السيستاني يحمّل القضاء مسؤولية انتشار الفساد في العراق

تجدد المظاهرات بـ10 محافظات عراقية وإغلاق لميناء أم قصر

متظاهرون في مدينة النجف الشيعية حيث مركز مرجعية السيسستاني يحتجون ضد الفساد الحكومي أمس (رويترز)
متظاهرون في مدينة النجف الشيعية حيث مركز مرجعية السيسستاني يحتجون ضد الفساد الحكومي أمس (رويترز)
TT

السيستاني يحمّل القضاء مسؤولية انتشار الفساد في العراق

متظاهرون في مدينة النجف الشيعية حيث مركز مرجعية السيسستاني يحتجون ضد الفساد الحكومي أمس (رويترز)
متظاهرون في مدينة النجف الشيعية حيث مركز مرجعية السيسستاني يحتجون ضد الفساد الحكومي أمس (رويترز)

طالب عشرات الآلاف من المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد بمحاسبة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وإحالته إلى القضاء مع من ورد اسمه في لجنة تحقيق سقوط الموصل بيد «داعش» العام الماضي، ومحاسبة مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء في العراق. وبعد يوم واحد من تحميل المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مسؤولية ما حل بالعراق من تدمير خلال السنوات الماضية، حمّل السيستاني القضاء العراقي مسؤولية انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة وأجهزتها خلال السنوات الماضية.
وكانت المرجعية الدينية في النجف دعت الجمعة الماضي إلى إصلاح الجهاز القضائي، في وقت حمل فيه آلاف المتظاهرين صور رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود مطالبين إياه بالاستقالة. وفيما تقدم المحمود بطلب إلى السلطة القضائية لإحالته إلى التقاعد فإن مجلس القضاء الأعلى رفض الطلب وبايعه في منصبه مدى الحياة، الأمر الذي عده الناشطون المدنيون بمثابة استفزاز لمشاعرهم.
ومع تجديد المرجعية الدينية العليا عبر خطبة الجمعة في كربلاء ضرورة إصلاح الجهاز القضائي، حملت مظاهرات يوم أمس الجمعة شعارات وأهداف القضاء مسؤولية التدهور في كل مناحي الحياة، مجددة الطلب إلى المحمود بالرحيل بوصفه المدخل الحقيقي لإصلاح القضاء، ومن ثم الإصلاح في عموم أجهزة الدولة.
وفي هذا السياق أكد الناشط المدني والأكاديمي كاظم المقدادي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «المظاهرات لا يمكن أن تستمر دون أن تجد صدى حقيقيا لها من قبل السلطة لجهة البدء بإصلاحات حقيقية تتعدى الرواتب والمخصصات والحمايات ودمج بعض الوزارات التي كانت مدرجة أصلا ضمن خطة الإصلاح الحكومي»، مشيرا إلى أن «المظاهرات تطالب بإجراءات جادة وحقيقية وذات طبيعة جذرية تبدأ من القضاء وتنتهي بالجسم الحكومي من خلال حكومة تكنوقراط مع إلغاء للمحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية ومحاربة كبار الفاسدين مهما كانت عناوينهم».
وأضاف المقدادي أن «العبادي مطالب بأن يكون أكثر جدية لأن هناك من بين أقطاب السلطة، لا سيما السيد المالكي، من بدا يراهن على الزمن من خلال العمل على تفكيك المظاهرات، وهو منحى خطر لكن الجميع واعون لمثل هذا التوجه».
في سياق ذلك دعت المرجعية الدينية الرئاسات الثلاث إلى المضي بإجراء الإصلاحات ومحاسبة كبار الفاسدين ودعم المكلفين وحمايتهم، مؤكدة أن معركة الإصلاحات تعد مصيرية ولا خيار إلا الانتصار فيها، لأنها تحدد مستقبل البلد. وجددت المرجعية تأكيدها مرة أخرى على ضرورة العمل في إصلاح الجهاز القضائي للقيام بمهمته على الوجه الصحيح، مبينة: «لا نريد الاستغراق في بيان أوجه الفساد والتقصير في عمل هذا الجهاز المهم خلال السنوات الماضية، لكننا نشير إلى أن ما يلاحظ من تكاثر الفاسدين من لصوص المال العام وعصابات الخطف والابتزاز وشيوع ثقافة الرشا في كافة مفاصل الدولة والمجتمع}.
وأكدت المرجعية على أن الخطوات الإصلاحية يجب أن تتم وفق الإجراءات القانونية حتى لا يبقى مجال للمتضررين للتقدم بشكاوى إلى المحاكم لإبطالها بذريعة مخالفتها للدستور أو القانون، فتتحول هذه الخطوات إلى حبر على ورق، منوهة بأن «من الخطوات الإصلاحية ما يتطلب تعديلا قانونيا أو تشريع قانون جديد، ومن الضروري أن تقوم الحكومة بتقديم مشاريع لهذا الغرض إلى البرلمان ليتم إقرارها فلا يبقى منفذ إلى التراجع عنها لاحقا.
إلى ذلك أبلغ مصدر مسؤول مقرب من السلطة القضائية «الشرق الأوسط» شريطة عدم الإشارة إلى اسمه أن «رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود سوف يقدم هذا الأسبوع استقالته لأنه لم يعد يتحمل الضغوط الجماهيرية، وكذلك ضغط المرجعية الدينية»،
مع تجدد التظاهرات في 9 مدن في وسط العراق وجنوبه، تجد أن أعداد المتظاهرين كانت في تزايد بالمقارنة مع التظاهرات السابقة، فيما تجد مشاركة كبيرة للعائلات من النساء والأطفال فيها، فيما قام المحتجون بمدينة أم قصر الحدودية في البصرة بغلق الطريق المؤدية للميناء التجاري الأشهر في العراق.
وفي الوقت الذي انتقد به عدد من المتظاهرين سياسة الحكومات المتعاقبة في العراق وعدم مكافحتهم للفساد، شهدت التظاهرات تراجعا واسعا في التأييد الشعبي لرئيس الحكومة العراقية الحالي حيدر العبادي وخصوصا في البصرة.
وقالت مجموعة من شهود العيان في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «متظاهرين غاضبين من أهالي ناحية أم قصر، جنوب غربي البصرة، أغلقوا كل الطرق المؤدية إلى الميناء بعد أن قاموا بنصب السرادق والخيام هناك، فيما قاموا بمنع دخول وخروج الشاحنات والمركبات، فضلا عن المراجعين والموظفين».
وأضافوا أن «المتظاهرين أبلغوا الموظفين بعدم الدوام لحين قيام الجهات المعنية بتحقيق جملة من المطالب أبرزها إيجاد فرص عمل لهم في الميناء وتوفير الخدمات، مؤكدين استمرارهم بقطع الطرق وإيقاف حركة التجارة في ميناء أم قصر كوسيلة للضغط على الحكومة».
إلى ذلك، تراجع التأييد الشعبي لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وخصوصا في مدن جنوب العراق، وذلك بسبب زيارته للبصرة مؤخرا وعدم لقائه بالمتظاهرين.
وقال علي أحمد، أحد قادة التظاهرات في البصرة، إن «تظاهرات اليوم (يوم أمس) في البصرة هي الأكبر منذ انطلاق الاحتجاجات في العراق على حكومة العبادي بسبب عدم توفر الخدمات».
وأضاف أن «تأييد العبادي بتراجع مستمر وذلك بسبب عدم وجود جدية حقيقية للإصلاحات وتجاهله للمعتصمين في البصرة عند زيارته الأخيرة للمدينة، فلا بد من وجود سقف زمني لتلك الإصلاحات».
الحراك الشعبي في عدد من المدن العراقية وجه انتقادات واسعة للحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ 12 عاما، حيث حملوها سبب تفشي الفساد بمؤسسات الدولة وسوء الخدمات وخصوصا حكومتي نائب رئيس الجمهورية المقال نوري المالكي.
وقال حيدر الشميساوي، أحد قادة تظاهرات ذي قار (375 كلم جنوب بغداد)، إن «المالكي هو من يتحمل أغلب الأخطاء التي ولدت سوء الخدمات والفساد حيث كان كثير التحدث عن امتلاكه لملفات فساد لكن لم يكشفها فماذا ينتظر؟ لا نعرف».
وأضاف أن «المالكي يجب أن يحاكم بسبب إخفائه لتك الملفات وعدم محاسبة الفاسدين والتلاعب بمقدرات الشعب العراق والمساعدة بهروب الحرامية».
إلى ذلك، قال أحمد أبو أصيبع، أحد منظمي تظاهرات النجف (161 كلم جنوب غربي بغداد)، إن «حكومات فاشلة محلية ومركزية ومنذ عام 2003 ولا حل حتى حيث تحدث المرجع الأعلى السيد السيستاني لم ولن يسمعوا، فالفساد نخر جسد الدولة ويجب إبعادهم جميعا (جميع السياسيين) وبعدها يتم الحديث عن إصلاح حقيقي».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».