سنوات وأموال ضخمة بذلها الحوثيون مقابل الاستيلاء على صعدة

إيران أمدتهم في مطلع الألفية بالمال لشراء الأراضي والفنادق في المدن الساحلية تمهيدًا للسيطرةعليها

عناصر من المقاومة اليمنية الموالية للرئيس هادي في صعدة أمس (أ.ف.ب)
عناصر من المقاومة اليمنية الموالية للرئيس هادي في صعدة أمس (أ.ف.ب)
TT

سنوات وأموال ضخمة بذلها الحوثيون مقابل الاستيلاء على صعدة

عناصر من المقاومة اليمنية الموالية للرئيس هادي في صعدة أمس (أ.ف.ب)
عناصر من المقاومة اليمنية الموالية للرئيس هادي في صعدة أمس (أ.ف.ب)

قبل نحو 15 عاما، وتحديدا في مطلع عام 2000، انطلق «أنصار الله»، أو ما يعرف بجماعة الحوثيين، في تنفيذ ما ورد لهم من تعليمات عسكرية ومدنية من العاصمة الإيرانية طهران، في تغيير المشاهد العام وخارطة اليمن، وفرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال شراء مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات في كل المدن وتحديدا إقليم تهامة، نقطة الانطلاق ومنفذ الجماعة الرئيسي على البحر الأحمر.
وسارعت جماعة الحوثي فور تلقيها دعما ماليا، لم يفصح عنه (إلا أن مصادر عسكرية أكدت أنها تلقت في تلك الفترة ما يزيد على مليار دولار) إلى شراء أراض وفنادق في عدد من محافظات الإقليم، وذلك بعد أن حددت العاصمة طهران نوعية وآلية الشراء، مع ضرورة دمج أفراد الميليشيا وتوطينهم في الإقليم بشكل كبير، تمهيدا للسيطرة على القوة الاقتصادية ومن ثم العسكرية في وقت لاحق بحسب الخطة التي تلقتها الجماعة.
ونجحت جماعة الحوثيين، بحسب اعترافات أعيان إقليم تهامة، في الاندماج بين المجتمع، وغيرت ديموغرافيا الإقليم تدريجيا للوصول إلى الذروة في مطلع 2010 بشراء أكبر الفنادق ومساحات كبيرة على امتداد الشاطئ من «ميدي» إلى «الخوخة» ومن ثم إلى المخا، للوصول السهل إلى تعز، وتمكينهم لحظة الانقلاب على الشرعية من السيطرة على الموانئ البحرية في إقليم تهامة والتحكم في الملاحة البحرية من خلال سيطرتهم على باب المندب.
وسبقت هذه المحاولات، بحسب مختصين في السياسة، محاولات عديدة من إيران للسيطرة على باب المندب، منذ عام 1994، والتي كانت تسعى لأن تكون حاضرة في المجتمع الدولي وتضغط على صناع القرار بتهديدهم للأمن القومي من خلال باب المندب، عندما استقبلت «بدر الدين الحوثي وابنه حسين»، وهو ما أسهم وبشكل كبير في انتشار بعض الأفكار الغريبة بين أتباع الحوثي، وتلا ذلك إيفاد الطلاب من اليمن إلى إيران بحجة الدراسة، وهو ما جعل إيران تسارع في توسيع هذه الدائرة، من خلال فتح قناة اتصال كي تعمل على إيفاد الطلاب اليمنيين إليها.
ويبدو أن خسارة الحوثيين في المعاركة المباشرة مع الجيش دفعت طهران إلى تغيير المسارات وتحييد الأوليات من خلال التمكين في الإقليم والشراء للأرضي، تلا ذلك تدريب أفراد الميليشيا على المواجهات العسكرية، مع تقديم الدعم المالي، ليخرج الحوثيون من نطاق التملك والشراء إلى التنظيم المسلح في 2004، ليكونوا جاهزين لحظة الهجوم على مقدرات الدولة العسكرية، خاصة بعد أن تقلد الأخ الأصغر عبد الملك الحوثي قيادة الميليشيات خلفا لأخيه الذي قتل في فترات الحرب.
وهنا يقول مفضل غالب، الناطق الإعلامي للمقاومة الشعبية في إقليم تهامة، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحوثيين عمدوا لشراء الأراضي في تهامة وتحديدا المدن الساحلية من «رأس المعوج إلى الخوخة» في وقت مبكر من عام 2000، حيث بدأوا في شراء الأراضي والمزارع والفنادق التي تطلق على البحر الأحمر بكميات كبيرة ومساحات شاسعة، دون لفت لأنظار القوى الاقتصادية في البلاد، وبطرق غير مباشرة في كثير من عمليات الشراء، موضحا أن سكان تهامة الأصليين من أبناء القبائل لم يتخذوا أي خطوات لحسن النية في ما ذهب إليه الحوثيون من شراء المزارع وبأسعار مغرية.
وأضاف مفضل أنه تدريجيا وبعد مرور سنوات من تملك الحوثيين وجماعة «أنصار الله» عقارات كبيرة في الإقليم، استطاعوا مع انطلاق الثورة فرض سيطرتهم بعيدا عن الأضواء على موانئ مهمة منها «ميدي، ورأس عيسى، والحديدة»، واتضحت الرؤية لسكان الإقليم والأهداف من وراء شراء الأراضي بكميات كبيرة ونزوح أعداد كبيرة من الحوثيين للإقليم للإقامة فيه بشكل دائم، لافتا إلى أن كثيرا من اتباع علي صالح وفي سنوات سابقة قاموا بتسهيل عمليات البيع للحوثيين مقابل عمولات «نسب من القيمة الإجمالية»، إضافة إلى الرشاوى في بعض المواقع التي لا تكون معروضة للبيع.
ولفت الناطق الإعلامي للمقاومة الشعبية إلى أن هذا التوسع والتملك في إقليم تهامة لم يكن ليحدث لولا الدعم المالي الكبير من إيران للحوثيين بشكل غير مباشر، خاصة أن هذا الفصيل لم يكن يشكل رقما في مرحلة سابقة، وفجأة أصبح يمتلك الأراضي في إقليم تهامة الذي يعد المنفذ الرئيسي لهم للسيطرة على البحر الأحمر والتقدم إلى صنعاء في وقات سابق من هذه العمليات.
ومع الانقلاب على الشرعية ودخول الحوثيين لصنعاء والسيطرة على مقدرات وأجهزة الدولة المدنية، صدرت في هذه اللحظات توجيهات من الرئيس المخلوع علي صالح للمعسكرات في الحديدة والتي تزيد على 11 معسكرا، بتسليمها مباشرة إلى أفراد قادمين من صنعاء تابعين للحوثيين، وفقا لمفضل، الذي قال إن الأعداد التي وصلت إلى الحديدة كان يمكن صدها من كتيبة واحدة إلا أن معظم القيادات انصاعت لأوامر الرئيس المخلوع في تسليم المواقع العسكرية دون مواجهات.
وأشار الناطق الإعلامي للمقاومة في تهامة إلى أنه ومن خلال هذا المخطط تمكنت ميليشيا الحوثي من فرض قوتها العسكرية، وقبل ذلك الاقتصادية على الإقليم، وبدأت في اتخاذ إجراءات استفزازية ضد شيوخ القبائل الذين حوصروا في تلك الفترة قبل تكوين المقاومة الشعبية، لمواجهة الحوثيين وإفشال مخططهم في السيطرة على الإقليم.
وطيلة هذه السنوات كانت إيران المحور الرئيسي في دعم هذه الميليشيات، لإتمام مخططها في المنطقة العربية، بعد سقوط بغداد ودمشق، وقبل ذلك لبنان، بدءا من حزب الله الذي يعد السبب الرئيسي في بقاء البلاد من غير حكومة، لتعنته بقوة ما يمتلك من سلاح جاء بشكل كبير ومباشر من الإيرانيين في الوصول بعيدا بحلمهم في إيجاد أرض صالحة لإكمال مسيرتهم في تطويق العرب وتحديدا السعودية من خلال اليمن الأقرب للمملكة، إلا أن هذا التوجه والتفكير تراه إيران اليوم ينهار بعد أن قدمت كل ما لديها، ووفرت الإمكانات لسقوط اليمن.
واستبعد مختصون في السياسة أن تكف إيران في المرحلة المقبلة، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي، عن تهييج الشعوب من خلال الضرب على وتيرة سنة وشيعة، وسوف تستمر في الفترة المقبلة في إيجاد مواقع أخرى ودول يمكن زعزعة النظام فيها، وذلك بهدف إعادة الإمبراطورية الفارسية، وهي في هذه المرحلة تحارب من أجل عدم سقوط الحوثيين.
ويعول سكان تهامة على الألوية الثلاثة التي بدأت في التكوين لتصبح النواة الرئيسية للجيش الوطني، لمواجهة ميليشيا الحوثي وحليفها علي صالح، والتي ستكون خاضعة لقيادة عسكرية موحدة وتحت إشراف عام من قبل الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي سيصل قوامها إلى قرابة 10 آلاف مقاتل، مدعومة من قوات التحالف العربي، في إفشال هذا المخطط وزحف إيران في السيطرة على الموانئ الرئيسية في اليمن.



مصر تشجع السفارات الأجنبية على الانتقال إلى العاصمة الجديدة

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)
TT

مصر تشجع السفارات الأجنبية على الانتقال إلى العاصمة الجديدة

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية (شركة العاصمة الإدارية)

تشجع الحكومة المصرية السفارات والبعثات الدبلوماسية بالقاهرة، للانتقال من مقراتها في القاهرة، إلى «الحي الدبلوماسي» بالعاصمة الجديدة (شرق القاهرة).

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إجراءات انتقال السفارات والبعثات الأجنبية إلى العاصمة الجديدة، مع رئيس «شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية»، خالد عباس، إلى جانب الحوافز والتيسيرات التي يتم تقديمها للبعثات الدبلوماسية الأجنبية لتشجيعها على الانتقال، وفق إفادة لـ«الخارجية المصرية»، مساء الاثنين.

وزير الخارجية المصري خلال لقائه رئيس «شركة العاصمة الإدارية» (الخارجية المصرية)

وتضم المدينة الجديدة رئاسة الجمهورية والبرلمان ومجلس الوزراء، بجانب «الحي الدبلوماسي» المقرر نقل مقار السفارات الأجنبية إليه.

وتبلغ مساحة الحي الدبلوماسي في العاصمة الجديدة نحو 1500 فدان، تسع نحو 200 سفارة، وفق شركة العاصمة الإدارية. وحسب بيان «الخارجية المصرية»، ناقش عبد العاطي مع رئيس الشركة «خطة تنفيذ نقل مقار البعثات والسفارات بتوجيهات من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي»، وأشاد بـ«أعمال إنشاء وتجهيز الحي الدبلوماسي، وجهود توفير بنية تحتية ومرافق حديثة تلبي احتياجات السفارات والبعثات الأجنبية».

وتتركز غالبية مقار السفارات الأجنبية، حالياً، في أحياء راقية بوسط القاهرة، لا سيما المُطلة على نهر النيل، مثل «الزمالك، وجاردن سيتي، والمعادي»، وهي أحياء كانت قريبة من مقر وزارة الخارجية المصرية بوسط العاصمة المصرية، قبل نقله إلى الحي الحكومي في العاصمة الجديدة.

سفير سويسرا يتابع إجراءات نقل مقر سفارة بلاده إلى العاصمة الإدارية في فبراير الماضي (شركة العاصمة الإدارية)

وخلال اللقاء، شدد وزير الخارجية المصري على ضرورة «تقديم الدعم والتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية، لضمان انتقال سلس ومنظم للسفارات والبعثات الأجنبية، إلى مقارها الجديدة»، إلى جانب ضرورة «توفير أفضل الظروف لعمل البعثات الدبلوماسية المعتمدة في مصر»، حسب «الخارجية المصرية».

وتتوالى تعاقدات البعثات الدبلوماسية الأجنبية للحصول على مقرات لها بالعاصمة الجديدة، ووقَّعت «شركة العاصمة»، مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، اتفاقاً مع سفارة الكاميرون، لبيع قطعتي أرض بمساحة 8500 متر، داخل الحي الدبلوماسي، لإقامة مقر جديد للسفارة وسكن للسفير، حسب إفادة للشركة.

ولا يوجد موعد محدد لبدء نقل السفارات الأجنبية إلى العاصمة الجديدة، وفق المتحدث باسم شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، خالد الحسيني، وقال إن «البعثات الدبلوماسية الأجنبية، توقع عقود مقراتها تباعاً، على أن تستكمل إجراءات النقل تدريجياً بمرور الوقت»، مشيراً إلى أن التعاقدات التي جرى توقيعها، «تشمل دولاً عربية وأفريقية وآسيوية وأوروبية ومن الأميركتين».

رئيس شركة العاصمة الإدارية وسفير الكاميرون بالقاهرة خلال توقيع عقد مقر جديد للسفارة الكاميرونية بالعاصمة الجديدة (الشركة)

وأشار الحسيني، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عملية نقل السفارات الأجنبية لمقراتها للحي الدبلوماسي، أمر اختياري، وفق تقديرات كل دولة»، وقال إن «(شركة العاصمة)، أقامت بالفعل مقرات مجهزة بالحي الدبلوماسي، لتشجيع السفارات للانتقال إليها»، منوهاً بأن «الهدف تخفيف الضغط على مدينة القاهرة، والاستفادة من البنية المتطورة في العاصمة الجديدة».

وفي وقت سابق، قال الرئيس السابق لـ«شركة العاصمة الجديدة»، اللواء أحمد زكي عابدين، إن الشركة «تلقت طلبات من 60 دولة أجنبية وعربية، للحصول على أراضٍ، لإنشاء سفارات لها داخل الحي الدبلوماسي بالعاصمة»، وقال في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، إن من أبرز هذه الدول «الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والإمارات».

ولا يقتصر الحي الدبلوماسي بالعاصمة الجديدة على مقار للبعثات الدبلوماسية الأجنبية فقط، وإنما يضم مكاتب ومقرات للمنظمات الدولية والإقليمية، ضمن رؤية تخطيطية تنفذها الحكومة المصرية للمدينة الجديدة، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد، وأشار إلى أن «تخصيص مصر حياً دبلوماسياً في العاصمة الجديدة، نهج تطبقه دول عربية وأجنبية عند بناء المدن الجديدة، مثلما فعلت البرازيل».

سفير الجزائر بالقاهرة في أثناء توقيع عقد تخصيص قطعة أرض لبناء مقر لسفارة بلاده في العاصمة الإدارية في فبراير الماضي (شركة العاصمة)

ويعتقد أحمد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المقرات الجديدة للسفارات الأجنبية، «ستساعد الحكومة المصرية في توفير متطلبات الحماية الأمنية لهذه البعثات، بجانب تحقيق التجانس السكاني، وفق التخطيط العمراني الجديد».

غير أنه لا يرجح استكمال إجراءات الانتقال بشكل كامل للسفارات الأجنبية للعاصمة الجديدة، على المستوى القريب، وقال: «هناك سفارات دول كبرى تحتفظ بمقرات تاريخية لها في وسط القاهرة، وربما ستكتفي في الوقت الحالي بافتتاح مكاتب اتصال لها بالمقرات الجديدة بالعاصمة»، إلى جانب «وجود صعوبات مالية تواجه بعثات بعض الدول التي لا تمتلك موارد لشراء مقرات لها في الحي الدبلوماسي الجديد».

وإلى جانب سفارات الدول الأجنبية، سيضم الحي الدبلوماسي مقرات للمنظمات الدولية والأممية، ومن المقرر أن تستضيف العاصمة الجديدة مقرات مؤسسات أفريقية، من بينها، «مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاع»، والمقر الرئيسي لـ«البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد».


حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
TT

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)

«أشتري الآن أم أنتظر؟»، سؤال وجَّهه المصري محمد عبد الحميد، لرفقائه على المقهى بوسط القاهرة، خلال جلستهم نهاية الأسبوع الماضي، مستفسراً حول مناسبة الوقت الحالي لاستثمار حصيلة مدخراته المُقدَّرة بـ70 ألف جنيه (نحو 1475 دولاراً)، في شراء الذهب، بعد ارتفاعات متتالية في أسعاره طوال أيام الأسبوع، ليستقبل المهندس الأربعيني نصائح متضاربة: «اشترِ فوراً، فالسعر لن يرحم»، «انتظر، فالانخفاض قادم»، وصولاً إلى سخرية مريرة من أحدهم: «انتظر حتى يصل الغرام إلى 10 آلاف جنيه».

وبينما لم يتلقَّ المهندس الأربعيني إجابةً شافيةً لقلقه من خطوة الشراء، فإن ما شهدته أسواق الذهب المحلية والعالمية، خلال تعاملات (الاثنين)، من ارتفاعات قياسية جديدة، بعدما سجَّلت أوقية الذهب أعلى مستوى في تاريخها، جعله يحسم أمره، والتوجُّه إلى سوق «الصاغة» الشهير، لشراء سبيكة ذهبية وزن 10 غرامات بمبلغه المُدَّخر.

وأغلق سعر الذهب في مصر (الاثنين) على ارتفاع كبير ليسجِّل مستوى تاريخياً جديداً، مدفوعاً بازدياد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية بشكل أكبر، إلى جانب عودة التوترات الجيوسياسية التي تزيد من الطلب على الذهب بوصفه ملاذاً آمناً، بحسب منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.

وارتفعت أسعار الذهب في السوق المحلية بنحو 100 جنيه للغرام، خلال تعاملات الاثنين، بينما ارتفعت خلال التعاملات الصباحية، الثلاثاء، 60 جنيهاً، ليسجل سعر غرام الذهب عيار 21 (الأكثر تداولاً في مصر) مستوى 5960 جنيهاً، وهو أعلى مستوى يسجله على الإطلاق.

زيادة أسعار الذهب لم تُثنِ المصريين عن الشراء (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)

لم يكن عبد الحميد وحده هو مَن قصد «الصاغة»، إذ جذب بريق المعدن الأصفر العشرات غيره إلى المنطقة، حيث «تشهد السوق حركةً نشطةً، ورغم الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب، فإن الإقبال على الشراء لا يزال قوياً، لكن مع تغيّر واضح في نمط الشراء»، وفق ما يؤكده أمير رزق، تاجر الذهب والخبير المصري في مجال المصوغات والمشغولات الذهبية لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «منذ أكثر من 50 عاماً، هناك قاعدة ثابتة في السوق المصرية (كلما ارتفع سعر الذهب، زاد الإقبال عليه)، فالناس تشتري عندما ترتفع الأسعار، وتُحجم عندما تنخفض، خوفاً من الخسارة».

وبينما وصل حجم مشتريات المصريين من الذهب خلال عام 2024 إلى 50.1 طن، و32.5 طن خلال أول 9 أشهر من العام الحالي، بحسب «مجلس الذهب العالمي»، فإن رزق يشير إلى أن الإقبال على الشراء لأغراض استثمارية يشهد زخماً غير مسبوق، حيث يتركز الإقبال على السبائك الصغيرة، قائلاً: «الطلب الأكبر حالياً على السبائك ذات الأوزان الصغيرة 2، و5، و10 غرامات، أما الذهب لأجل الزينة، فلا يُشكِّل أكثر من 5 إلى 7 في المائة من المبيعات؛ بسبب ارتفاع الأسعار».

وفق بيانات «آي صاغة»، ارتفعت أسعار الذهب محلياً بنحو 45 جنيهاً خلال الأسبوع الماضي، بينما سجَّلت أسعار الذهب بالأسواق المحلية ارتفاعاً بنحو 2050 جنيهاً، منذ بداية 2025.

يتوازى مع سجال المقهى، سجال رقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، التي يطرح روادها أسئلةً بشكل مكثف حول مناسبة الوقت لشراء الذهب.

داخل أحد محلات الذهب بحي مصر الجديدة بالقاهرة، يوضِّح تاجر الذهب، مدحت عليش، أن الزيادات المتتابعة للذهب أدت لحالة من «التخبط» يعيشها المستهلك المصري، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الذهب يصعد، ثم يهبط، ثم يعاود الصعود... هذا التذبذب خلق حالةً من الترقب. الجميع يسأل: نشتري الآن أم ننتظر؟»، لافتاً إلى أن إجابته دوماً على هذا التساؤل هي أن «الذهب دائماً أفضل من السيولة النقدية».

ويلفت عليش إلى تحول جذري في ثقافة شراء الذهب لدى المصريين، قائلاً: «كانت (الشَّبكة) - هدية الزواج - تمثل العمود الفقري للمبيعات في العقود الماضية، لكن الطلب الآن ينصب بالكامل على السبائك والجنيهات الذهبية لأغراض الادخار فقط».

بدوره، يؤكد رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية المصرية، هاني ميلاد، أن السوق المحلية لا تزال تشهد طلباً نشطاً، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الارتفاع في الأسعار غالباً ما يدفع الناس إلى الشراء بدافع الخوف من زيادات إضافية، فعندما يرون السعر يتحرك صعوداً، يتسابق كثيرون للشراء قبل أن يرتفع أكثر».

ويؤكد أن السوق تشهد تحولاً في نوعية الزبائن، موضحاً: «مفهوم الاستثمار في الذهب جذب شرائح جديدة من المستهلكين، لم تكن معتادة على الشراء سابقاً، حيث دخل مستثمرون كبار، إلى جانب أفراد من الطبقة المتوسطة الذين يشترون كميات صغيرة، ما وسَّع قاعدة المشترين بشكل غير مسبوق».

سلوك المصريين في الإقبال على الذهب رغم ارتفاعاته، يُرجعه الخبير الاقتصادي، عادل عامر، إلى دوافع اقتصادية واجتماعية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك دوافع اقتصادية مباشرة، أبرزها الخوف من التضخم، وتآكل القوة الشرائية للجنيه، ما يجعل الذهب ملاذاً آمناً لحفظ القيمة، كونه لا يتأثر بالتضخم بالطريقة نفسها التي تتأثر بها العملة المحلية، كما أنه في الوعي الجمعي المصري ليس مجرد سلعة، بل رمز للأمان في أوقات الأزمات».

ويتابع: «الإقبال على شراء الذهب، خصوصاً السبائك، ليس نزعة استهلاكية، بل سلوك دفاعي عقلاني في بيئة اقتصادية تتسم بعدم اليقين، لذا يستمر هذا الاتجاه رغم الارتفاعات». وهو الاتجاه الذي يؤكده الأربعيني محمد عبد الحميد، مُعللاً اتجاهه لشراء سبيكته، بقوله: «أغلى سعر اليوم... هو أرخص سعر غداً».


وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
TT

وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)

رفضت وزارات في الحكومة اليمنية سلسلة البيانات المنسوبة إليها أو إلى موظفين فيها، والتي تحدثت عن انحياز مؤسسات حكومية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي ودعمه في إجراءات التصعيد التي ينفّذها في محافظتيْ حضرموت والمهرة.

جاءت هذه المواقف في أعقاب موجة بيانات سياسية أصدرها وزراء ونواب وزراء ووكلاء وزارات وقادة مؤسسات ومحافظون محسوبون على «الانتقالي»، أعلنوا فيها تأييدهم العلني للخطوات الأحادية التي اتخذها المجلس في شرق البلاد، فيما عدَّه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خروجاً واضحاً عن مبدأ الشراكة ووحدة القرار.

وفي وقت سابق، كان مصدر مسؤول بمكتب رئاسة الجمهورية قد عبّر، في بيان، عن «قلق بالغ» من «خروج بعض الوزراء والمسؤولين التنفيذيين عن مهامّهم الوظيفية»، وتحولهم إلى التعبير عن مواقف سياسية «لا تنسجم مع المرجعيات الدستورية والقانونية»، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

وحذّر البيان من استغلال المناصب الحكومية لـ«تحقيق مكاسب سياسية» خارج الأُطر الشرعية، مؤكداً أن مجلس القيادة هو الجهة الوحيدة المخوَّلة بتحديد المواقف العليا للدولة.

رفض البيانات المنسوبة

في هذا السياق، نفت وزارة الأوقاف والإرشاد أي صلة لها ببيان جرى تداوله مؤخراً، تضمّن «مضامين سياسية لا تندرج ضمن اختصاصاتها». وأكدت الوزارة أن الشرعية السياسية «المعترَف بها محلياً وإقليمياً ودولياً» تتمثل حصراً في مجلس القيادة الرئاسي، وأن أي موقف خارج هذا الإطار لا يمثلها، ولا تتحمل مسؤوليته. كما شددت على التزامها بتحييد ملف الأوقاف والحج والعمرة عن أي تجاذبات سياسية؛ حفاظاً على سُمعة اليمن ومصالح مواطنيه.

في الاتجاه نفسه، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة رفضها القاطع أي «مواقف أو قرارات صادرة خارج الأطر الدستورية»، محذّرة من خطورة الزج بالمؤسسات الخِدمية في سياقات سياسية قد تضر بيئة الأعمال وتؤثر على مناخ الاستثمار وثقة القطاع الخاص. وجددت الوزارة أنها تعمل تحت مظلة الحكومة الشرعية وبما يخدم «الاستقرار الاقتصادي ووحدة المؤسسات».

حشود في مدينة عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

أما وزارة الشباب والرياضة فعبّرت عن «استهجان بالغ» لنشر بيانٍ نُسب إلى موظفين فيها بعدن، وأعلنت رفضها «الزج بالمؤسسة في مواقف سياسية منحازة». وأكدت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية والإدارية ضد كل من يثبت تورطه في إصدار أو الترويج لبيانات تنتحل صفة الوزارة، مشددة على أن التزامها سيظل كاملاً بتوجيهات رئيس المجلس الرئاسي ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

الاتجاه نفسه اتخذته وزارة العدل، التي رأت أن البيان المنسوب إليها «تضمّن توصيفات ومسميات تتجاوز المرجعيات الدستورية»، مؤكدة أن أي استخدام للصفة الوظيفية للتعبير عن مواقف سياسية خارج إطار الشرعية يُعد «مخالفة جسيمة تستوجب المساءلة». وجدّدت الوزارة التزامها باستعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين، مؤكدة أن مؤسسات الدولة «تمثل جميع اليمنيين ولا يجوز القفز عليها».

وفي السياق نفسه، كانت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة قد أعلنت رفضها أي «اصطفاف سياسي أحادي»، أو استخدام للصفة الرسمية في مواقف سياسية. وشددت على أنها لن تتهاون مع أي محاولات لفرض أمر واقع إعلامي أو سياسي خارج إطار الشرعية، مؤكدة التزامها الكامل بإعلان نقل السلطة والتوافق الوطني.