قانون الإنصاف والمصالحة في تونس يهدد آلاف الشركات.. وكوادر الدولة في خطر

المعارضة تعده مصالحة مع رؤوس الفساد.. ورئيس ديوان رئيس الوزراء: غالبية نواب البرلمان معه

قانون الإنصاف والمصالحة في تونس يهدد آلاف الشركات.. وكوادر الدولة في خطر
TT

قانون الإنصاف والمصالحة في تونس يهدد آلاف الشركات.. وكوادر الدولة في خطر

قانون الإنصاف والمصالحة في تونس يهدد آلاف الشركات.. وكوادر الدولة في خطر

رغم إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي خلال اجتماع طارئ لمجلس الوزراء خلال شهر رمضان الماضي عن مشروع شامل «للمصالحة الاقتصادية» يهدف إلى تسوية وضعيات آلاف الشركات وكبار كوادر الدولة في عهد الرئيس السابق بن علي، لا يزال هذا المشروع يقسم النخب ورجال المال والأعمال من جهة والنقابات والأحزاب ووسائل الإعلام من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي ينتقد فيه رجال الأعمال وآلاف المسؤولين القدامى «تباطؤ البرلمان في المصادقة على هذا المشروع الذي يهدف إلى تحقيق شعارات الإنصاف والمصالحة» تعالت أصوات معادية له متهمة الحزب الحاكم وشركاءه بـ«الالتفاف على الدستور وعلى هيئة الحقيقة والكرامة» التي ترأسها الحقوقية المثيرة للجدل سهام بن سدرين. ويطالب المعارضون لهذا المشروع بسحبه من البرلمان وإعادة صياغته فيما يتمسك به قادة الحزب الحاكم وحلفاؤه ويتهمون خصومهم بمحاولة جر البلاد إلى صيغ جديدة من «القطيعة والصدام» قد تجر تونس إلى وضع شبيه بما جرى في ليبيا والعراق.
رضا بالحاج، الوزير مدير ديوان الرئيس التونسي والقيادي البارز في حزب نداء تونس قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه يتوقع أن يتجاوب غالبية أعضاء البرلمان مع مبادرة المصالحة الاقتصادية والمالية التي تقدم بها الرئيس الباجي قائد السبسي والتي صادق عليها مجلس الوزراء الممثل لـ4 أحزاب بالإجماع.
لكن قياديين في «ائتلاف قوى المجتمع المدني» مثل رئيس «شبكة العدالة الانتقالية» كمال الغربي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنهم يعارضون بقوة هذا المشروع المعروض على البرلمان لأنه يؤدي في نظرهم إلى «المصالحة المزيفة مع رموز الفساد والاستبداد ورجال الأعمال والسياسيين الفاسدين». وقد سار في نفس التوجه رموز «المعارضة اليسارية الراديكالية» مثل حسين الرحيلي عن «الجبهة الشعبية» التي يتزعمها الناشط اليساري حمه الهمامي. الرحيلي أورد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يستبعد «انتفاضة شعبية جديدة من الفقراء والعاطلين عن العمل وشباب الجهات المهمشة احتجاجا على المصالحة مع رموز النظام السابق من رجال أعمال فاسدين وسياسيين وإداريين متورطين في الرشوة والفساد ضمن مسار مكافأة بعض الأحزاب لهم بسبب مشاركتهم في تمويل الحملات الانتخابية لمرشحيهم العام الماضي».
مخالفات مالية لا تستوجب السجن
لكن نقابة رجال الأعمال - مثل نائب رئيسها البشير بوجدي - تضغط على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس حكومته الحبيب الصيد وعلى قادة أحزاب الائتلاف الحاكم - وخاصة النداء والنهضة - وتطالبهما بالتعجيل بإقرار المصالحة الوطنية التي سبق أن تعهدوا بها في خطاباتهم الانتخابية. ويلفت هؤلاء النظر إلى «حاجة البلاد الملحة لإنجاز المصالحة الاقتصادية حتى يتحسن الادخار والاستثمار الوطني والأجنبي ويسود مناخ الثقة المتبادل بين رجال الأعمال ونقابات العمال والحكومة والبرلمان». ويؤكد البشير بوجدي وزميله طارق الشريف - رئيس منظمة مستقلة للتجار والصناعيين والمستثمرين - على ضرورة «عدم الخلط بين المتورطين في الرشاوى والفساد والتهريب من جهة ورجال الأعمال الذين قد ارتكبوا إجرائية وقانونية والذين يمكن أن تفرض عليهم صيغ للمصالحة الاقتصادية تتضمن دفع أموال دون إيداعهم السجن لأن من يرتكب مخالفة مالية ليس مجرما وإن أخطا وخالف القوانين».
