المؤتمر، لكن ابنتيه، إسراء وسمية، اللتين يزداد ظهورهما العلني مؤخرا، جلستا في المقاعد الأمامية. وغابت الموسيقى عن المؤتمر احتراما لعشرات العسكريين الأتراك الذي قتلوا في المواجهات مع حزب العمال الكردستاني، بحسب مسؤولي الحزب.
أمنيًا، رفعت الحكومة، أمس، حظر تجول استمر تسعة أيام عن مدينة جيزره في جنوب شرقي البلاد وأعيد فتح الطرق إليها لتكشف عن دمار هائل تعرضت له المدينة خلال عملية عسكرية واسعة استهدفت المتمردين الأكراد. وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية الكثير من المباني المدمرة وأخرى نخرها الرصاص خلال حظر التجول الذي فرض في 4 سبتمبر (أيلول). وسمح للسكان بدخول المدينة والخروج منها مع بقاء حواجز التفتيش التي أقامها الجيش، بحسب المراسل الذي دخل المدينة بعد رفع الحظر في الساعة السابعة صباحًا بالتوقيت المحلي.
وقالت الحكومة إن فرض حظر التجول كان ضروريًا لعملية عسكرية «لمكافحة الإرهاب» في المدينة ضد عناصر يشتبه بأنهم من حزب العمال الكردستاني المحظور. غير أن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للقضية الكردية، قال إن 21 مدنيًا قتلوا خلال حظر التجول الذي حرم الأهالي من وسائل الحياة الضرورة وتسبب بنقص في المواد الغذائية. ولا تزال خدمة الهاتف والإنترنت ضعيفة إلى حد كبير، بينما خرج المواطنون للمرة الأولى لمعاينة حجم الأضرار.
وشوهد الكثير من الأشخاص يدخلون المدينة، غالبيتهم للاطمئنان على الأهالي، لكن قلة غادروا.
وقال محمد غولر المسؤول المحلي: «أطفالنا كانوا يرتعدون من الخوف. لقد أثر الوضع على نفسيتهم».
وخلال حظر التجول لم يسمح لمن هم من خارج المدينة بالدخول، بينما وصف نشطاء أكراد الوضع «بالحصار» الذي يشبه ما تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. وأضاف غولر: «لا يوجد ماء ولا كهرباء ومؤننا تنفد»، مضيفًا أن حتى الآذان توقف خلال حظر التجول.
ولا تزال آثار المعارك ظاهرة في جيزره حيث تنتشر الحواجز والسواتر في الشوارع التي يتناثر فيها الرصاص الفارغ وهياكل السيارات المحترقة. غير أن وجود الشرطة لم يعد ظاهرًا.
وأثار حظر التجول في جيزره ومنع الناس من التنقل بحرية خارج منازلهم لأكثر من أسبوع، قلقًا دوليًا.
وأعرب مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، نيلز مويزنيكس، أمس، عن خشيته إزاء «المعلومات المقلقة جدًا» من جيزره، مطالبًا بالسماح بدخول مراقبين مستقلين إلى المدينة.
والعملية في جيزره، البالغ عدد سكانها 120 ألف نسمة والواقعة على الحدود مع سوريا وقرب العراق، كانت جزءًا رئيسيًا من حملة الحكومة لشل حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقي تركيا وشمال العراق التي بدأت في أواخر يوليو (تموز)، دون أي مؤشر على التراجع. وقال وزير الداخلية، سلامي التينوك، الخميس الماضي، إن ما يصل إلى 32 من عناصر حزب العمال الكردستاني قتلوا في جيزره، مضيفًا أن مدنيًا واحدًا قتل في الاشتباكات. غير أن حزب الشعوب الديمقراطي تحدى الحكومة أن تثبت ما إذا قتل عنصر واحد من العمال الكردستاني في جيزره، متهمًا الجيش بإطلاق النار على المدنيين.
وقال محمود غور الذي يعمل بوابًا في أحد المباني: «كنا 10 أشخاص في منزلنا. أطلقوا النار على أي رأس يخرج من المبنى. لم يسألوا إن كنا بشرًا». بدوره، أكد الطالب هسيم كلكان أن حظر التجول تسبب «بكراهية ومرارة» وتحدث عن ورود أخبار عن اضطرار الأهالي لوضع جثامين أطفال في الثلاجات لعدم السماح لهم بدفنهم.
ولا تزال الكثير من الشوارع تحمل آثار دماء، وقال نشطاء إن ذلك دليل على حجم إراقة الدماء أثناء حظر التجول. وتفقد الأهالي المباني التي تحولت إلى ركام خلال العملية والمتاجر التي نسفت واجهاتها. ومع تصاعد التوتر بين الأهالي والسلطات أقالت وزارة الداخلية ليلى إيمرت الرئيس المشارك لبلدية جيزره، بسبب تصريحات لقناة «فايس نيوز» الأميركية. وفتح المدعون تحقيقًا بحق إيمرت البالغة من العمر 28 عامًا، بعد اتهامات «بالدعاية لمنظمة إرهابية» و«التحريض على التمرد».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».