سكان عدن يشكون ارتفاع أسعار الغذاء والدواء وغياب الرقابة

{الشرق الأوسط} تجولت في المدينة الجنوبية وترصد معاناة المواطنين

صبي يمني بإحدى أسواق الخضراوات والفاكهة في مدينة عدن (غيتي)
صبي يمني بإحدى أسواق الخضراوات والفاكهة في مدينة عدن (غيتي)
TT

سكان عدن يشكون ارتفاع أسعار الغذاء والدواء وغياب الرقابة

صبي يمني بإحدى أسواق الخضراوات والفاكهة في مدينة عدن (غيتي)
صبي يمني بإحدى أسواق الخضراوات والفاكهة في مدينة عدن (غيتي)

انتهت الحرب في عدن وما زالت فصولها قائمة. الحرب لا تكون دائما بقذائف ومدافع وطائرات، هناك حرب أخرى يعيشها المواطن البسيط وهي غلاء الأسعار، حيث ينتهز تجار الحروب الفرصة في ظل غياب الرقابة. فقد اختفت المواد الغذائية من البقالات، وغابت الخضراوات من سوق الخضار، لتظهر بشكل خجول ومحدود وبسعر مبالغ فيه، حيث ارتفع سعرها لأكثر من 200 في المائة. المواطن في «عدن» يعيش حياته ببساطة، فمعاشه الشهري هو الركيزة التي يتكئ عليها، يعيش يومه براتب شهري في أحسن الأحوال يعادل مائتي دولار، بينما الغالبية يعيشون بـ150 دولار شهريا.
«الشرق الأوسط» تجولت في عدن لتتلمس معاناة الناس. تقول «أم محمد»: «أنا لا أريد معونات إغاثة. كل ما أريده هو تخفيض الأسعار التي ما زالت تقتلنا يوميا دون أن يلتفت لنا أحد من ولاة الأمر. أنا كنت أعيش براتبي البسيط قبل الحرب لكن بعزة وكرامة، ولم أمد يدي، قلصت الوجبات الرئيسية في الحرب من ثلاث وجبات إلى وجبتين، واستغنت عائلتي عن شرب الحليب والفاكهة والخضار فاكتفينا بما يسد الجوع على أمل أن تكون فترة صعبة وتمر، لكن الحال ما زال حتى اللحظة، ويتفنن التجار بتعذيبنا، فأصرف راتبي في الأسبوع الأول من الشهر ونكتفي بالاعتماد على الدقيق الجاف طوال الشهر».
التقينا كذلك بالمواطن محمد عبد الله، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «بينما كنا نحارب في جبهات القتال العدو المتمثل بميليشيا صالح والحوثي، ونضحي بأرواحنا، كان هناك من يحاربنا من الداخل ويحارب نساءنا وأطفالنا مستغلا غيابنا في جبهات القتال ليمارس أقذر حرب وهي (حرب الأمعاء الخاوية)، التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة في ظل غياب مسؤولي الرقابة، وإن اعترضنا بشكل فردي فستعم الفوضى مع الانتشار الكثيف للسلاح، ولأجل درء الفتنة نتمنى أن تلتفت الحكومة للمواطن الذي أنهكه الغلاء».
من جانبه، قال لـ«الشرق الأوسط» د.صيدلاني محمد يحيى الأنعمي، مدير مبيعات شركة «ماكرو غروب» المصرية للأدوية باليمن، إن سبب ارتفاع الأسعار الجنوني بقطاع الأدوية يرجع لعدم وجود استيراد للأدوية من الخارج خلال فترة الحرب الظالمة على عدن ونفاد معظم كميات الأدوية من المخازن. ولم ينكر الأنعمي أن بعض ملاك الصيدليات ومخازن الأدوية يقومون برفع الأسعار بمعدل 300 في المائة، وهو سعر خيالي وخارج إطار قدرة المستهلك البسيط، مشيرا إلى أن هناك أدوية لا تقل أهمية وضرورة عن الغذاء، مثل أدوية الأمراض المزمنة، مؤكدا أن غياب الرقابة الحكومية والمجتمعية سبب رئيسي في ذلك الارتفاع الجنوني للأسعار.
كما أشار الأنعمي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لجنة رقابية تتبع مكتب الصحة بعدن بدأت خلال اليومين الماضين في تنفيذ حملات نزول وتفتيش مفاجئة للصيدليات ومخازن الأدوية للبحث عن وجود أي أدوية من أدوية الإغاثة لمصادرتها، مشيرا إلى أن تلك الظاهرة منتشرة بقلة لضعف الوازع الديني وغياب الرقابة خلال الفترة الماضية وجشع ضعفاء النفوس في الكسب غير المشروع، شاكرا القائمين على تلك اللجنة التي ستحد من استغلال الأدوية المقدمة من الخارج، وهو ما سيعزز الحد من عمليات الفساد والمتاجرة بحقوق المواطنين.
وفي سياق متصل، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» جمال علي قاسم، تاجر تجزئة، أن غياب الرقابة المجتمعية والحكومية السبب الرئيسي في غلاء الأسعار بشكل جنوني بنسبة تفوق 250 في المائة، مشيرا إلى أن هناك تجارا جشعين على حد قوله يمارسون هواياتهم بقتل المواطن بطرق متعددة، قائلا إن مخازن المواد الغذائية تتكدس والتجار الكبار يستغلون الأزمات، ونحن تجار صغار نضطر أحيانا إلى عدم شراء بعض المواد، والكثير أغلق محلاته بسب ارتفاع الأسعار بشكل أكثر من جنوني لن يستطيع المواطن الغلبان تحمله، وهذا هو الموت البطيء، وعلى المقاومة الجنوبية أن تتحمل مسؤوليتها في ردع كل من تسول له نفسه استغلال معاناة السكان المغلوب على أمرهم في ظل عدم تسلم الموظفين رواتبهم.
قائمة طويلة لا تحصى ولا تعد في سجلات المعاناة اليومية التي يشكوها مواطنو المدينة في ظل الحرب الظالمة التي شنتها ميليشيا الحوثيين وقوات المخلوع صالح على عدن ومدن الجنوب الأخرى أواخر مارس (آذار) الماضي، وما خلفته من حصار ودمار وقتل وإجرام. وبعد تحرير المدينة وعودة مطار عدن والميناء للعمل مجددا واستقرار الأمن وتوافر المشتقات النفطية وسط حركة اقتصادية دؤوبة، وفي ظل عودة الحياة للمدينة المثقلة بجروح كثيرة استبشر المواطن خيرا بتحسن الأوضاع التي تزداد سوءًا يوما بعد يوم.
ويضيف جمال: «لم تشفع تلك التضحيات الجسيمة التي قدمها المواطن بعدن بصبره وصموده ومقاومته للقوات الغازية لعدن والجنوب بعد تضحيات الشهداء والجرحى والأسرى التي لولاها لما كنا اليوم نلف مدن عدن نتنفس النصر من حواريها ونستنشق عبير الحرية من سواحلها الآخذة في الوجدان».
كبيرة هي المعاناة والقائمة طويلة جراء ما عاناه سكان عدن خلال فترة الأشهر الثلاثة من حرب مارس 2015، والتي تضاهي بما خلفته من معاناة 3 أضعاف ما خلفته حرب صيف 94 الأسود على عدن والجنوب. لقد استغل التجار جشعهم خلال فترة الحرب برفع الأسعار بشكل جنوني، وهم اليوم يبقون على الأسعار نفسها في ظل غياب الرقابة الحكومية والمجتمعية رغم ازدهار حركة السوق وتوافر المشتقات النفطية واستتباب الأمن ووجود جميع المنافذ التجارية مفتوحة، فما هو السبب وراء جشعهم ذلك؟



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.