ارتكب المخرج الجديد جوش ترانك جريمة قتل هزّت المجتمع السينمائي في هوليوود بعنف. لقد غرّد قبل يوم واحد من إطلاق فيلمه «فانتاستيك فور» قائلا: «قبل عام، كانت لديّ رؤية رائعة لهذا الفيلم كانت ستحصد إعجابًا كبيرًا». بذلك، تقول هوليوود، قام بقتل الفيلم في الساعة الخامسة والعشرين قبل افتتاحه. وفشلت عروض الفيلم (أنجز للآن 50 مليون دولار في الولايات المتحدة بينما تجاوز الستين مليون بقليل عالميًا).
الفيلم، وهو من إنتاج «تونتييث سنتشري فوكس»، اعتبر بمثابة الضحية التي سقطت برصاص قناص، والقناص هو مخرجه ترانك، مما يدفع بالسؤال حول لماذا أقدم مخرجه على هذا الفعل؟ ما الغاية التي كان ينشدها؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟
بعد ساعات من نشره التغريدة قام ترانك بسحبها، لكن، وحسب «ذا هوليوود ريبورتر» ومصادر أخرى، كان السيف قد سبق العذل، والضرر قد تم. لكن هل هذه حقيقة ما حدث؟ هل كانت الساعات القليلة لنشر التغريدة كافية للإطاحة بالفيلم؟
* طعنات
لا شك أن «فانتاستيك فور» تلقّى أكثر من طعنة في الصميم. تلك التي أقدم عليها المخرج ربما كانت القاضية، لكن الطعنات السابقة كانت فادحة الأثر ونصفها وقع خلال العمل، ونصفها الآخر بعد الانتهاء من تصويره وقبل أن يفتي المخرج بأنه غير سعيد ومسؤول عن النتيجة.
«فانتاستيك فور» (الذي تكلف نحو 100 مليون دولار لصنعه) هو كناية عن شخصيات «سوبر هيرو» ابتدعتها شركة «مارفل» منذ مطلع الستينات. عندما دخلت «مارفل» عالم السينما تحت اسم «مارفل استوديوز» أبرمت اتفاقا مع شركة «ديزني» المعروفة لإنتاج شخصياتهما معًا. لكن من حق مارفل أن تتعامل كذلك مع شركات أخرى؟ وهي بالفعل أنجزت فيلم «سبايدر مان» مع شركة «سوني». «فانتاستيك فور» هو نتيجة اتفاق بينها وبين شركة «فوكس». أما مع «ديزني»، فقد أنتجت «ذا أفنجرز» و«آيرون مان» و«ثور» من بين أفلام أخرى وكلها كانت ناجحة. بعضها أنجح من تلك الأعمال التي قامت «مارفل» بتحقيقها مع «سوني» (مالكة «كولومبيا») و«فوكس»، والسبب هو أن «ديزني» تركت للاستوديو المتشرّب خبرات عمل واسعة في مجال شخصياتها الكارتونية، وتحقيق رؤيته للأفلام المقتبسة عن شخصياته تلك، في حين احتفظت «سوني» و«فوكس» بحقهما في إدارة العمل إلى أن قررت «سوني» تسليم الدفة إلى شركة «مارفل» أسوة بـ«ديزني». لكن «فانتاستيك فور» عولج بخبرة «فوكس» وبإشرافها الكامل، وبعض المراقبين في هوليوود يقولون إن هذا هو السبب الذي من أجله تعثّر الفيلم فسقط.
العثرة الثانية كانت نقدية: من بين 36 ناقدا أميركيا وبريطانيا تناول الفيلم واحد فقط سجّل إعجابه بالعمل. الباقون منحوه تقديرات متوسطة وما دون. وتلك المتدنية سجلت في بعض أهم الصحف الأميركية مثل «يو إس إيه توداي» و«شيكاغو تريبيون» و«ميامي هيرالد» و«ذا نيويورك ديلي نيوز» و«واشنطن بوست»، حيث كتب مايكل أو سوليفان «المؤثرات تبدو رخيصة. التمثيل خشبي والحوار المنطوق صراخًا يقوم على كليشيهات مرمية».
* .. وحرائق
المخرج جوش ترانك كان سبق أن حقق فيلمًا قبل ثلاثة أعوام بعنوان «تأريخ» (Chronicle) لم يشاهده أحد على عكس هذا الفيلم الذي حاول عبره السباحة في بحر النجاح. لكن النقد الحاد الذي واجهه قبل افتتاح الفيلم (كل تلك المقالات نُشرت من خمسة أيام إلى يوم واحد قبل وقوع الفأس في الرأس) جعله يحاول الدفاع عن سمعته، وعن نفسه، بارتكاب الخطيئة الكبرى: اتهام الشركة المنتجة بأنها هي التي تدخلت لتحويل «رؤيته» إلى فيلم رديء. وبينما لا يمكن لأحد الحكم على «رؤيته» فإن الحكم على الفيلم كان صدر قبل تغريدة المخرج، وما فعله لم يكن سوى دفاع عن النفس بأسوأ ما يمكن لمخرج جديد استخدامه من وسائل دفاع.
هذا يعني أن هناك وسائل أخرى لم يعمد إليها ترانك من بينها مهاجمة النقاد والدفاع عن العمل وصانعيه. من بينها أيضًا سحب اسمه من الفيلم وعنه، وهو حل منتشر مورس منذ عام 1969 نتيجة الخلاف الذي نشب بين المخرج دون سيغال عندما أوكل له استكمال العمل على فيلم بعنوان «موت مقاتل» «Death of a Gunfighter» بعدما اختلف مخرج الفيلم الأول، روبرت توتن، مع الشركة المنتجة «يونيفرسال». وبما أن الشركة لم ترد حذف كل ما صوّره المخرج الأول بل استخدامه وتوليفه مع ما صوّره سيغال فقد طالب الأخير بسحب اسمه بعدما رفضت «يونيفرسال» طلبه السابق بإعادة تصوير المشاهد الأخرى. وبذلك تم خلق اسم مستعار هو ألن سميثي.
هذا الاسم استخدم نحو ستين مرّة حتى الآن، وذلك كلما نشب خلاف بين المخرج وشركة الإنتاج أو تسببت ظروف خاصة في محاولة مخرج العمل تبرئة نفسه من النتيجة.
من بين الأفلام الأخرى التي استعانت بالاسم الهلامي المذكور «دعنا نقبض على هاري» الذي حققه ستيوارت روزنبيرغ سنة 1986، و«اشتعال» لدينيس هوبر الذي فوجئ بأن شركة الإنتاج حذفت أكثر من نصف ساعة من الفيلم الذي حققه فسعى لدى جمعية المخرجين الأميركيين التي أجازت له سحب اسمه عن تلك النسخة المختصرة من الفيلم. الأمر ذاته وقع سنة 1997 عندما قام آرثر هيلر بإخراج فيلم «احترقي يا هوليوود احترقي» لكنه طلب حذف اسمه بسبب خلافات على النسخة الأخيرة من العمل.
بالعودة إلى «فانتاستيك فور» فإن الاحتراق من نصيب الفيلم بلا ريب، لكن من نصيب المخرج أيضًا الذي لن ينجح سريعًا في ردم ما حدث وإقناع هوليوود بأن تمنحه فرصة جديدة.