«لوبيرج دو لا مير».. قطعة من فرنسا في قلب البترون

فندق من فئة بوتيك للباحثين عن الراحة والتسلية

البهو الرئيسي في الفندق
البهو الرئيسي في الفندق
TT

«لوبيرج دو لا مير».. قطعة من فرنسا في قلب البترون

البهو الرئيسي في الفندق
البهو الرئيسي في الفندق

يعدّ فندق «L’auberge de la mer» الواقع في منطقة الميناء القديم في مدينة البترون الشمالية، عنوانا مشهورا بالنسبة للسيّاح العرب والأجانب الذين يبحثون عن واحة للراحة والتسلية معا. فهو إضافة إلى الخصوصية التي يتمتّع بها إن من خلال هندسته وموقعه المميزين، فإنه يشكّل مكانا فريدا من نوعه نظرا لسهولة تنقلّك فيه ما بين البحر والبرّ بظرف دقائق خمس.
يجذبك هذا الفندق ذو الهندسة المعمارية اللبنانية العريقة منذ اللحظة الأولى. فبدءا من مدخله ذي السلالم الحجرية الصخرية المكللة أطرافها بالورود والزهور يمينا ويسارا، ومرورا بشرفاته الشاسعة المطلّة على بحر البترون من ناحية وجبالها من ناحية ثانية، ووصولا إلى غرفه العابقة بعطر فرنسا القديمة وريفها المميز، فكلّ ذلك مجتمعا يعلمك أنك في حضرة موقع خدماتي سياحي يتمتّع بالفرادة والأناقة معا.
يمتدّ فندق «L’auberge de la mer» على مساحة تبلغ 20000 متر مربع وهو مصنّف بـ5 نجوم من قبل وزارة السياحة في لبنان. استغرق تجهيزه والتحضير له نحو الستّ سنوات، ولم تكتمل معالم ملحقاته بعد، إلا أن الجزء الرئيسي من الفندق يستقبل الزوار. فصاحباه وهما زوجان، قررا بين ليلة وضحاها أن يحوّلا العقار الذي اشترياه أساسا ليكون منزلا لهما، إلى واحة راحة تستقطب كلّ من يرغب في تمضية عطلة مميّزة وسط أجواء لا تشبه غيرها في المنطقة.
«لقد قمنا بجولات سياحية طالت أهم المدن في العالم. فقصدنا الأماكن المعروفة بـrelais et chateaux في كندا وسان فرانسيسكو والريف الفرنسي وفيينا وغيرها، من أجل أن نكوّن فكرة وافية عن هذا النوع من الأماكن الذي أردنا أن يكون فندقنا شبيها بها». تقول صاحبته سعاد طبشي التي رافقها زوجها في تلك الجولات.
وبالفعل عندما تتجول في أرجاء هذا الفندق، فإنك تشعر بتلك اللمسة الأوروبية التي تسود معظم أقسامه دون استثناء.
ورغم تلك اللمسة الإفرنجية بامتياز التي تهيمن على أجوائه عامة، فإن هندسة العقد ذات القناطر المتداخلة ببعضها بعضا، في قسم الاستقبال أو الـ«لاونج» كما هو معروف في عالم الفنادق، تطبعها بدمغة لبنانية عريقة فتؤلّف لوحة انطباعية تجمع ما بين عالمي الشرق والغرب معا.
اشترى صاحبا الفندق أحجارا صخرية من مختلف المناطق اللبنانية، لاستخدامها في عملية ترميم الفندق الذي يتألّف من طابقين، كانا مبنيين من حجر الخفّان. فهما أرادا بذلك أن يحافظا على الجرعة الأكبر من التراث اللبناني فيه.
* 9 ألوان تغمر غرف الفندق بالسعادة والأمل والتفاؤل
عدد غرف الفندق تسعة، وقد اتخّذت كلّ منها اسما كتب على لوحة من الموزاييك إلى جانب باب مدخلها.
الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق وغيرها من الألوان تؤلّف العنوان الرئيسي لكل غرفة من غرف الفندق التسعة. فقد دأبت صاحبة المكان أن تحمل كل منها دلالة مباشرة على أثاثها وطلائها من جهة وعلى موقعها من ناحية ثانية.
فكما هناك غرفة شروق الشمس الصفراء المطلّة على الجبل، هناك غرفة الحلم المطلية بالأزرق تيمنا بمشهد البحر الذي تحتضنه شرفتها. أما غرفة السعادة المفروشة كغيرها من الغرف بأناقة غرف فنادق الخمس نجوم، فتطالعك فيها لوحة «كوكوريكو» لبيكاسو، لتنبئك بأنك ستنام مبتسما كونك ستستيقظ سعيدا، على صوت صياح ديك سيذكّرك دون شكّ بأجواء القرية اللبنانية الأصيلة.
أما غرفة الأمل البرتقالية فقد صممّت ليغمرها النور كيفما تنقّلت فيها، مع إضفاء لمسات لافتة على أثاثها الخشبي، وستائرها وشراشف سريرها التي تلقي بظلالها الهادئة على النازل فيها. ومن المناظر الطبيعية التي ستجعلك تتمتّع بأجمل مشهد مغيب للشمس، فسيكون بمتناول يديك إذا ما اخترت الغرفة الحمراء المطلّة على البحر.
«سيفيو» و«هيلفيو» هما الغرفتان الكبيرتان في الفندق، اللتان تنتميان إلى خانة غرف «السويت» الفخمة. أما أسماؤهما فتشيران بوضوح إلى خصائصهما.
فواحدة منهما تطلّ على البحر وأخرى تشرف على جبال البترون. وهما تتضمنان إضافة إلى السرير المزدوج من نوع «الكينغ»، غرفة جلوس صغيرة وحمام أنيق، وطاولة لتناول المشروبات الغازية والعصائر والأطباق الخفيفة. كما أنهما مزوّدتان كغيرهما من غرف الفندق، بالوسائل الخدماتية الحديثة. إذ فيهما شاشة تلفزيون تلتقط مختلف قنوات الأقمار الصناعية، وإنترنت، وجهاز تكييف، ومجفف للشعر وآلة كهربائية لصنع القهوة، ومدفأة وشرفة كبيرة.
* الكنافة والكرواسان والسحلب والفول المدمّس أطباق لذيذة تناديك لتناول فطور غنيّ
- لعلّ أكثر ما يهتمّ به نزلاء الفنادق عامة هو وجبة الفطور، التي تعدّ واحدة من الخدمات المقدّمة لهم تلقائيا خلال إقامتهم. وتعدّ هذه الوجبة المعروفة بـ«الترويقة» في لبنان، متنوّعة وغنيّة لما فيها من أطباق جمع فيها أصحاب الفندق أطيبها وألذها. فعلى شرفة زجاجية واسعة مطلّة على البحر وعلى زوارق البحاّرة وصيادي السمك، بإمكانك أن تتناول وجبة الفطور هذه، فتختار واحدة من الطاولات التسع المصفوفة فيها، التي يدلّ لون الشرشف الذي يغطي كلّ منها، على الغرفة التي تنزل فيها أنت شخصيا. وبذلك فأنت تتمتع بجلسة خاصة تكون بمثابة تكملة لمشوار بدأته في غرفة صفراء مثلا، لتتناول فطورك على طاولة من اللون نفسه.
«الكنافة بالجبن» و«الفول المدمّس» و«السحلب» الساخن و«القمح المسلوق»، إضافة إلى قطع الكرواسان والخبز الفرنسيين الطازجين المصنوعين محليّا. هذه الأصناف من بين أبرز عناوين وجبة الفطور في «L’auberge de la mer». ولم ينس القيّمون على الفندق إدراج المنقوشة اللذيذة بالصعتر والجبنة والكشك البلديين، من ضمن لائحة عناصر الوجبة. فصباح كل يوم تتمركز «الست هيام» أمام فرن الصاج الحديدي، لترق عجين المناقيش وتخبزها مباشرة أمام الزبائن، الذين ما أن تتسللّ رائحة مكوّناتها إلى أنوفهم حتى يتلهفّون إلى تذوّقها ساخنة.
* هوايات ونشاطات
إذا كنت من هواة السباحة والتسوّق والقيام بنزهات بحرية، أو من محبّي استكشاف المعالم الأثرية وتذوّق الأطباق اللبنانية في المطاعم، وغيرها من النشاطات التي عادة ما تمنن النفس بممارستها أثناء فترات العطل، فإنك لا بدّ ستنال فرصة اختيار ما تريده خلال إقامتك في هذا الفندق الصغير والعريق في منطقة البترون.
فعلى بعد 5 دقائق من موقع الفندق، باستطاعتك أن تعبر إلى شاطئ البترون اللازوردي. ومنه بإمكانك أن تمارس رياضة السباحة والتزلّج على الماء، أو القيام بنزهة على طول الساحل الشمالي بواسطة واحد من الزوارق المصطفّة على مرفأ البترون القديم. وإذا أردت الجلوس والتمتّع بمشهد البحر فقد خصصّ لك الفندق، زوايا من مساحته فيها أرجوحة من القصب أوخيمة حديدية تظللها أوراق العنب، موزّعة هنا وهناك لتمضية لحظات تأملية تريح الأعصاب. وفي سوق البترون الذي تصله من الفندق سيرا على الأقدام، باستطاعتك أن تمارس هواية التسوّق وشراء التذكارات التي لها دلالات عن مختلف المناطق اللبنانية. كما بإمكانك تسجيل اسمك في رحلة برّية استكشافية تأخذك في مشوار جميل على مختلف البلدات البترونية المعروفة بمطاعمها الشعبية والفخمة معا، والتي تقدّم أطباق السمك والمشاوي والمازة اللبنانية. أي معلومات تريدها في هذا الخصوص سيزوّدك بها الفريق العامل في الفندق الذي يقف على خدمتك 24 ساعة.
عندما سألت صاحبة الفندق عن اللمسة الخاصة التي تمثّلها شخصيا في هذا الفندق، أجابت: «لقد قمت باختيار أثاثه فجعلته يرتدي الثياب التي أريدها تماما وكأنه بيتي». وبالفعل فعندما تتنقّل في إرجاء الفندق وتشاهد إنارته الحديثة ولوحاته المعلّقة على مختلف جدرانه، وخزاناته الخشبية ذات الأشكال القديمة، وستائره الفضفاضة الفرنسية المنشأ، إضافة إلى بسط من السجاد المحبوك بالخيوط الصوفية الملوّنة والتي تمثّل الصناعة اللبنانية، فستستنتج أن أنامل نسائية أنيقة رتّبتها في هذا المكان الراقي والدافئ معا.
أما شتول زهرة «الأوركيد» الملوّنة والتي يزيد عددها عن الـ150 شتلة، فتحرص صاحبة الفندق أن تزيّنه بها كونها الأحب إلى قلبها.
إقامة تتراوح كلفتها ما بين 200 و300 دولار لليلة الواحدة في هذا الفندق، ستعرّفك إلى لبنان الأزرق والأخضر معا، وإلى خصائص مدينة البترون التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
«L’auberge de la mer» هو خير عنوان لتمضية عطلة لا ملل فيها ولا رتابة، فتزوّدك بجرعات من الحبّ وكميّات من شغف الحياة، اللذين تمسّك بهما صاحبا الفندق وبنثرها على كل زاوية من زواياه، فشكّلتا عنوانا واحدا لزبائن يقدّرون معني الجمال بكل أوجهه.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».