* الطريق الثالث
في الأثناء دعت أطراف سياسية وحقوقية كثيرة - مثل عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة النهضة والنقابي محمد القاسمي القيادي في اتحاد الشغل - إلى «اعتماد طريق ثالث» إلى حل وسط ينطلق من منطق «تعديل مشروع قانون المصالحة الذي قدمه رئيس الجمهورية وحكومته» دون سحبه. ويلتقي قياديون في بقية ائتلاف الأحزاب الحاكمة - مثل محسن حسن نائب رئيس الحزب الوطني الحر - في الدفاع عن قانون المصالحة رغم اعتراضات جمعيات حقوقية كثيرة عليه.
وأوضح مدير مكتب الرئيس التونسي رضا بالحاج أن من بين مبررات إعداد هذا المشروع القانوني عن المصالحة في القضايا ذات الصبغة المالية والاقتصادية والإدارية «طول إجراءات التقاضي والبت في الملفات والنقائص والثغرات التي لوحظت خلال التعامل مع ملفات مئات - وربما الآلاف - من قضايا المشتبه بارتكابهم مخالفات إجرائية إدارية وقانونية - ومن بينها مخالفة قانون الصرف للعملة وفتح حسابات غير معلنة في الخارج - أو بالحصول على بعض المكاسب غير القانونية».
* إعادة أموال هائلة إلى تونس
وأعلن الوزير رضا بالحاج أن نص المشروع القانوني الذي وقعت المصادقة عليه من قبل الحكومة سبق أن عرض على أهم الأحزاب والأطراف الاجتماعية وممثلين عن المجتمع المدني وبصفة خاصة على الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم أي النداء والنهضة والوطني الحر وآفاق. وأورد بالحاج أن رئاسة الجمهورية والحكومة تتوقعان أن يساهم «قانون الإنصاف والمصالحة» في «تشجيع آلاف الموظفين السامين وأرباب الشركات والمواطنين على تسوية قضاياهم المالية وعلى جلب مدخراتهم من العملة الأجنبية إلى تونس وهو ما سوف يساهم في عودة كمية هائلة من أموال التونسيين في الخارج بما يضمن مصالح كل الأطراف مع تحسين السيولة في تونس والتشجيع على الادخار والاستثمار».
وأوضح بالحاج كون الأمر لا يتعلق بـ«قضايا الأصهار وعائلات الرئيس الأسبق ولا بد بقائمة الأملاك المصادرة والأموال المهربية ولكن بقضايا الموظفين السامين والوزراء من جهة ورجال الأعمال من جهة ثانية».
وتعليقا على سؤال حول ردود فعل تلك الأطراف عند اطلاعها على مسودة مشروع قانون المصالحة أورد الوزير مدير الديوان الرئاسي أنها رحبت عموما به، لكنه سجل أن بعض الساسة وممثلي المجتمع المدني قدموا ملاحظات ويمكن لمجلس النواب أن يدخل تعديلات لا تمس روح المشروع وأن يقوم بإضافات على النص الذي اقترحه رئيس الجمهورية وصادق عليه مجلس الوزراء. وأورد بالحاج أن المقصود بـ«روح المشروع» كون «الأمر يتعلق باختيار سياسي وطني وبالتزامات سابقة من قبل الرئيس الباجي قائد السبسي مع ناخبيه ومع الرأي العام الوطني فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي والتفرغ لبناء تونس المستقبل والانفتاح على كل النخب والكفاءات والمستثمرين التونسيين والعرب والأجانب»..
وسجل بالحاج أن «الإجراءات الطويلة والمعقدة المنصوص عليها في قانون عدد 53 لعام 2013 الخاص بإحداث هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة الحقوقية سهام بن سدرين) بالنسبة للملفات الاقتصادية والمالية والإدارية تجعل البت في مئات بل آلاف الملفات قد يستمر ما لا يقل عن 4 أو 5 أعوام. لذلك جاء القانون الجديد للتعجيل بمعالجة المشاكل العالقة في عالمي المال والأعمال بعد أن نجحت تونس في قطع خطوات مهمة في مجال الإصلاح القانوني والدستوري وتكريس التوافق السياسي». فهل تكسب تونس هذا الرهان الجديد فتنجح في تسوية معضلات آلاف رجال الأعمال والموظفين السامين في الدولة أم تبقى ضحية مسار «الدوران في حلق مفرغة».. ومنهج «خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء»؟



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.