مأكولات الشارع.. تعود إلى الواجهة

بسبب تحسن النوعية والإقبال عليها من كل الطبقات

مأكولات الشارع.. تعود إلى الواجهة
TT

مأكولات الشارع.. تعود إلى الواجهة

مأكولات الشارع.. تعود إلى الواجهة

تنتشر عربات الأطعمة والمأكولات في الشوارع منذ عشرات السنين، لكن الجديد هو ارتقاء هذه الخدمة إلى درجة تخصيص جوائز سنوية في بريطانيا منذ عام 2010 لأفضل عربات بيع المأكولات والبالغ عددها نحو عشرة آلاف في بريطانيا. وفي السنوات الأخيرة تحسنت نوعية المأكولات ودخلت ضمن إطار التوجهات الحديثة للشباب، وأقبلت عليها كل الطبقات الاجتماعية.
وتحاول منافذ بيع أطعمة الشوارع أن تجعل من التجربة مادة ترفيهية للزبائن، كما توفر لهم مذاقات جديدة وجذابة بأسعار رخيصة. ويفضل الشباب هذه الأطعمة لأنها تطهى طازجة أمامهم وليس في مطابخ بعيدة عن العيون، كما أنها ترتبط بالموسم الذي يوفر أطعمة بعينها يشتريها بائعو الأطعمة من الأسواق. وتعمل منافذ أطعمة الشوارع على هوامش أرباح منخفضة.
وفي بريطانيا، تعود ظاهرة أطعمة الشوارع إلى القرون الوسطى، وكان الفلاحون يبيعون الطيور والمنتجات الزراعية والحيوانية في الأسواق مباشرة للمستهلك. وتطور الأمر بعد ذلك إلى بيع الفطائر والمخبوزات وكل أنواع الأسماك المطهية والمخللات.
لكن الظاهرة تراجعت في العصر الفيكتوري المحافظ، الذي كان ينبذ تناول الطعام في الشوارع، ولذلك اقتصر طعام الشوارع فقط على الطبقات الفقيرة والعمال. لكن هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة مع تطور فكرة أسواق الفلاحين التي تباع فيها منتجات المزارع طازجة إلى العامة. وبفضل هذه الأسواق أقبلت الطبقات الوسطى على الشراء من هذه الأسواق لأنها توفر أنواعا طازجة ومعتدلة الثمن.
الآن تطور الأمر إلى وجود نقاد على مواقع التواصل الاجتماعي لاستعراض أفضل أنواع الأطعمة التي تباع في الأسواق والشوارع، وتشجيع غيرهم من الشباب على الإقبال عليها.
ولا يقتصر طعام الشوارع على بريطانيا، بل إن أفضله يقع في بلدان العالم الثالث مثل تايلاند والهند. وفي أميركا يصاحب تقديم الأطعمة في الأسواق والشوارع بعض الموسيقى وربما العروض المسرحية من الهواة. وفي أميركا أيضا تنتشر موضة تقديم أنواع جديدة من الأطعمة من مختلف المصادر، مثل تقديم وجبة الـ«هوت دوغ» بنكهة يابانية، أو وجبة «تاكو» المكسيكية بصلصات من كوريا.
ويعتبر بعض النقاد أن أطعمة الشوارع تمثل الآن أفضل أنواع التجديد في المذاق لأنها مجال مفتوح للجميع ولا يحتاج للكثير من رأس المال لبداية مشروع جديد. وتنتشر هذه المأكولات في فصل الصيف وفي مواسم السياحة، وتعد لندن الآن من أهم مراكز أطعمة الشوارع خصوصا بعد تقديم جوائز سنوية لأفضل هذه المأكولات. ودخل في مسابقة العام الحالي أكثر من ألفي متسابق، وهو رقم يفوق بخمسة أضعاف متسابقي العام الماضي.
ويقدم أصحاب منافذ البيع المرشحة للجوائز أنواعا صحية من الأطعمة تختلف جذريا عن أطعمة دهنية كانت تقدم في السابق مثل البرغر والسجق.
وتغذي ظاهرة مأكولات الشوارع إقامة المهرجانات الدورية للشباب التي تختلط فيها الموسيقى بما تقدمه منافذ المأكولات من أطعمة مختلفة. أحد هذه المهرجانات يقام سنويا في منطقة كلابهام جنوب لندن، ويحضره في المتوسط نحو 23 ألف زائر. وهو مهرجان موسيقي يستضيف أفضل الفرق ويعتني أيضًا بمنافذ الطعام التي يتم اختبارها قبل قبولها.
وفي الماضي كانت منافذ بيع الأطعمة تتوارى في الأركان البعيدة في المهرجانات الموسيقية، لكنها الآن تعتبر نفسها من ضمن البرنامج، وتقدم أطعمتها في المساحة المتاحة أمام المسرح وليس خلفه. ومن هذه المنافذ ما يفتح فروعه في مناطق كبار الزوار فقط.
وهناك العديد من الأسماء اللامعة في عالم أطعمة الشوارع أسهمت في شهرتها كتابات الشباب على الإنترنت. من هذه الأسماء «لاكي تشيب» و«بيغ آبل» و«ميشكينز»، ولكل منهم آلاف المتابعين على «تويتر» الذين يتابعون أخبار الوجبات الجديدة ويتنقلون بين المهرجانات التي تشارك فيها مطاعمهم المفضلة.
وتركز منافذ بيع أطعمة الشوارع على الوجبات الناجحة التي تقدم إلى جمهور متعدد الإثنيات والأذواق. وليست هناك مخاطر أو تكاليف إذا كانت بعض الوجبات لا تعجب الجمهور، فيتم تغييرها فورا بلا مشاكل، حيث لا توجد قوائم طعام يتعين إعادة طبعها.
وفي لندن يتم الإقبال على الأطعمة الأجنبية ذات المذاق الجيد وفقا للمناطق التي يباع فيها الطعام. وفي حي السيتي، يتجمع في فترة الغداء العشرات على منافذ بيع الطعام الجوالة التي تقدم لهم مختلف المذاقات بأسعار رخيصة.
وفي منطقة بريك لين في شرق لندن، والتي كانت في الماضي تتخصص فقط في أكلات الكاري الهندية، تقدم الآن عربات الطعام وجبات من جنوب ووسط أميركا. وتنتشر أيضًا الوجبات الآسيوية من طعام فيتنامي وصيني، كما بدأت تظهر أيضًا أطعمة شرق أوروبا لتلبية طلب العمال البولنديين في لندن.
وتتخصص منافذ أطعمة الشوارع في عدد قليل من الوجبات، ولذلك فهي تعتني بالطعم أكثر من المطاعم الكبرى التي تقدم العديد من قوائم الطعام. ومع التخصص تأتي أيضًا سرعة الخدمة وتتغير توقعات الزبائن حول فترة الانتظار اللازمة بين طلب الطعام وتناوله.
وتنتشر أسواق الطعام في مدن بريطانية مثل مانشستر وبرمنغهام وبرايتون، وزيارة إحدى هذه الأسواق تمنح الزائر فرصة التعرف على مختلف أطعمة العالم. وبعض المنافذ الجوالة للأطعمة في هذه الأسواق تطورت الآن إلى درجة إصدار كتب وصفات الطعام الخاصة بها وافتتاح فروع لها كمطاعم.

* هناك منافذ تفوقت فيما تقدمه إلى درجة أنها حصلت على جوائز من نقاد المطاعم. من هذه المنافذ:
- «يام بنز» (Yum Buns): وهو منفذ يتخصص في تقديم أقراص الخبز الطرية بالعديد من الحشوات اللذيذة من عربات مطلية باللونين الأصفر والبمبي. وتشارك هذه العربات في العديد من المهرجانات المختلفة، مثل مهرجان دالسون، وآخر يقيمه الشيف جيمي أوليفر. ويقول النقاد إن الساندويتشات التي يقدمها «يام بنز» أفضل من تلك التي تقدمها أفخر المطاعم.
- «ذا ريبمان» (The Ribman): وهو يعمل من منطقة بريك لين شرق لندن، ويبيع ساندويتشات لحم الضلوع بالعديد من الصلصات.
- «رينبو» (Rainbo): وهو يعمل من سيارة «فورد بيك أب» يعود تاريخها إلى عام 1948 ويقدم العديد من أنواع اللحوم التي يمكن طلبها في صناديق صغيرة أو ساندويتشات. ويتبرع المنفذ بنسبة من الأرباح لمكافحة تشغيل الأطفال في نيبال.
- «بيغ أبل هولدنغز» (Big Apple Holdings): وهو من أوائل منافذ المأكولات الشعبية في الشوارع، وتقبل عليه طوابير المارة في أي مكان يبيع فيه. وهو يعتمد على معادلة بسيطة هي بيع السجق الطازج بأنواعه في خبز ساخن مع مختلف أنواع الصلصات.
- «ماذر فليبر» (Mother Flipper): هناك العديد من عربات بيع البرغر، لكن منفذ «ماذر فليبر» هو أحد أفضلها. وهو يعتمد على الأسلوب الأميركي في تحضير وبيع ساندويتشات البرغر. وهي ساندويتشات لا تساعد على خفض الوزن حيث تأتي بالمزيد من الجبن الساخن.
- «آنا مايز» (Anna Mae’s): وهي تقدم وجبات البرغر والجبن التي تعدها آنا وزوجها توني بعد جولات طويلة في أميركا لبحث أفضل أنواع البرغر التي يمكن تقديمها. ويبيع هذا المنفذ أيضا العديد من الوجبات الأميركية. وتظهر عربة بيع هذه المأكولات بالقرب من حديقة حيوانات لندن وفي العديد من المهرجانات.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».