إيران: الحرب الباردة تشتعل بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية

روحاني يوجه في خطاباته رسائل مشفرة إلى منتقديه.. وعلى رأسهم خامنئي

صورة أرشيفية لآية الله خامنئي (يمين) وهو يستمع إلى كلمة الرئيس حسن روحاني خلال لقاء جمعه بقادة سياسيين في طهران لمناقشة العقوبات الدولية على إيران (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لآية الله خامنئي (يمين) وهو يستمع إلى كلمة الرئيس حسن روحاني خلال لقاء جمعه بقادة سياسيين في طهران لمناقشة العقوبات الدولية على إيران (أ.ف.ب)
TT

إيران: الحرب الباردة تشتعل بين المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية

صورة أرشيفية لآية الله خامنئي (يمين) وهو يستمع إلى كلمة الرئيس حسن روحاني خلال لقاء جمعه بقادة سياسيين في طهران لمناقشة العقوبات الدولية على إيران (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لآية الله خامنئي (يمين) وهو يستمع إلى كلمة الرئيس حسن روحاني خلال لقاء جمعه بقادة سياسيين في طهران لمناقشة العقوبات الدولية على إيران (أ.ف.ب)

لا تزال الحرب الكلامية في إيران مستمرة بين خامنئي وروحاني، حيث بدأت عندما وجه رئيس الجمهورية، الاثنين الماضي، سهاما جديدة في اتجاه المرشد الأعلى عند تدشينه فعاليات «أسبوع الحكومة» في إيران بزيارة قبر الخميني.
وقال روحاني إن الخمیني «لم يكن یتدخل فی شؤون الحكومة، وكان يسعى لإرشادها فقط، تماما مثل المرشد الأعلى الذي يرشدنا اليوم»، موضحا أن الخمیني كان رافضا للتطرف، وكان يفرق بين الثوري والمتطرف، وشدد على أهمية ثنائية الجمهورية والإسلامية في تكوين النظام الإيراني، حيث لا يطغى أحدهما على حساب الآخر.
يذكر أن خامنئي كان قد حذر في الرابع من يونيو (حزيران) الماضي من تحريف سيرة وأقوال الخميني في ذكراه السنوية، من دون أن يذكر اسم رفسنجاني أو روحاني مباشرة، كما حذر من رسم صورة «ليبرالية» للخميني، خاصة في الآونة الأخيرة التي ارتفعت فيها حدة المزايدة بشأن التقرب والتمسك بمبادئ الخميني بين التيارات السياسية، وفي هذا الإطار نجح المرشد الأعلى في إقصاء وتهميش منافسيه، حسب بعض المراقبين.
وواصل حسن روحاني، من محافظة همدان، توجيه الرسائل المشفرة إلى منتقديه، وعلى رأسهم خامنئي، بالقول إنه «يجب ألا يغضب أحد من الكلام الذي يدعو إلى العمل بالقانون، لأنه لا يوجد شخص أو جهاز أعلى من القانون في إيران، وفخرنا هو أن نلتزم بالقانون وأن نستعد للمستقبل والانتخابات. وكل الأجهزة من برلمان وسلطة قضائية ومجلس صيانة الدستور والحكومة والقوات الأمنية يجب أن تتعاون من أجل انتخابات ناجحة (فبراير/ شباط، المقبل)».
يأتي هذا بعد أيام من هجوم روحاني على مجلس صيانة الدستور المكلف بمراجعة أهلية المرشحين، إذ قال روحاني الأسبوع الماضي إن تنفيذ الانتخابات والبت بأهلية المرشحين من مهام الحكومة، وليس من صلاحيات مجلس صيانة الدستور، الذي يختار خامنئي نصف أعضائه.
وقبل ذلك بأيام، انتقد روحاني هجوم المرشد الأعلى على أميركا، بقوله إنه «يجب ألا نتصور أن بإمكاننا أن نقول ونفعل كل شيء بعد التوافق النووي». لكن بالمقابل، فإن ردود أفعال كبار المسؤولين المعارضين لسياسة روحاني لم تتوقف منذ أسبوع، حيث وجه برلمانيون وعدد من الأئمة رسالة مفتوحة إلى روحاني. فيما اعتبر كثيرون أن ما قاله هذا الأخير بشأن عدم تدخل الخميني في الحكومة، واقتصار تدخل خامنئي على إرشاد الحكومة، كذبة ناعمة لحماية نفسه من خامنئي، بينما ذكر عدد من المواقع سلسلة من تدخلات الخميني منذ تقلده منصب المرشد الأعلى حتى وفاته، كما سخر الموقع من روحاني لأنه تجاهل تدخلات خامنئي وضغوطه على من سبقه في منصب رئيس الجمهورية.
بدوره، وصف صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية في إيران، التصريحات بشأن مجلس صيانة الدستور بأنها «سطحية»، من دون أن يذكر اسم روحاني، كما حذر التيارات السياسية ووسائل الإعلام من الدعاية وتوتر الأجواء قبل الانتخابات المقررة في فبراير المقبل، مؤكدا أهمية مجلس صيانة الدستور الذي يشارك في انتخاب نصف أعضائه.
على صعيد آخر، وجه علي مطهري، النائب البرلماني، رسالة مفتوحة إلى محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، انتقد فيها الهجوم على روحاني، مطالبا الحرس الثوري بعدم التدخل في السياسة. وقال بهذا الخصوص إن «دخول الحرس الثوري إلى عالم السياسة وأدواته مثل الانتخابات، ليس في صالح البلد والقوات المسلحة والثورة الإسلامية، لأنه يسبب الانقسام والاختلاف في الحرس الثوري».
واستشهد مطهري في رسالته بأقوال الخميني، التي تمنع تدخل الحرس الثوري في الانتخابات والنزاع بين التيارات السياسية، منتقدا رد قائد الحرس الثوري على تصريحات روحاني بشأن مجلس صيانة الدستور قبل أيام، كما أوضح في رسالته أنه كلما كان التشدد في ما يخص البت بأهلية المرشحين، كان البرلمان أضعف. وأضاف مطهري متسائلا «كأن روحاني الذي حصد 18 مليون صوت مدين إلى مجلس صيانة الدستور في انتخابه للرئاسة».
من جهته، انتقد قائد الحرس الثوري قبل أيام روحاني بشدة، واعتبر سلوك إدارته «بداية تآكل استقلال وكرامة النظام»، محذرا روحاني من محاولة إضعاف مجلس صيانة الدستور بالقول إنه «يجب على بعض من وصلوا إلى مناصب رفيعة عبر مجلس صيانة الدستور أن يكون خطابهم أكثر توازنا».
بدوره، اعتبر مطهري تصريحات قائد الحرس الثوري إضعافا لدور مجلس صيانة الدستور، مطالبا قائد الحرس الثوري بالالتزام بتعاليم الخميني في عدم التدخل في السياسة.
بالمقابل، ردت صحيفة «جوان» التابعة للحرس الثوري على النائب علي مطهري، مشيرة إلى أن تحذير قائد الحرس الثوري لرئيس الجمهورية «ليس دخولا في الانقسامات السياسية، ولا يعتبر مجلس صيانة الدستور أو رئاسة الجمهورية من الأحزاب السياسية». وشددت على أنها ليست أحزابا حتى يكون الحرس الثوري الجهة المقابلة لها. كما تساءلت صحيفة «جوان»: «هل تجري الآن انتخابات حتى يتدخل فيها الحرس الثوري؟.. هل استخدم الحرس الثوري قوته العسكرية للتأثير على الانتخابات؟».
وبعد إعلان الاتفاق النووي تحرك روحاني لتنفيذ وعوده الداخلية، ومع بدء التحضيرات للانتخابات المقررة في فبراير يسعى روحاني وتياره إلى تغيير تركيبة البرلمان ومجلس خبراء القيادة، لكن يبقى ذلك رهن إفلات مرشحي التيارات المعتدلة من مقصلة مجلس صيانة الدستور. لكن هل يملك روحاني القوة اللازمة من أجل الارتقاء لمواجهة المرشد الأعلى والحرس الثوري والمؤسسات التابعة من أجل تكرار نجاحه النووي في السياسة الداخلية؟



بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
TT

بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)

يرى محللون أن إسرائيل بتنفيذها ضربات واسعة على أهداف عسكرية سورية، وسيطرتها على المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، تسعى إلى «تجنّب الأسوأ» بعد سقوط حكم آل الأسد.

وقال يوسي ميكيلبرغ، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس في لندن، إن «الحكومة الإسرائيلية... تتصرف على أساس أسوأ السيناريوهات»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار محللون إلى أن بقاء بشار الأسد في السلطة كان أهون الشرور بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم تحالفه مع إيران، العدو اللدود للدولة العبرية، وحليفها «حزب الله» اللبناني، وذلك خوفاً من أن تؤدي إطاحته إلى فوضى.

وبُعيد سقوط الأسد، الأحد، شنّت إسرائيل خلال 48 ساعة مئات الضربات من الجو والبحر، قالت إنها طالت «أغلبية مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا؛ خشية سقوطها بيد عناصر إرهابية».

واحتلت إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967. وبعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، أُقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت سيطرة الأمم المتحدة، عقب اتفاق لفض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية عام 1974. وضمت إسرائيل القسم المحتل من الجولان عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي باستثناء الولايات المتحدة.

ومنذ اتفاق فض الاشتباك، لم تشهد جبهة الجولان أي تحرك عسكري من جانب سوريا.

والآن، يبدو أن القادة الإسرائيليين يخشون أن تكون الفوضى قد حلّت في سوريا أصلاً، ويتصّرفون وفقاً لذلك.

وفي يوم سقوط الأسد، أعلن نتنياهو أن اتفاق 1974 انهار، وأمر قواته بالسيطرة على المنطقة العازلة.

وقالت الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للدولة العبرية، إن انتشار القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة يجب أن يكون «مؤقتاً»، بعدما قالت الأمم المتحدة إن إسرائيل تنتهك اتفاق الهدنة عام 1974.

ومذاك، شن الجيش الإسرائيلي مئات الضربات ضد أصول عسكرية سورية، مستهدفاً خصوصاً مخازن أسلحة كيميائية ودفاعات جوية تابعة للبحرية السورية؛ لإبعادها عن أيدي المقاتلين.

وقد دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إلى وقف فوري لعمليات القصف الإسرائيلية.

من جهته، قال المحلّل داني سيترينوفيتش، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إنه يتوقع أن توسّع إسرائيل ضرباتها، موضحاً: «كل شيء استراتيجي في سوريا (...) الصواريخ والطائرات، وكذلك مركز البحوث العلمية (التابع لوزارة الدفاع)، كل شيء سيقصف».

وأضاف: «لا نعرف من سيتصدى لنا من الجانب السوري، سواء كان تنظيم (القاعدة) أو (داعش) أو أي تنظيم آخر، لذلك علينا أن نكون مستعدين لحماية مدنيينا».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أصدر تعليمات للجيش «بإقامة منطقة خالية تماماً من السلاح والتهديدات الإرهابية في جنوب سوريا من دون وجود إسرائيلي دائم».

وقال أفيف أوريغ، المحلل في مركز المعلومات مئير عميت، إن مصدر القلق الرئيسي على المدى القصير بالنسبة إلى إسرائيل هو المخزونات المتبقية من الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية.

وذكّر بالماضي الجهادي لبعض فصائل المعارضة السورية، موضحاً: «إذا وقعت هذه الأسلحة بين أيديهم فمن يدري ماذا سيفعلون بها؟».

لكنّ ميكلبرغ رأى أن تلك الطريقة «ليست الأفضل لبناء الجسور مع الحكومة الجديدة»، لافتاً إلى كثافة الضربات الإسرائيلية وحجمها.

الأكراد والدروز

وفي وقت يسود فيه تفاؤل في سوريا بشأن مستقبل البلاد، يتوقع بعض المحللين الإسرائيليين أن تكون البلاد مجزأة.

وقال إيال بينكو، وهو ضابط بحري متقاعد وخبير أمني، إنه يتوقع أن تنقسم سوريا إلى مجموعات إثنية - دينية، موضحاً: «أعتقد أنه لن تعود هناك سوريا».

من هذا المنطلق، يمكن لإسرائيل أن تختار مجموعات دون أخرى للعمل معها.

والاثنين، قال وزير الخارجية جدعون ساعر إن أكراد سوريا الذين وصفهم بأنهم «قوة الاستقرار»، يجب أن يتمتعوا بحماية المجتمع الدولي، فيما تحدث سابقاً عن العمل مع الأكراد في شمال شرقي البلاد والدروز في الجنوب.

وقال بينكو: «لا أعتقد أنهم سيحكمون سوريا... لكن إسرائيل ستحاول الدخول في سلام مع من يرغب فيه».

من جهته، رأى ميكيلبرغ أن العمل العسكري في الجولان، وتفضيل مجموعات على أخرى، سيشكلان خطأ من شأنه أن يضر بأي علاقة مستقبلية.

محادثات نووية

على مدى عقود، كانت سوريا حليفاً وثيقاً لطهران، والركيزة الأساسية للجسر البري الذي كانت تصل عبره الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله».

وبعدما تضرر بشدّة خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، قد يجد «حزب الله» الآن صعوبة في إعادة تسليحه دون روابط بسوريا.

وقال سيترينوفيتش إن سوريا «أساسية» بالنسبة إلى «حزب الله»، «وأنا أقول إنه دون سوريا تحت تأثير إيران، فلن يكون هناك في الواقع محور مقاومة».

وأيّده بينكو في ذلك قائلاً: «الخطر المرتبط بالمحور، (حزب الله) وسوريا وإيران والميليشيات العراقية أيضاً، أقل بكثير» الآن.

لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن لإيران أن ترد بينما أصبح موقفها أضعف؟ وقال سيترينوفيتش إن طهران قد «تسارع لإنتاج قنبلة (نووية)».

وهو ما قاله أيضاً أوريغ، مشيراً إلى أن ذلك يشكّل مصدر القلق الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل؛ «لأنه عندما تتعامل مع إيران مسلّحة نووياً، فإن الأمر سيكون مختلفاً تماماً».

إذا بدأت إيران تصنيع أسلحة ذرية، فقد تقرر إسرائيل القيام بعمل عسكري كما يتوقع البعض، لكنّ آخرين قدموا فرضية بديلة، وهي أنه يمكن جعل إيران تتفاوض بعدما أُضعفت الآن.