تتضاعف معاناة الفلسطينيين الهاربين من الحرب في سوريا إلى دول الجوار العربية أو إلى مناطق في الداخل قد تكون أكثر أمنا؛ فهم من جهة لا يعاملون على أنهم نازحين على غرار السوريين، ولا توفر أو تؤمن لهم السلطات ما يحصل عليه مواطنوهم الذين سبقوهم إلى اللجوء من فلسطين المحتلة، وإن قرروا الهجرة إلى أوروبا فكانوا فريسة للمهربين وتجار البشر مقابل مبالغ طائلة ورحلات غير محسومة النتائج.
هذا الواقع كان واضحا ومفصلا في تقرير أصدره «مركز الزيتونة للمعلومات»، ملقيا الضوء على واقع الفلسطينيين الذين كانوا مسجلين لدى وكالة الـ«أونروا» في سوريا والذين يبلغ عددهم نحو 560 ألف لاجئ، بحيث تتركز الكتلة الأكبر منهم في العاصمة دمشق وريفها (نحو 80 في المائة).
وفي حين يعرض التقرير المعاناة التي تلاحق الفلسطينيين في تهجيرهم الثاني، يلفت إلى ظروفهم التي كانت تعد أفضل من مواطنيهم في بعض الدول العربية، لا سيما لجهة قيام الحكومة السورية بقوننة الوجود الفلسطيني منذ بداية اللجوء، وفتح مجال الاندماج في المجتمع السوري على كل الأصعدة ومعاملتهم معاملة السوريين مع احتفاظهم بجنسيتهم.
لكن هذا الوضع تغير بعد ذلك، وتحديدا منذ بدء الاحتجاجات في درعا واتهام الحكومة السورية لهم بعلاقتهم بها، حيث بدأوا يتعرضون كغيرهم من السوريين لتأثيراتها المدمرة على نسيج مجتمعهم، وعلى مختلف أوجه حياتهم اليومية، خصوصًا في المخيمات، مما اضطرهم إما إلى النزوح داخل سوريا أو إلى الهجرة خارجها. ومن اختار الأخيرة تعرض للمعاناة والتمييز في البلدان التي لجأ إليها، كالأردن ولبنان وتركيا ومصر وليبيا وغيرها. وغامر بعضهم بحياته وحياة أطفاله في قوارب الموت وعلى المعابر الدولية، بحثًا عن حياة آمنة.
وقدرت وكالة الـ«أونروا»، في فبراير (شباط) 2015، عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا داخليًا بنحو 280 ألف لاجئ توزعوا بين دمشق ودرعا وحلب وحمص واللاذقية وحماه، ويحتاج 90 في المائة منهم إلى المساعدة العاجلة.
وأكثر ما يقلق اللاجئين الفلسطينيين، وفق باسم قاسم، الباحث في «مركز زيتونة»، هو مستقبلهم في ظل عدم التفات أي جهة إليهم، موضحا أنّ «هذا الأمر يبدو واضحا من خلال بعض المفاوضات التي حصلت وتحصل بين الدول والمجتمع الدولي؛ إذ إن موضوعهم يبقى غائبا عن التداول، والسؤال الأهم بالنسبة إليهم اليوم هو: ماذا سيكون مصيرهم بعد انتهاء الأزمة.. هل سيبقى وضعهم على ما كان عليه أم سيهجّرون أيضا؟»، مضيفا: «هذا القلق هو الذي جعل مئات العائلات تختار الهجرة غير الشرعية في أحيان كثيرة والمخاطرة بحياتها واللجوء إلى أوروبا».
وتعرضت المخيمات الفلسطينية، خصوصًا تلك الواقعة في المناطق التي توجد فيها معارك عسكرية، إلى عمليات تدمير؛ مما أدى إلى نزوح سكانها بشكل كلي أو جزئي إلى مناطق أكثر أمنًا نسبيًا، ومن بقي فيها عانى كغيره من السوريين من الحصار ونقص الخدمات والمواد الغذائية الأساسية. ويأتي على رأس هذه المخيمات المحاصرة مخيم اليرموك الذي بلغ عدد من بقي فيه أقل من 18 ألف فلسطيني بحسب إحصاء الـ«أونروا»، والعدد مرشح للانخفاض بسبب استمرار الحصار والمعارك العسكرية هناك.
وفي حين يمكن وصف الوضع في مخيمات جرمانا والسيدة زينب والرمل والعائدين، بـ«الهادئ نسبيا»، لا تزال قوات النظام تمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم في مخيمي الحسينية والسبينة منذ نحو سنتين، بينما نزحت كل العائلات من مخيم عين التل بعد سيطرة المعارضة عليه، وبات 70 في المائة من مخيم درعا شبه مدمّر.
ووفق إحصاءات «الزيتونة» فإن عدد الضحايا الفلسطينيين نتيجة للصراع القائم في سوريا لغاية الشهر الرابع من العام الحالي وصل إلى نحو 2.820 ضحية فلسطينية موثقة، فيما بلغ عدد المفقودين 272، أما عدد المعتقلين فبلغ 831.
ويسلط التقرير الضوء على مواقف الدول العربية والأجنبية من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، كاشفًا عن اختلاف معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من ويلات الأزمة إلى الدول العربية من بلد لآخر، حيث تمحورت معاناتهم في عدة نقاط أهمها: المعاناة الاقتصادية، والوضع القانوني، والتحصيل العلمي، وتوافر الخدمات الصحية، إضافة لإمكانية وصول الفلسطينيين إلى تلك البلدان، فقد منعت معظم البلدان المجاورة لسوريا القادمين من الفلسطينيين من الدخول إليها بشكل نظامي.
وكانت قد ذكرت وكالة الـ«أونروا» في فبراير 2015 أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى خارج سوريا بلغ أكثر من 80 ألف لاجئ توزعوا كالتالي: في لبنان 44 ألفا، في الأردن 15 ألفا، في مصر 4 آلاف، في غزة ألف لاجئ، في تركيا 40 ألفا، وفي أوروبا 104 آلاف.
وفي ظل هذا الواقع، لم يكن المجتمع الدولي، أفضل حالا في معاملته اللاجئين الفلسطينيين عن السلطات في بعض الدول، وهو ما أشار إليه التقرير، لجهة اتهام مؤسسات حقوقية المجتمع الدولي بالتقصير بحقهم، ودعت إلى توفير الحماية الأمنية والقانونية، وتوفير المواد الإغاثية لهم. كما أعربت عن قلقها الشديد إزاء ما سمته «الوضع الكارثي» في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، الذي قالت بأنه «دفع فاتورة باهظة منذ اشتعال الأحداث في سوريا».
وفي حين كان دور السلطة الفلسطينية شبه غائب عن وضع اللاجئين، حاولت الفصائل الفلسطينية اتخاذ موقف محايد، لكن عاد بعضها وتدخل في الأحداث مثل «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» رغم خروج قيادة حركة حماس من سوريا في مطلع عام 2012.
وفي هذا الإطار، قال باسم قاسم، إنّ الفلسطينيين كانوا الحلقة الأضعف في الأزمة السورية، «فهم لم يعاملوا كمواطنيهم اللاجئين في بعض الدول، ولم تقدم إليهم المساعدات التي حصل عليها السوريون نتيجة رفض معظم الدول استقبالهم وتفاذف مسؤوليتهم بين المنظمات»، وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنّ مفوضية شؤون اللاجئين أعطت الأولوية للسوريين اللاجئين بينما لم تضمّهم منظمة الـ«أنروا» إلى رعايتها على غرار الذين كانوا قد لجأوا إلى بعض الدول قبل ذلك من فلسطين المحتلة.
وهنا لا ينفي قاسم أنّ الحياد السياسي الذي دعت إليه السلطة الفلسطينية والفصائل انسحب كذلك على «الحياد الرعائي والاجتماعي» لهؤلاء؛ إذ في حين ترى السلطة أن دورها مرتبط بمن هم في فلسطين فقط، عدت الفصائل أنّ أي تدخل في هذا الإطار قد يحسب تدخلا في الشؤون السورية الداخلية.
في تهجيرهم الثاني.. معاناة اللاجئين الفلسطينيين مضاعفة داخل سوريا وخارجها
لا يعاملون بصفتهم لاجئين ولا يحصلون على حقوق النازحين
في تهجيرهم الثاني.. معاناة اللاجئين الفلسطينيين مضاعفة داخل سوريا وخارجها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة