احتشد عشرات الآلاف من الماليزيين، أمس، في وسط كوالالمبور، للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، بسبب معلومات عن تورطه في الفساد، وبإجراء إصلاحات كبيرة، لكن الشرطة حذرت من أن هذه المظاهرات ممنوعة.
واكتظ وسط العاصمة التاريخي بالحشود الذين كان معظمهم يرتدي القمصان الصفراء لحركة الإصلاح الماليزية المحظورة، وتجمعوا في أجواء احتفالية من عروض موسيقية والتقاط صور إلى جانب خطب سياسية، لكنهم منعوا من دخول ساحة الاستقلال التي كانوا يعتزمون الاعتصام فيها ليلا، واصطدمت طليعة الواصلين بحواجز أقامتها الشرطة المنتشرة بأعداد كبيرة.
وكان أعضاء في حكومة رئيس الوزراء اعترفوا بأنه تلقى 700 مليون دولار، أودعت في حساباته الشخصية من مصادر غامضة اعتبارا من 2013. وأثار النبأ الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، الشهر الماضي، غضب عدد كبير من الماليزيين، بما في ذلك أعضاء في حزب رئيس الوزراء، الذي ضاق ذرعا بفضائح الفساد الحكومية المتكررة.
وكانت مظاهرات سابقة، نظمتها حركة المجتمع المدني بيرسيه (نظيف)، انتهت بصدامات مع الشرطة في 2012. وقد تشكلت هذه الحركة من أجل المطالبة بإصلاح النظام الانتخابي، الذي تقول إنه غير عادل ويسمح بفوز حزب الجبهة الوطنية، على الرغم من العدد القليل لناخبيه.
وقدرت وسائل الإعلام الماليزية عدد المشاركين في تجمع أمس بثمانين ألف شخص، ولم تسجل أي حوادث بعد أن احترم المتظاهرون الشريط الأمني الذي طوق الساحة، فيما اتهم رئيس الوزراء التجمع بـ«عدم احترام» العيد الوطني غدا، ونقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية «برناما» قوله: «هل هم مجردون من وطنيتهم وحبهم لوطنهم إلى هذا الحد؟».
ولم تقتصر المظاهرات على العاصمة فحسب، بل نظمت تجمعات صغيرة أيضًا في مدن أخرى، بينها كوشينغ وكوتا، كينابالو في جزيرة بورنيو.
وقال منظمو المظاهرة وقادة المعارضة إنهم ينوون البقاء في شوارع العاصمة طيلة الليل، فيما قال جوزي أوغاز رئيس منظمة الشفافية الدولية، في بيان، أمس، إنه يتوجب «على الحكومة الماليزية الإصغاء لمطالب الشعب الماليزي»، داعيا السلطات إلى الامتناع عن قمع المتظاهرين.
لكن وزراء في حكومة نجيب ردوا على هذه الاتهامات بالقول إن الأموال التي تم تحويلها هي «هبات سياسية» من مصادر خارجية، وليست هناك جوانب قذرة في القضية، دون أن يضيفوا أي تفاصيل.
وقد أغلقت الحسابات ولم يكشف عن مصير الأموال. أما نجيب فقد وصف الاتهامات المتعلقة بالأموال بأنها «مؤامرة» من قبل معارضيه لإسقاطه. إلا أن التفسيرات السياسية لهذه القضية أثارت ردود فعل واسعة، حيث وصف رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، الذي كان قد حذر من أن نجيب عبد الرزاق يقود البلاد إلى طريق مسدود، رواية «الهبات السياسية» بأنها «سخيفة»، خصوصا أن نجيب أقال أخيرا مسؤولين، وضم إلى حكومته برلمانيين كانوا يحققون في القضية، مما جعل مصير التحقيقات مجهولا.
ونجيب كان تحت الضغط أصلا، بعد أشهر من اتهامه بشأن اختفاء مبالغ كبيرة من صفقات الشركة الوطنية للاستثمار «11 ماليجا ديفلوبمنت برهاد»، التي تعاني من مديونية كبيرة، والتي كان رئيس الوزراء قد أنشأها في 2009. كما تحدثت معلومات صحافية عن ملايين الدولارات يستثمرها أفراد من عائلة نجيب في الخارج. لكن نجيب والشركة نفيا كل ذلك بشدة، في وقت خسر فيه النظام الحاكم منذ 58 عاما نسبة من مؤيديه، بسبب تكتيكاته الاستبدادية والفضائح المتكررة.
وكان نجيب (62 سنة) وعد عند توليه السلطة في 2009 بإنهاء الفساد والاستبداد، وبإصلاح نظام مثير للجدل يقوم على إعطاء الأفضلية للمسلمين الذي ينتمون إلى إثنية المالاي التي تشكل أغلبية في البلاد. لكن هذه المبادرات لم تنفذ، أو تراجع عنها نجيب للمحافظة على قاعدته الانتخابية، التي تعتمد على إثنية المالاي للبقاء في السلطة. وتزامن ذلك مع انخفاض سعر العملة الوطنية (رينغيت) إلى أدنى مستوى له منذ 17 عاما، بينما يشعر المستثمرون بخيبة الأمل من إخفاق نجيب المالي، ويخشون أن تنعكس الاضطرابات الاقتصادية في العالم على ماليزيا.
لكن معظم المحللين يتوقعون أن ينجح نجيب وحكومته في الخروج بسلام من الاضطرابات، لأنه يسيطر على المؤسسات الرئيسية، مثل الشرطة والقضاء.
ومن أهم ما ميز مظاهرات أمس أن رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد، قام بزيارة مفاجئة إلى المظاهرة المناهضة للحكومة في كوالالمبور، رغم أنه سبق له أن حظر وسحق احتجاجات الشوارع خلال حكمه على مدار 22 عاما. وشق مهاتير بصحبة زوجته طريقه خلال حشد المتظاهرين الذين كانوا يطالبون باستقالة رئيس الوزراء الحالي نجيب عبد الرزاق على خلفية اتهامه بالفساد.
آلاف الماليزيين يخرجون إلى الشوارع مطالبين بالإصلاحات.. وباستقالة رئيس الوزراء
بعد أن ضاقوا ذرعًا بفضائح الفساد الحكومية المتكررة

جانب من مؤيدي حركة «بيرسيه» أو «نظف» خرجوا أمس للمشاركة في الاحتجاجات الكبيرة التي شهدها وسط العاصمة كوالالمبور (رويترز)
آلاف الماليزيين يخرجون إلى الشوارع مطالبين بالإصلاحات.. وباستقالة رئيس الوزراء

جانب من مؤيدي حركة «بيرسيه» أو «نظف» خرجوا أمس للمشاركة في الاحتجاجات الكبيرة التي شهدها وسط العاصمة كوالالمبور (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة