البرلمان العراقي يضع نفسه في مواجهة مفتوحة مع الشعب

بعد رفضه إقالة وزير الكهرباء وعزمه على استضافة العبادي لاستيضاحه بشأن الإصلاحات

عمال يزيلون حاجزًا إسمنتيًا من شارع وسط بغداد تنفيذًا لقرار رئيس الوزراء بفتح الشوارع المغلقة في العاصمة (رويترز)
عمال يزيلون حاجزًا إسمنتيًا من شارع وسط بغداد تنفيذًا لقرار رئيس الوزراء بفتح الشوارع المغلقة في العاصمة (رويترز)
TT

البرلمان العراقي يضع نفسه في مواجهة مفتوحة مع الشعب

عمال يزيلون حاجزًا إسمنتيًا من شارع وسط بغداد تنفيذًا لقرار رئيس الوزراء بفتح الشوارع المغلقة في العاصمة (رويترز)
عمال يزيلون حاجزًا إسمنتيًا من شارع وسط بغداد تنفيذًا لقرار رئيس الوزراء بفتح الشوارع المغلقة في العاصمة (رويترز)

بعد يوم واحد من نجاح البرلمان العراقي في تثبيت وزير الكهرباء قاسم الفهداوي في منصبه، وعدم سحب الثقة منه، ارتفعت سقوف مطالبه إلى حد البدء بجمع توقيعات لاستضافة رئيس الوزراء حيدر العبادي بغرض الاستيضاح منه بشأن الإصلاحات، في وقت سخر فيه منسق المظاهرات في العراق عن التيار المدني الديمقراطي من عزم البرلمان تحويل العبادي إلى متهم لقيامه بالإصلاحات التي بات ينادي بها ملايين العراقيين.
وقال عضو البرلمان عن اتحاد القوى العراقية، فارس طه الفارس، في تصريحات تلفزيونية أمس إن جلسة البرلمان أول من أمس «شهدت جمع تواقيع من أجل استضافة رئيس الوزراء حيدر العبادي للاستيضاح منه بشأن موضوع الإصلاحات، وأين وصلت مراحل تنفيذها، لأن البرلمان يجب أن يكون على تماس مع عملية الإصلاح».
وأضاف الفارس، أن «البلد في أزمة حقيقية، وإذا لم يتم وضع الحلول السريعة الفاعلة فإن البلد سيذهب في طريق لا يحمد عقباه»، داعيا البرلمان والكتل السياسية إلى «تناسي المصالح الفئوية الضيقة في سبيل المصلحة العامة».
وكان العبادي أعلن أخيرا عن عدم التراجع عن الإصلاحات، عادا أنها ليست موجهة ضد أحد، مطالبا في الوقت نفسه بالمزيد من التفويض للإيفاء بما بات يطالبه الشعب به، بما في ذلك حل البرلمان وإلغاء الدستور.
وبينما لا تزال كثير من حزم الإصلاح دون تنفيذ، بدأت ترتفع أصوات هنا وهناك لمراجعة بعض القرارات التي اتخذها العبادي، بما في ذلك حل ودمج بعض الوزارات، فإنه سعى في آخر حزمة له، التي أعلنها الجمعة الماضي، مثل فتح المنطقة الخضراء أو شوارع بغداد المغلقة من قبل الأحزاب المتنفذة، لأن يضع القوى السياسية المتنفذة أمام أمر واقع، وفي حال رفضت، فإنها ستكون في مواجهة مفتوحة أمام الشعب، مثلما أفاد سياسي مطلع.
هذا السياسي المطلع والمقرب من التحالف الوطني (الكتلة الشيعية الأكبر في البرلمان) أبلغ «الشرق الأوسط» بأن «العبادي بدأ يتريث بتنفيذ الكثير من قراراته الإصلاحية التي بدأت جريئة أول الأمر لأكثر من سبب يقف في المقدمة منها شعوره بأنه بحاجة إلى الحليف الإيراني مهما كانت بعض نقاط الخلاف، لا سيما بعد مواجهته مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني التي أرادها بعض خصومه داخل التحالف الوطني وحتى ائتلاف دولة القانون، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أن تكون تلك المواجهة لصالح الأخير وضد العبادي بوصفها أول حالة تمرد من حليف قوي له لا سيما في حربه ضد (داعش)، حيث بدأ يعتمد على الدعم الإيراني بسبب نقصان الموارد».
وأشار المصدر إلى أن «العبادي تنبه إلى هذه المسألة، فقرر أن تكون المواجهة مباشرة بين الشعب وبين المعرقلين لقراراته سواء كانوا رئاسة الجمهورية لا سيما بعد تصريحات الرئيس فؤاد معصوم الأخيرة بعدم دستورية بعض الإصلاحات أو نواب رئيس الجمهورية أو البرلمان نفسه أو عدد من القادة السياسيين والدينيين المتنفذين، وفي مقدمتهم عمار الحكيم وأحمد الجلبي وبعض قادة الفصائل الشيعية المتنفذة مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يقف مع العبادي بكل قوة».
وأوضح السياسي المطلع أن «العبادي بدأ يفصل بين الاستمرار في الإصلاحات لجهة عدم التراجع عنها وبين تنفيذها، لا سيما أن تريثه في ذلك، وإن كان يضعه في دائرة النقد بين المتظاهرين، يزيد من نقمتهم ضد البرلمان، لا سيما بعد تعثره في أمر وزير الكهرباء، علما بأنني أمتلك معلومات أن رئيس البرلمان سليم الجبوري قد أسقط في يده، لأنه كان يتصور أن التصويت بسرعة على سحب الثقة من وزير الكهرباء سيمر بسهولة، لكنه فوجئ بعدم حصول النصاب، وهو ما يعني أن البرلمان وضع نفسه في فوهة مدفع المتظاهرين».
وأكد السياسي المطلع أنه «في الوقت الذي تصور فيه المالكي أنه نجح في تأليب طهران ضد العبادي، فإن الأخير نجح في أن يجعل المواجهة بين الشعب وكبار السياسيين المتهمين بالفساد وضياع الموصل وهدر الأموال طوال السنوات الماضية، وفي مقدمتهم المالكي، مفتوحة، وبالتالي بدأ يراهن على ما يمكن أن يحصل عليه من تفويض إضافي خلال الأسابيع المقبلة يجعله قادرا على اتخاذ قرارات أكثر جرأة وتنفيذ القرارات التي اتخذها».
وتابع السياسي المطلع أن «العبادي يريد كذلك تنبيه المرجعية إلى محاولات الالتفاف، لا سيما أن توصيات المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني خلال الجمعتين الأخيرتين اتسمت بشيء من التراجع، وركزت على جزئية واحدة، هي القضاء الذي هو رغم كل الملاحظات عليه يبدو الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية بالقياس إلى أصحاب النفوذ والأحزاب الكبيرة والميليشيات».
إلى ذلك، أكد جاسم الحلفي، منسق المظاهرات عن التيار المدني الديمقراطي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «وضع البرلمان بات مؤلما بالنسبة لنا كمتظاهرين، لأنه بدأ يتخذ قرارات وإجراءات تمثل لنا صدمة حقيقية؛ ففي الوقت الذي تخرج فيه الجموع وبالملايين للمطالبة بالإصلاحات، فإنه يتحجج بالدستور الذي هو إحدى أبرز المشكلات والمعوقات أمام بناء دولة مدنية ودولة مؤسسات وقضاء حقيقي ونزيه». وأضاف الحلفي أن «المفارقة اللافتة هي أنه في الوقت الذي يجب أن يكون فيه البرلمان بوصفه صوت الشعب هو المساند للشعب في مظاهراته، فإنه بات يقف بالضد من الإجراءات التي تقوم بها الحكومة التي بدأت تستجيب لنداء الشعب، لكنها تصطدم بممثليه داخل قبة البرلمان، وهو ما يعني أن ممثلي الشعب هم في الحقيقة ممثلو أحزاب وكتل وشخصيات وليس الشعب».
وأوضح الحلفي أن «من بين أكثر المواقف إثارة للغرابة أنه في الوقت الذي يأمر رئيس الوزراء بفتح المنطقة الخضراء أمام أبناء الشعب، فإن الأصوات التي ارتفعت بالضد من ذلك هي من قبل النواب الذين يزعمون أنهم يمثلون الشعب».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».