يستمتع الرئيسان الروسي والصيني بالمعنى الرمزي لمشهد استعراض الدبابات والصواريخ تدور أمامهم، والجنود تسير في خطى عسكرية منتظمة في الميادين، ليظهرا لجماهير المشاهدين في بلديهما وفى مختلف بقاع العالم بمظهر القوي الممسك بزمام الأمور وليبرهنا على أن بلادهم قوى عظمى. قام بوتين بزيارة إلى بكين الخميس الماضي ليشارك الرئيس تشي احتفاله بهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، حيث شاهد الجنود الروس يسيرون جنبا إلى جنب مع الجنود الصينيين، غير أن روسيا أجرت استعراضا عسكريا مستقلا أقل حجما لقواتها في نفس اليوم في مدينة ينزو - ساخالنسك، أقصى شرقي البلاد.
تعتبر زيارة بوتين للصين رمزية، حيث تأتي في إطار دعم محورها المعلن في آسيا عقب خلافها الأخير مع الغرب حول أوكرانيا وما ترتب عليها من عقوبات دولية. شجعت العقوبات على تنمية العلاقات التجارية المستدامة مع الصين، حسب بوتين في لقائه مع محطات تلفزيونية صينية وروسية قبيل الزيارة، مضيفا أن «العلاقات الروسية – الصينية ربما وصلت الآن ذروتها على مر التاريخ ولا تزال تتطور».
اصطحب بوتين الكثير من المسؤولين ورجال الأعمال إلى بكين لتوقيع عقود مع الشركات الصينية. وصرح أيغور سيشين، مدير شركة «روزنيفت»، أكبر شركة نفط روسية مملوكة للدولة، أن شركته وقعت عقودا مع الصين بقيمة 30 مليار دولار. وشملت العقود الاتفاق مع شركة «تشينا بتروكيميكال كورب» على التنمية المشتركة لحقلي نفط. كذلك اتفقت شركة «ساينوبيك» على شراء حصة ثانوية في شركة البتروكيماويات الروسية «سيبور».
تتطلع روسيا إلى حلفاء جدد في المجالين السياسي والاقتصادي من خارج أوروبا. تعاملت روسيا مع الصين كأهم شريك استراتيجي لأكثر من عام على أمل أن تساعد الاستثمارات الصينية والواردات من السلع الروسية الاقتصاد الروسي على الصمود أمام العقوبات.
«آمال موسكو مفرطة»، حسب تصريح أليكساندر غابيف، الخبير الروسي في الشؤون الصينية بمركز كارنيغي موسكو، لصحيفة «واشنطن بوست». وأضاف «لقد اعتقدوا أن المستثمرين الصينيين سوف يتدفقون إلى روسيا ليغمروها بالمال، غير أن البيانات الاقتصادية تظهر أن تلك الآمال لم تتحقق».
في الحقيقة، حجم التجارة بين البلدين تراجع بواقع 31.4 في المائة في النصف الأول من عام 2015 بسبب انخفاض أسعار النفط، والكساد الاقتصادي في روسيا، وتراجع الطلب الصيني على السلع الروسية.
تراجعت الاستثمارات الصينية بواقع 20 في المائة خلال نفس الفترة، حسب غابيف. وبالنظر إلى الكساد الاقتصادي في الصين، لا يبدو المستقبل ورديا، إذ إن الاعتماد الزائد على الصادرات إلى الصين قد يعرض الاقتصاد للمخاطر، كما يبين لنا نموذج البرازيل.
في شهر مايو (أيار) الماضي، وقعت الصين وروسيا اتفاق تعاون في مجال استخراج الغاز من شرق سيبريا كي يتم تصديره إلى الصين بدءا من عام 2019. وحسب السلطات الروسية، بلغت قيمة الصفقة 400 مليار دولار أميركي، غير أن السعر كان مرتبطا بسعر النفط، الذي انهار بشكل كبير منذ مايو 2014. لم ينته بعد العمل في مد أنبوب الغاز، غير أن روسيا لم تتفق مع الصين على نظام السداد مقدما الذي تتطلع إليه روسيا لتنفيذ المنشآت.
وفى نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، وقعت روسيا والصين مذكرة تفاهم لصفقة غاز ثانية من غرب سيبيريا. كان من المفترض توقيع العقد أثناء زيارة بوتين لبكين، غير أن ذلك لم يحدث. «لم يكن الوقت مناسبا لتوقيع صفقة غاز أخرى مع الصين»، حسب تصريح كيون ووك بيك، زميل معهد أكسفورد لدراسات الطاقة بلندن لوكالة بلومبيرغ في أغسطس (آب) الماضي.
تعتبر العقوبات الاقتصادية من العوامل التي سببت مشكلات للتعاون بين روسيا والصين. بخلاف ما تتسبب فيه العقوبات من حالة التباطؤ في الاقتصاد الروسي، أدت العقوبات كذلك إلى حالة الحذر التي يبديها المستثمرون الصينيون.
حتى وإن لم تكن رغبة الصينيين في الاستثمار على قدر طموحات موسكو، إلا أن التعاون لا يزال قائما في بعض مشاريع البنية التحتية، فعلى سبيل المثال اتفقت روسيا والصين على تشييد خط سكة حديد سريع يربط بين موسكو وكازان في يونيه الماضي.
بعد انتهاء زيارته لبكين، توجه بوتين لحضور المنتدى الاقتصادي الشرقي بفالديفوستوك، حيث تسعى السلطات والشركات الروسية لجذب مستثمرين آسيويين للعمل في أقصى شرق روسيا. لم تستثمر الصين حتى الآن في تلك المنطقة قليلة السكان في روسيا. وفى عام 2013، استثمرت الصين في منطقة بريمورسكي كراي، وعاصمتها فلاديفوستوك، بما قيمته 31 مليون دولار فقط، وهو مبلغ يقل عن استثمارات اليابان وألمانيا هناك. تحدثت الكثير من وسائل الإعلام عن الفوضى خلال الأيام الأولى للمنتدى الاقتصادي فيما يخص تنظيم الانتقالات وتسجيل الإعلاميين الموجودين وتوزيع الشارات عليهم. أرسلت الصين نائب رئيس الوزراء، وانغ يانغ، غير أن كبار المستثمرين الآسيويين كانوا ندرة في منتدى فلاديفوستوك.
وكان غابيف قد اشترى تذكرة طيران إلى فلاديفوستوك، غير أنه باعها بعدما تحدث مع أصدقاء آسويين أبلغوه عدم نيتهم في الحضور بعد أن شرحوا له الأسباب. سوف يكون تجمعا يخاطب فيه المسؤولون الروس غيرهم من المسؤولين، حسب غابويف، مضيفا «لا أود الذهاب إلى فلاديفوستوك لمجرد التحدث إليهم».
*«واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}
التفاتة روسيا إلى الصين: الفجوة بين الكلام والواقع
العلاقات بين موسكو وبكين ربما وصلت الآن إلى ذروتها على مر التاريخ ولا تزال تتطور
التفاتة روسيا إلى الصين: الفجوة بين الكلام والواقع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة