قال ممثل قبيلة «التبو» في لجنة دستور ليبيا، خالد وهلي، لـ«الشرق الأوسط» أمس إن الكثير من المكونات الليبية أصبحت تعاني من الإقصاء والتهميش من جانب القائمين على أمور الدولة في الوقت الراهن، أكثر من عهد معمر القذافي الذي استمر حتى 2011 بعد أن حكم البلاد لمدة 42 عامًا. وأضاف أن قبيلته وقبيلة الطوارق قررتا مقاطعة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع دستور ليبيا، لتلحق القبيلتان بقبائل الأمازيغ التي سبق لها رفض المشاركة في الهيئة التأسيسية، مما يضع المزيد من الصعوبات أمام استقرار هذا البلد الغارق في الفوضى.
وبينما تفيد مصادر في هيئة صياغة الدستور بأن أعمالها ديمقراطية وتأخذ الأقلية بعين الاعتبار، حذر وهلي، وهو في طريقه لزيارة القاهرة، من تداعيات «إقصاء» مكونات أساسية في المجتمع الليبي من هيئة صياغة الدستور، على باقي أعضاء قبيلتي التبو والطوارق في البرلمان والحكومة والجيش، مشيرا إلى وجود تململ بالفعل في جنوب ليبيا، وهو المنطقة التي يتركز فيها وجود هاتين القبيلتين. وفيما يتعلق بالمخاوف التي أطلقها البعض من مغبة اتجاه هاتين القبيلتين للتعاون مع الميليشيات التي تسيطر على العاصمة طرابلس، وتعد بمثابة الخصم اللدود للسلطات الشرعية، قال وهلي إن «كل الاحتمالات مفتوحة».
ومنذ نحو أسبوع علق ممثلو التبو والطوارق عضويتهم في هيئة تأسيس وصياغة الدستور، وأعلنوا في بيان لهم الرفض الكامل لما يصدر عن الهيئة من مقترحات ومسودات، وذلك بعد أن شكلت الهيئة لجنة مصغرة لم تضم في عضويتها أي وجود يُذكر للتبو والطوارق. وقال البيان إن جميع ما يصدر عن الهيئة ولجنتها «ليس له شرعية»، ولا يمثل القبيلتين «لانعدام التوافق».
ومن جانبه، شدد وهلي على أن «التوافق شرط أساسي، لكن ما يحدث معنا هو مغالبة من جانب الأغلبية».
وينص الإعلان الدستوري الذي وضعه الليبيون بعد التخلص من حكم القذافي على شرط التوافق. كما حملت مواقف الكثير من الأطراف الدولية المعنية بليبيا تأكيدات على ضرورة اتخاذ القرارات بالتوافق بين الأغلبية التي تمثلها قبائل ذات أصول عربية، وقبائل معروفة بأصولها غير العربية، وعلى رأسها التبو والطوارق والأمازيغ. وقال أحد المصادر المقربة من رئاسة صياغة الدستور إن مواده تتضمن مراعاة حقوق الأقليات و«هذا ما سيظهر عند طرح المشروع على الرأي العام».
لكن وهلي، المنتخب عن دائرة مرزق في جنوب ليبيا، شدد، وهو يتحدث عن موقف قبيلته وقبيلتي الطوارق والأمازيغ، على أن ما حدث في هيئة تأسيس الدستور يُعد خرقًا للإعلان الدستوري، وهو بمثابة انحراف عن أسس بناء دولة ديمقراطية متعددة الثقافات، ومحاولة من الأغلبية لتجاهل الواقع، واتباع نهج المغالبة.
وتتكون الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع دستور دائم، بدأت أعمالها منذ أبريل (نيسان) العام الماضي من 60 عضوا منتخبين وموزعين على ثلاثة أقاليم هي برقة شرقا وطرابلس غربا وفزان في الجنوب، بواقع 20 عضوًا عن كل إقليم، لكن لجنة أصغر تتكون من 12 عضوًا (4 عن كل إقليم) هي التي تتولى عملية الصياغة في الوقت الراهن، بناء على مقترحات مقدمة من 8 لجان نوعية في الهيئة الأعلى. ومن المقرر أن الانتهاء من المسودة المبدئية للدستور قبل نهاية هذا العام.
وتطرق وهلي، الذي يرأس في ليبيا منظمة الأمان لمناهضة التمييز العنصري، إلى عدة قضايا كان ينبغي وضعها في الحسبان، قائلا إن هيئة صياغة مشروع الدستور لم تلتزم بالإعلان الدستوري الذي يشترط التوافق مع مكونات التبو والطوارق والأمازيغ في أعمالها. وأوضح: «هم لم يلتزموا بالتوافق في عدة قضايا، منها موضوع تشكيل لجنة عمل لكتابة مسودة عن طريق لجنة مصغرة، ولم يلتزموا في هذه اللجنة المصغرة بالتوافق بين الأغلبية والأقلية، وقاموا، في المقابل، بإقصاء التبو والطوارق من تشكيل اللجنة.. ولذلك ننظر إليها على أنها غير شرعية ومخرجاتها لا تمثلنا».
