رحلة عذاب زوجين عراقيين من بغداد إلى أرض الأحلام في ألمانيا

أنفق الزوجان أكثر من 10 آلاف دولار للوصول إلى برلين وناما في العراء

رجال شرطة مجريون يوزعون طعاما وشرابا على المهاجرين في مخيم يبعد 180 كيلومترا عن جنوب شرقي العاصمة المجرية بودابست (أ.ب )
رجال شرطة مجريون يوزعون طعاما وشرابا على المهاجرين في مخيم يبعد 180 كيلومترا عن جنوب شرقي العاصمة المجرية بودابست (أ.ب )
TT

رحلة عذاب زوجين عراقيين من بغداد إلى أرض الأحلام في ألمانيا

رجال شرطة مجريون يوزعون طعاما وشرابا على المهاجرين في مخيم يبعد 180 كيلومترا عن جنوب شرقي العاصمة المجرية بودابست (أ.ب )
رجال شرطة مجريون يوزعون طعاما وشرابا على المهاجرين في مخيم يبعد 180 كيلومترا عن جنوب شرقي العاصمة المجرية بودابست (أ.ب )

يقول الزوجان العراقيان أحمد وعلياء اللذان رافقهما فريق من صحافيي وكالة الصحافة الفرنسية من الحدود اليونانية - المقدونية وصولاً إلى الحدود الألمانية، إنهما جازفا بكل شيء للوصول إلى أرض الأحلام في ألمانيا، ويرويان محنة الرحلة الطويلة البالغة 2500 كلم عبر البلقان.
ولدى وصولهما إلى بافاريا في جنوب ألمانيا، احتفل هذا الرجل البني العينين اللامعتين (27 عامًا) وزوجته الصهباء الشعر (26 عامًا) بفجر حياة جديدة، بعيدًا من صخب القنابل في بغداد.
وفي القطار الآتي من فيينا، وسط لاجئين آخرين، ورجال أعمال ومسافرين وسائحين، كانا يضحكان. إنها ضحكات الفرح لاختتام رحلة استمرت أسبوعًا وقادتهما من تركيا إلى ألمانيا مرورًا باليونان ومقدونيا وصربيا والمجر والنمسا، بوتيرة اجتياز بلد واحد في اليوم.
وعلى شاشة الكومبيوتر في قطار هذا المساء، يظهر الطريق الذي يسلكانه. والمسار يدل على أنهما في ألمانيا، وهذا يعني أنهما بمنأى عن الخطر. وقال أحمد الذي باع منزله ومتجره للألبسة من أجل المجيء بعليا وطفلهما في شهره الرابع إلى أوروبا: «لقد نجحنا».
خلال الأسبوع الماضي، نجا هذان الزوجان المتحدران من بغداد، واللذان لم يحصلا على أي مساعدة طوال رحلتهما، من التوقيف على يد خفر الحدود، وناما في الشارع، ولم يقعا في قبضة اللصوص، وتعاملا مع مهربين عديمي الضمير، وتعرضا للشمس الحارقة مع الطفل آدم في عربة أطفال، وارتجفا خلال الليل من البرد، ووقفا في الصف طوال ساعات هنا وهناك لتسجيل اسميهما لدى السلطات اليونانية ثم المقدونية ثم الصربية.
ورافق فريق من وكالة الصحافة الفرنسية، المؤلف من ثلاثة صحافيين، هذين الزوجين العراقيين عبر دول البلقان وما بعدها، في القطار وفي الحافلة، ومشيًا على الأقدام. كانت رحلة محفوفة بالمخاطر التي يتهيبها أعتى الرجال.
ومن أجل التسلل إلى المجر، اختار أحمد وعليا طريق الحقول بدلاً من تسجيل اسميهما مع أخذ بصمات الأصابع، حتى لا يفسدان فرصتهما بالحصول على حق الإقامة في ألمانيا. وعلى ضوء القمر، حبسا نفسيهما، بينما كانا يسيران خلف مهربين لاجتياز الحدود الصربية - المجرية، لأنهما كانا يتخوفان من اعتقالهما في أي لحظة ومنعهما من متابعة رحلتهما.
وقد انفقا بالإجمال أكثر من تسعة آلاف يورو (10 آلاف دولار) للوصول إلى ألمانيا، التي يعتبرها مئات آلاف اللاجئين والمهاجرين أرض الميعاد.
وقال أحمد الذي كان منهكًا لكنه مطمئن: «أريد فقط حياة هانئة لي ولزوجتي ولطفلي. أريد أن أعيش مثل الآخرين، من دون توتر ولا ضغوط ولا خوف».
لقد بدأ كل شيء العام الماضي. ففي فبراير (شباط) 2014، قرر الزوجان الفرار من العراق بعد عشرة أيام على زواجهما. وقد دعا أحمد حبيبته إلى مطعم. ويقول: «حصل انفجار وتحطم زجاج المطعم وانهار علينا». ولا تزال الجروح ماثلة للعيان، خصوصًا على وجه عليا.
ولم تتمكن هذه الطالبة الجامعية من متابعة دروسها في العراق. فقد دخل المتشددون مدرستها في أحد الأيام. وقالت هذه المرأة التي ترتدي قميص تي - شيرت وبنطلون جينز وحذاء رياضي، إن «مسلحين هددوا بقتلي لأني لم أكن أرتدي الحجاب». وتحدثت خلال الرحلة بشكل متقطع عن ذكرياتها ومشاريعها. وأضافت: «نأمل في أن يصبح جزء على الأقل من أحلامنا حقيقة».
وقبل أن يتخذا قرارًا بتحدي مخاطر الهرب عبر البحر على متن زورق متهالك، حاول أحمد الحصول على اللجوء في الولايات المتحدة. لكنه أخفق. وكان ذوو عليا لا يريدون أن تخوص ابنتهم غمار رحلة محفوفة بالمخاطر، لكن المرأة الفتية أصرت.
وقد تردد أحمد حتى النهاية. وأمام سفينة صيد متهالكة كان يقف في وسطها مهرب في تركيا أمرهما أن يصعدا إليها حتى يوصلهما إلى السواحل اليونانية، أراد رب العائلة الفتي أن تعود عليا وطفلهما. وأجابت الزوجة «إما نصل سوية أو نموت سوية».
هل شعرا بالندم؟ شعور كبير بالإحباط صباح أحد الأيام في بودابست، عندما لم يتمكن الزوجان المنهكان بعد ليلة لم يتذوقا خلالها طعم النوم من إيجاد فندق، لأنهما لا يحملان أوراقًا ثبوتية. حتى إن ماخورًا رخيصًا حاول مهرب أن يقودهما إليه رفض استقبالهما. لا مكان شاغرًا، قيل لهما.
عندئذ قالت علياء التي بلغت أقصى درجات الإرهاق: «لا أريد أن أقول لوالدتي كيف نعيش، ستشعر بحزن كبير..».
وعلى امتداد 2500 كلم من الحدود اليونانية - المقدونية إلى ألمانيا، فر الزوجان الشابان مع طفلهما من بلادهما التي تشهد حالة حرب، يخالجهما شعور ثابت بأنهما يتعرضان للاستغلال في كل مناسبة: المهربون يريدون مبالغ إضافية، والسندويتشات والماء تكلف مبالغ طائلة.
وفي مخيم بريشيفو في صربيا كان بعض النصابين يحاولون بيع رخص تتيح، حسب قولهم، للمهاجرين تجنب الوقوف في طوابير طويلة لتسجيل أسمائهم قبل متابعة الرحلة الصعبة. في حين كان رجال الشرطة يرفضون الرد على أسئلة اللاجئين البائسين.
في بلغراد طلب أحمد من أحد المهربين نقله مع عائلته إلى بودابست. إلا أن الرجل الجزائري الأصل رفض قائلاً «هل سمعتم بالـ71 شخصًا الذين عثر عليهم قتلى داخل شاحنة في النمسا؟ أنا لا أنقل أشخاصا معهم أطفال».
وتمكن أحمد وعلياء وآدم أخيرًا من الوصول إلى بودابست على متن حافلة قبل نقلهم إلى الحدود مع النمسا؛ حيث كان مهرب تكفل بتمريرهم إلى النمسا سيرًا على الأقدام. ورغم اعتقال ستة أشخاص من المجموعة تمكنت العائلة الصغيرة من العبور.
وفوجئت عليا في أحد الأيام أن حليبها نضب ولم تعد قادرة بالتالي على أرضاع طفلها.. والسبب أنها لم تأكل شيئًا طيلة النهار.
وبعد وصولهم إلى فيينا كان لا بد من تحديد المكان النهائي للرحلة. فكروا قليلا ثم اختاروا كولونيا في مقاطعة رينانيا حيث تعيش شقيقة أحمد. بعدها يمكن أن يختارا إما البقاء في ألمانيا أو الانتقال إلى هولندا حيث للاثنين اقرباء هناك.
في فيينا، تذوقا للمرة الأولى طعم الحرية حيث لم يكن هناك من يلاحقهما لا بل تناولا سندويتش كباب واستعدا للانتقال إلى ميونيخ في ألمانيا.
في ميونيخ، لم يجدا مستقبلين للترحيب بهم كما حصل مع غيرهم من المهاجرين، إلا أن عناصر الشرطة نقلوا أفراد العائلة إلى معسكر لتسجيل أسمائهم.
وفي اتصال مع صحافيي الوكالة الفرنسية عبر تطبيق فايبر، يقول أحمد: «نعيش مع عائلة أخرى في غرفة واحدة ولا نزال نرتدي الثياب نفسها التي وصلنا بها».
وحاولت عليا التفاوض للحصول على مكان إقامة أفضل إلا أن الجواب كان «لستم في فندق هنا».
وبات الزوجان مقتنعين بأن هذا التدفق الهائل للمهاجرين قد يحول دون انتقالهما إلى منزل فعلي قبل أشهر.
إلا أن أحمد يبقى متفائلاً، ويؤكد أن الحظ حالفه في الوصول إلى أوروبا لبناء حياة جديدة. ويقول: «الحمد لله لقد نجحنا».



روسيا تشيد بمواقف ترمب وتَحمِل على أوروبا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
TT

روسيا تشيد بمواقف ترمب وتَحمِل على أوروبا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)

أشاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأحد، بهدف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، «المنطقي» لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكنه حَمَل على القوى الأوروبية التي احتشدت حول كييف، واتهمها بالسعي إلى إطالة أمد الصراع.

وقال لافروف إن الولايات المتحدة لا تزال تريد أن تكون الدولة الأكبر قوة في العالم، وإن واشنطن وموسكو «لن تتفقا أبداً على كل شيء، لكنهما تتفقان على التحلي بالنهج العملي حينما تتطابق المصالح». وذكر لافروف أن نموذج العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هو النموذج الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين موسكو وواشنطن لإنجاز كثير من «الأمور ذات المنفعة المشتركة» دون السماح للخلافات بالتحول إلى حرب. وأضاف لصحيفة «كراسنايا زفيزدا» العسكرية الروسية، وفقاً لنص نشرته وزارة الخارجية: «دونالد ترمب براغماتي (شخص عملي)... شعاره هو المنطق السليم. وهذا يعني، كما يمكن للجميع أن يروا، التحول إلى طريقة مختلفة لإنجاز الأمور». وتابع قائلاً: «لكن الهدف لا يزال جعل (أميركا عظيمة مرة أخرى)»، في إشارة إلى الشعار السياسي لترمب، مضيفاً: «هذا يعطي طابعاً حيوياً وإنسانياً للسياسة. ولهذا السبب من المثير للاهتمام العمل معه».

طفل يجلس على دبابة روسية مدمرة وسط العاصمة الأوكرانية كييف الأحد (أ.ب)

أوروبا «وراء مآسي العالم»

وكانت روسيا قد غزت أوكرانيا في 2022 بآلاف القوات؛ مما تسبب في أكبر مواجهة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة.

وتحدث ترمب إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 فبراير (شباط) الماضي، وقال إنه يريد أن يذكره التاريخ بوصفه «صانع السلام»، لكنه غيّر تماماً السياسة الأميركية بشأن حرب أوكرانيا. وقال لافروف إن المكالمة مع بوتين كانت بمبادرة من ترمب. وقال ترمب الأسبوع الماضي إن الصراع قد يتحول إلى حرب عالمية ثالثة، مشيراً إلى أنه تحدث إلى بوتين في «مناسبات عدة» وأنه يعتقد أنه سيكون هناك اتفاق سلام في أوكرانيا.

ودخل ترمب يوم الجمعة هو ونائبه جي. دي. فانس في مشادة كلامية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل المكتب البيضاوي. واتهم ترمب زيلينسكي بعدم احترام الولايات المتحدة، وقال إنه يخسر الحرب وإنه لم تتبقَّ لديه أي أوراق. وسارع زعماء أوروبيون إلى الدفاع عن زيلينسكي.

لكن لافروف انتقد أوروبا، قائلاً إنه على مدى 500 عام مضت، كانت أوروبا هي المحرك لـ«كل مآسي العالم» سواء «الاستعمار، والحروب، والحملات الصليبية، وحرب القرم، ونابليون بونابرت، والحرب العالمية الأولى، وأدولف هتلر». وأضاف لافروف: «والآن، بعد ولاية (الرئيس الأميركي السابق جو) بايدن، جاء أشخاص يريدون الاسترشاد بالمنطق السليم... يقولون بشكل مباشر إنهم يريدون إنهاء جميع الحروب، ويريدون السلام».

كما رفض لافروف المقترحات الأوروبية لإرسال فرقة من قوات حفظ السلام الأوروبية، وقال إن روسيا ليست لديها ثقة بأوكرانيا بعد انهيار «اتفاقيات مينسك»، التي كانت تستهدف إنهاء حرب انفصالية من قبل الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا. وقال لافروف إن الأوروبيين لا يستطيعون توضيح الحقوق التي سيتمتع بها الناطقون بالروسية بموجب خطط قوات حفظ السلام الأوروبية، مضيفاً أن روسيا لا تحب فكرة دعم الأوروبيين زيلينسكي. وتابع: «الآن يريدون أيضاً دعمه بحرابهم في شكل وحدات حفظ سلام. وهذا يعني أن الأسباب الجذرية لن تختفي».

«انسجام مع رؤيتنا»

كما قال الكرملين، في تصريحات بُثت الأحد، إن التحول الكبير الذي شهدته السياسة الخارجية الأميركية تجاه روسيا تماشى إلى حد كبير مع رؤيته. وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، لمراسل من التلفزيون الرسمي في مقابلة مسجلة: «الإدارة الجديدة تغير بسرعة جميع إعدادات السياسة الخارجية. وهذا ينسجم إلى حد كبير مع رؤيتنا». وأضاف: «لا تزال الطريق طويلة؛ لأن هناك أضراراً جسيمة لحقت بالعلاقات الثنائية بأكملها. لكن إذا تواصلت الإرادة السياسية، للرئيس بوتين والرئيس ترمب، فإن هذا المسار يمكن أن يكون سريعاً وناجحاً للغاية». وأدلى بيسكوف بهذه التصريحات الأربعاء، لكنها نُشرت الأحد.