الطرز المعمارية التاريخية تغزو مباني الساحل الشمالي في مصر

تأثرت بحركة البناء في القرى السياحية

الطرز المعمارية التاريخية تغزو مباني الساحل الشمالي في مصر
TT

الطرز المعمارية التاريخية تغزو مباني الساحل الشمالي في مصر

الطرز المعمارية التاريخية تغزو مباني الساحل الشمالي في مصر

يكتسب مقاولون صغار يعملون في البناء قرب قرى الساحل الشمالي السياحية في مصر خبرة سريعة عن الطرز الجديدة لتشكيل المباني لكي تشبه الفيلات الفاخرة والقصور الكبيرة ذات القباب، للسكان المحليين، وذلك بغض النظر عن المستوى المادي.
ونشر مهندسو المعمار في قرى الساحل الشمالي، التي يمتلكها الأثرياء هنا، أشكالا مختلفة من المباني. فبعض القرى السياحية التي تتكون من فيلات وشاليهات وقصور صغيرة اتخذت الطراز اليوناني القديم، في حين اتبعت قرى أخرى نظما معمارية إسلامية. كما انتشرت القباب الهندية والواجهات ذات الأعمدة الطويلة التي تماثل المعابد الفرعونية القديمة.
وأخذ عدد من المقاولين الصغار ومن يعمل معهم من بنائين هذه الخبرة في إنشاء بيوت سكان بلدات ومدن العلمين والضبعة ورأس الحكمة وسيدي عبد الرحمن، من المهندسين المتخصصين في المعمار ممن تستعين بهم القرى السياحية الآخذة في الانتشار على طول البحر المتوسط في الساحل الشمالي الغربي لمصر.
ويقول نظمي الصعيدي، وهو مهندس معماري يشرف على بناء قرية سياحية جديدة قرب مجموعة قرى مارينا، ويعمل في هذه المنطقة منذ عشرين سنة، إن السكان المحليين الذين يقيمون عادة جنوب الطريق الساحلي الدولي، في الساحل الشمالي، لم يكونوا في السابق يهتمون بالشكل الهندسي للبيت، رغم أنه يوجد بينهم سكان مقتدرون.
لكن الآن الوضع تغير حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون قدرات مالية كبيرة. الشيء الإيجابي أن السكان المحليين تأثروا بفنون المعمار المنتشرة في القرى السياحية، ويبدو أنهم أجبروا المقاولين الصغار الذين يبنون لهم البيوت على إدخال أشكال جديدة. ويضيف أن الأمر في نهاية المطاف غير مكلف كما قد يعتقد البعض. أولا الناس في هذه المنطقة قليلو العدد، ويقومون بالبناء على أراضيهم الواسعة في الصحراء. وبعد عشرات السنين من اعتمادهم على أسلوب واحد في البناء، بدأوا أخيرا في تغيير الأنماط واتباع أشكال جديدة. وهذا غير مكلف. إذا أضفت عمودين طويلين في واجهة البيت مع باب ذي قوس مرتفع، ومدخل واسع مع حديقة، فكأنك تسكن في قصر، حتى لو كنت موظفا صغيرا، أو مزارعا أو تاجرا.
وتتبع منطقة الساحل الشمالي محافظة مطروح. وتمتد من محافظة الإسكندرية حتى ما بعد مدينة مرسى مطروح، حيث الحدود المصرية الليبية. ويحدد الطريق الساحلي الدولي جغرافية المنطقة وطبيعة سكانها. فعلى طول الساحل، ما بين الطريق الدولي والبحر، بدأت الحكومة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي في إقامة بعض القرى السياحية كأماكن للتصييف، وكان من أشهرها قريتا مراقيا ومارينا.
لكن بعد ذلك، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، زاد عدد هذه القرى وتفنن المهندسون المعماريون في إضافة اللمسات المستوحاة من فنون المعمار التاريخية. أما ما بين الطريق الدولي والصحراء، فتوجد عدة مدن وبلدات وتجمعات يسكنها أهالي المنطقة بشكل دائم، ولا تقتصر الإقامة فيها على فصل الصيف كما يحدث في القرى السياحية الواقعة على البحر. ويقول عبد الله السرحاني، وهو مقاول مبان من أهالي المنطقة، إن السكان تأثروا بالطرز المعمارية التي ظهرت في قرى سياحية كبيرة وصغيرة، مثل قرية ماربيلا وقرية بورتو مارينا، وقرية لافستا وقرية تلال، وغيرها.
ويضيف أن الأهالي هم من حولوا أنظار المقاولين المحليين للاستفادة من الطرق الجديدة في البناء. وظهرت على هذا بيوت لتجار وموظفين وحتى سائقي سيارات أجرة، وهي واقفة مثل القصور والفيلات، مشيرا إلى أنه لا توجد مشكلة في مساحة الأرض هنا، بخلاف الوضع في المدن الكبرى مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية. فأرض محافظة مطروح واسعة، وهي حتى الآن أكبر محافظة من حيث المساحة في مصر وسكانها لا يزيد عددهم على نحو 400 ألف نسمة.
وفي بعض المناطق الواقعة جنوب القرى السياحية يمكنك شراء متر الأرض بخمسين جنيها. هذا إذا كنت غريبا، أما للسكان الأصليين، وغالبيتهم من أبناء القبائل، فالأرض لا مشكلة فيها، أي أنها مجانا تقريبا، الكلفة ستكون في مواد البناء فقط. وهذه ليست قضية كبيرة. ليس المطلوب أن تبني فيلا في شهرين، لكن يمكن، إذا عزمت على الأمر، كما يفعل الكثير من الأهالي هنا، أن يستمر البناء لمدة عام أو عامين.. حسب الإمكانات. ويمكن السداد على دفعات تستمر حتى خمس سنين.
وتمكن مقاولون وبناؤون لم يدرسوا المعمار دراسة أكاديمية، مثل السرحاني، من إقامة مبان ذات هيبة لها قباب ملونة تتوسط مجموعة من الأعمدة الرخامية، وأسوار تنخفض وتعلو، ونوافذ ذات أقواس، وواجهات فخمة. وقام السرحاني بالعمل مع مهندس كان يشرف على بناء قرية غزالة السياحية القريبة من مدينة الضبعة. ويقول إنه تمكن بعد ثلاثة أعوام من العمل في قرى الساحل الشمالي من تطويع أعماله لتواكب الموضة الآخذة في الانتشار بين سكان تلك المنطقة. ويضيف: «يزيد الطلب على هذا النوع من المباني بلا توقف».
كانت طرز البناء للسكان المحليين شبه موحدة. بيوت ذات طابق واحد على شكل متوازي مستطيلات مقسم من الداخل إلى غرف. ولم يكن في غالبية هذا النوع من المباني أي فن معماري ذي شأن، ولم يكن هناك اهتمام يذكر بالواجهة. ويضيف السرحاني متذكرا أنه حين طلب منه أحد التجار قرب الضبعة بناء بيت جديد له بمواصفات معينة، شعر بالخوف من خوض التجربة. وأضاف أن الرجل قال له: «أريد بناء بيت إذا رآه أحد من بعيد ظن أنه قصر»، ومع ذلك وضع له سقفا للإنفاق على مثل هذا المبني الذي تمكن من إنجازه بالفعل خلال نحو 18 شهرا.
ويمكن أن ترى هذا المبنى اليوم وهو يشبه القصر بالفعل، وكأنه جزء من قرية سياحية من قرى الساحل الشمالي جرى نقلها إلى الصحراء جنوب الطريق الدولي. ويشبه المبنى بشكل عام مباني منطقة المنتزه التاريخية القديمة في مدينة الإسكندرية والتي كان يسكنها ملوك وباشاوات حقبة النصف الأول من القرن الماضي في مصر.
ولجأت بعض العائلات إلى استلهام تجربة القرى السياحية برمتها من خلال الإبقاء على أفراد الأسرة داخل مجمع سكني واحد، ووضع سور ضخم يشبه أسوار القلاع القديمة حول مجمع من البيوت المبنية بطرق هندسية جديدة. أي أنه أصبح في الإمكان أن ترى أحد هذه المجمعات وقد جرى وضع لمسات معمارية عليه تشبه المباني الرومانية العتيقة أو قصور العهد الأموي ومباني العهد العباسي، سواء في الشكل الهندسي الخارجي أو في الألوان أو في الزخارف والحدائق التي تضم أنواعا مختلفة من أشجار الظل ولأشجار المثمرة.
وتسعى الحكومة في الوقت الحالي لتعبيد طرق جديدة تصل بين العاصمة والمدن الكبرى مع الساحل الشمالي الغربي، لاختصار المسافة التي تبلغ في الأساس نحو 400 كيلومتر، وهي تريد أن تصل بها إلى أقل من 300 كيلومتر، من بينها تجديد طريق وادي النطرون - العلمين، واستحداث طريق بين الجيزة والضبعة.
وتبلغ كلفة بناء القرى السياحية في الساحل الشمالي الغربي لمصر عدة مئات من مليارات الجنيهات، لكن الاستثمار السياحي فيها ما زال يقتصر في أغلبه على السياح المحليين من المدن المزدحمة مثل القاهرة وغيرها. والعديد من مباني القرى السياحية مملوكة لأصحابها، لكن البعض الآخر يتم تأجيره بطرق لم تصل بعد إلى الاحتراف. فمن الصعب أن تعرف كيف تصل إلى وكيل لحجز شقة أو شاليه. وتريد الحكومة أن تضع قرى الساحل الشمالي على خارطة السياحة الدولية، وأنشأت لهذا الغرض مطارا في العلمين، بالإضافة إلى مطار برج العرب.
وتقتصر الحركة الدائبة على هذه القرى في فصل الصيف، حيث تقام حفلات المطربين مثل عمرو دياب ومحمد منير، أما في باقي فصول السنة فيظل أغلبها مغلقا ومظلما. وبالتالي إذا مررت عبر طريق الساحل الشمالي الغربي الدولي في غير فصل الصيف، فلن تدرك أبدا من أين أتى أصحاب المباني المضيئة في الضفة الجنوبية من الطريق بالطرز المعمارية الغريبة لبيوتهم. ومن أين استوحوا كل هذه العجائب الهندسية.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».