وأضاف قائلا: «نحن بحكم أننا أقلية، جرى وضع شرط في الإعلان الدستوري بضرورة وجود توافق في كل القضايا. قضايا اللغة والتمثيل والمشاركة السياسية وقضايا هيئة الدولة والعدالة الانتقالية. لكن عملية الإقصاء والتهميش استمرت منذ عدة أشهر، فقررنا مقاطعة هيئة صياغة الدستور بصفة عامة، وليس مقاطعة اللجنة المصغرة فقط.
وعما إذا كانت توجد أي محاولات من جانب رئاسة هيئة الدستور مع الأعضاء المنسحبين للوصول معهم لحلول وسط، قال إنه لا يوجد حتى الآن أي اتصال من هذا النوع، و«منذ إعلان مقاطعتنا لم يأتِ لنا أي اتصال من جانب رئاسة الهيئة أو أعضائها أو أي من القائمين على موضوع الدستور». وعن تفسيره لعدم التواصل معهم رغم مقاطعتهم، قال إن الأمر قد يرجع إلى سير اللجنة «إنها تسير على النهج الإقصائي الذي قامت به بحق الأمازيغ منذ بداية أعمالها. حين قاطع الأمازيغ هيئة الدستور لم يسأل عنهم أحد. ببساطة جرى تجاهلهم، ويبدو أن هذا ما يريدون فعله معنا».
وأعرب وهلي عن اعتقاده في أن هيئة الدستور لا تريد الالتفات إلى ممثلي الأقلية. وقال: «يتبعون معنا أسلوب المغالبة، وهذا يبين النية في عدم الجدية في وضع دستور ليبي يرضي جميع المكونات. ما يجري عملية إفشال للدستور. هناك عملية لإفشال الدستور التوافقي، وربما كان هناك من لا يريد لليبيا أن تصل لبر الاستقرار والأمن».
وعما إذا كانت مقاطعة التبو والطوارق ومن قبلهم الأمازيغ لهيئة الدستور، يمكن أن تؤدي للتأثير على وجود مكوناتهم في الجيش والحكومة والبرلمان، قال إن هذا بالتأكيد يؤثر. وأضاف أنه يوجد في الوقت الحالي تململ وغليان في الجنوب الليبي بخصوص إقصاء التبو والطوارق من لجنة صياغة الدستور. وشدد على أن «التبو والطوارق جزء من ليبيا ولا بد من النظر إليهم على هذا الأساس في جميع الإجراءات».
وتابع وهلي قائلا إن القبائل التي كانت تعاني من الإقصاء والتهميش في عهد القذافي، يبدو أنها تواجه المشكلة نفسها من جديد. وأضاف موضحا: «للأسف نرى، نهج الإقصاء المستمر منذ أكثر من 42 سنة، أي منذ بداية عهد القذافي. كنا نحلم بدستور جديد لليبيا جديدة. ما يحدث اليوم له بالتأكيد تأثير على الشارع وعلى الاقتصاد وعلى الأمن، خاصة في الجنوب، وعلى استقرار ليبيا بصفة عامة».
وعن الإجراءات التي يقوم بها المقاطعون، للضغط على هيئة تأسيس مشروع الدستور وعلى الهيئات الرسمية الأخرى، مثل البرلمان والحكومة والجيش؟ قال وهلي: «وجهنا رسالة إلى ناخبينا من التبو والطوارق والأمازيغ بأن نهج هيئة صياغة الدستور غير سوي. ووجهنا رسالة للمجتمع المحلي والدولي بأن ما يقوم به أعضاء الهيئة ليس في صالح ليبيا».
وعما إذا كانت هناك أي مخاوف من أن تلتحق مكونات «التبو» و«الطوارق» وباقي «الأمازيغ» إلى المجموعات المسلحة أو ما يُعرف باسم «قوات فجر ليبيا» التي تحكم طرابلس وتستند على «المؤتمر الوطني» المنتهية ولايته (البرلمان السابق)، قال إن كل الخيارات مفتوحة، و«لا أحد يعرف كيف يمكن أن تسير الأوضاع، في حال استمرار النهج الإقصائي نفسه، لا تعرف كيف تتغير الأمور.. كل شيء وارد، وكل الاحتمالات مفتوحة».
ممثل قبيلة «التبو» في لجنة دستور ليبيا: نعاني من الإقصاء أكثر من عهد القذافي
خالد وهلي لـ {الشرق الأوسط}: قاطعنا أعمالها مع الطوارق والأمازيغ.. وكل الخيارات مفتوحة
ممثل قبيلة «التبو» في لجنة دستور ليبيا: نعاني من الإقصاء أكثر من عهد القذافي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة