كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ظهرا، عندما شاهدت مجموعة من اللاجئين يتزاحمون تحت ظل شجرة صغيرة في جانب الطريق العام بالقرب من مركز شرطة جزيرة كوس، بينهم كان يجلس شاب في مقتل العمر اسمه «عمر» يبلغ من العمر 22 عاما والقادم من إدلب في سوريا، كان شاحب العينين وباد عليه الإعياء الشديد، حينما سألته كيف قدمت إلى هنا، رد بلكنته السورية «كنت بحكي مع الموتى من يومين» مشيرًا إلى أنه ظل لنحو 40 ساعة وهو ومن معه في عداد الموتى بعد أن ضلوا طريقهم وانقطعت بهم السبل في البحر.
ويضيف عمر: «اتفقنا مع رجل تركي لنقلنا من تركيا إلى اليونان وكان عددنا 8 (5 من سوريا و2 من العراق وشخص باكستاني) ووافق الرجل التركي على نقلنا إلى جزيرة كوس ببالون (قارب بلاستيكي منفوخ بالهواء) ومزود بموتور صغير لدفع القارب وذلك مقابل ألف دولار.
إلا أن المفاجأة والحديث لـ«عمر» أن الرجل التركي اتفق مع مرافقهم الباكستاني ليقود القارب، والذي كان لا يملك أي خبرات أو معرفة حول قيادة القارب، وهو الأمر الذي كاد أن يؤدي بنا إلى الموت.
ويضيف عمر: «بعد نصف ساعة من انطلاقنا من الحدود التركية نفد الوقود، شعرنا للحظات أننا نواجه الموت المحتم بعد أن وقف الموتور، فقررنا أن نجدف بأيدينا كل أربعة من جانب، ولكن الرياح جرفتنا إلى جزيرة صغيرة صخرية نائية ولم نجد فيها أي شخص أو أثر للحياة، بقينا نحو 28 ساعة نفكر في مستقبلنا المجهول، ونرسل إشارات عبر الـ«واتساب» وهواتفنا المحمولة قبل أن تنفد بطارياتها، ولم يستجب لنا أحد، وقد ذهبنا إلى حافة الجزيرة لساعات طويلة ونحن نلوح بملابسنا البيضاء التي خلعناها، لعل إحدى السفن تقترب من هذا المكان، ولكن تبين أن السفن لا تقترب منها خوفا من الاصطدام بالصخور».
عمر ومرافقوه جلسوا في الجزيرة الصخرية لنحو 40 ساعة «فكرنا مرارا أننا سوف نلاقي الموت في هذا المكان من دون أن يكتشفنا أحد، بدأ الشعور بالإعياء ولم يكن معنا ماء أو طعام، وحرارة الجو كانت مرتفعة ولنضطر بعض الأوقات لشرب ماء البحر حتى نحافظ على توازننا، أصبحت أتحدث مع نفسي عن الموت وماذا سألاقي بعد الموت، أصبحت الحياة بالنسبة لي رحلة فقط وهذه نهايتها، وفي خضم هذا التفكير صاح صديقي حسين والذي رافقني في الرحلة، بأنه طرأ عليه فكرة قد تنجح وهو أن يرسل نداء استغاثة عبر مواقع التواصل التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وطلب من أصدقائه إجراء الاتصالات اللازمة بعد تحديد موقعنا، وبالفعل نجحت الفكرة، وجاءت بعد 12 ساعة من وضع الاستغاثة على الـ(فيسبوك) فرقاطة تابعه للبحرية اليونانية أنقذتنا وأجرت لنا الإسعافات الأولية وتم نقلنا إلى جزيرة كوس، لنستكمل المأساة والمعاناة».
خر عمر ساجدا شكرًا لله أنه أنقذه من موت محقق، مضيفا أن معاناته ما زالت مستمرة مع بقائه هنا في كوس، أربعة أيام في انتظار وثيقة للسفر إلى أثينا ومن ثم إلى الحدود مع مقدونيا لاستكمال الرحلة، مشيرًا إلى أنه كان طالبًا في كلية الحقوق ودرس حتى السنة الثالثة ولكن الحرب والصراع الدائر في سوريا جعله يترك تعليمه، كما أن أسرته تشتتت هي الأخرى داخل سوريا وخارجها، ويطمح في الوصول إلى السويد وإتمام دراسته هناك ليصبح محاميا يدافع عن المظلومين».
«عمر».. 40 ساعة وأنا أتحدث مع الموت والـ«فيسبوك» أنقذنا في الرمق الأخير
طالب القانون قدم من إدلب.. وشرب ماء البحر ليواصل هجرته
«عمر».. 40 ساعة وأنا أتحدث مع الموت والـ«فيسبوك» أنقذنا في الرمق الأخير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة