قرار الانتخابات المبكرة في يد إردوغان.. والمعارضة تتهمه بـ«الانحياز»

الحزب الحاكم يسعى لقرار من البرلمان بإجرائها لتجنب إدخال أحزاب المعارضة في الحكومة المؤقتة

دليك أوجلان ابنة أخ عبد الله أوجلان  عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب مع عدد من أعضاء حزبها وقد اعترضهم رجال أمن أتراك في ديار بكر أمس (إ.ب.أ)
دليك أوجلان ابنة أخ عبد الله أوجلان عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب مع عدد من أعضاء حزبها وقد اعترضهم رجال أمن أتراك في ديار بكر أمس (إ.ب.أ)
TT

قرار الانتخابات المبكرة في يد إردوغان.. والمعارضة تتهمه بـ«الانحياز»

دليك أوجلان ابنة أخ عبد الله أوجلان  عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب مع عدد من أعضاء حزبها وقد اعترضهم رجال أمن أتراك في ديار بكر أمس (إ.ب.أ)
دليك أوجلان ابنة أخ عبد الله أوجلان عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب مع عدد من أعضاء حزبها وقد اعترضهم رجال أمن أتراك في ديار بكر أمس (إ.ب.أ)

رغم أن مهلة الـ45 يوما التي منحها الدستور لرئيس الحزب الأول في البرلمان التركي لتشكيل الحكومة لم تنقض بعد، إلا أن الحزب الذي يرأسه رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو يعمل وكأن الانتخابات البرلمانية المبكرة حاصلة غدا.
وتنتهي المهلة القانونية في الـ23 من الشهر الحالي، غير أن داود أوغلو المكلف تشكيل الحكومة بصفته رئيسا لحزب العدالة والتنمية أعلن فشله رسميا قبل 5 أيام على الموعد، وذهب إلى رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، الرئيس السابق للحزب الذي يرأسه داود أوغلو حاليا، ليعيد إليه التكليف الذي منحه إياه، بانتظار الكلمة الفصل من رئيس الجمهورية الذي بيده وحده منطقيا قرار الانتخابات المبكرة، على اعتبار أن البرلمان التركي الذي انتخب في يونيو (حزيران) الماضي لا توجد فيه أكثرية مؤيدة للانتخابات المبكرة.
وتنص المادة 116 من الدستور التركي على أنه في حال فشل الحزب المكلّف بتشكيل حكومة خلال 45 يومًا من انتخاب ديوان رئاسة البرلمان الجديد، يمكن للرئيس بعد التشاور مع رئيس البرلمان، اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة، وتجرى الانتخابات في الأحد الأول بعد مرور 90 يومًا على صدور القرار، كما تمنح المادة 77 من الدستور التركي، برلمان البلاد، حق الدعوة لانتخابات، قبل حلول الموعد المعتاد للانتخابات البرلمانية، والتي تجرى كل 4 سنوات، وفي هذه الحالة، تدرس اللجنة الدستورية في البرلمان، مقترحات إجراء انتخابات مبكرة، وتعرض تقريرها بهذا الخصوص على الجمعية العامة للبرلمان، حيث يناقش ثم يطرح للتصويت.
ويمكن للرئيس إردوغان الدعوة للانتخابات المبكرة بعد التشاور مع رئيس البرلمان الحالي، وهو من حزب العدالة والتنمية أيضا، مما يسهل الطريق أمام هذا القرار. وفي هذه الحال سيتم تكليف شخصية ما، على الأرجح داود أوغلو، لتأليف حكومة تشرف على الانتخابات. ووفقا للدستور التركي تشكل هذه الحكومة خلال خمسة أيام من إعلان قرار إجراء الانتخابات المبكرة في الجريدة الرسمية، ولا يجرى تصويت بالثقة على تلك الحكومة التي تستمر في أداء مهامها خلال فترة الانتخابات، وحتى انعقاد البرلمان الجديد.
ويتوقع أنّ ينتظر الرئيس إردوغان قرار البرلمان التركي بشأن إجراء الانتخابات المبكرة. وفي حال عدم تمكّن البرلمان من اتخاذ قرار الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فإنه من المتوقع أن يقوم الرئيس إردوغان بتعيين حكومة مؤقتة ريثما يحين موعد الانتخابات المبكرة التي من المرجّح أن تجري في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي حال تمّ تشكيل الحكومة المؤقتة، فإنّ المقاعد الوزارية سيتمّ تقسيمها بين الأحزاب الفائزة بمقاعد في البرلمان التركي، وذلك بحسب نسبة كل حزب من أصوات الناخبين. وبناء على النتائج الرسمية لانتخابات 7 يونيو، فإنّ حزب العدالة والتنمية سيظفر بـ11 مقعدًا وزاريًا وسيكون لحزب الشعب الجمهوري 6 مقاعد، بينما يكتفي كلّ من حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطية بـ3 مقاعد وزارية لكلّ منهما.
غير أن حزبي الحركة القومية وديمقراطية الشعوب أعلنا في وقت سابق عدم رغبتهما في المشاركة بأي حكومة انتقالية أو مؤقتة يتمّ تشكيلها، مما يعني أن المقاعد الوزارية المخصّصة لهما، سيكون من نصيب النوّاب المستقلين في البرلمان.
لكن أحزاب المعارضة التي تعارض الانتخابات المبكرة ترى أن إردوغان مجبر على تكليف رئيس الحزب الثاني (الشعب الجمهوري) في البرلمان تأليف الحكومة، الذي قالت مصادر فيه لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب مقتنع بقدرته على تأليف الحكومة والقيام بالمهمة التي فشل فيها حزب العدالة والتنمية. وأكد المصدر أنه في حال تكليف كمال كليتشدار أوغلو تأليف الحكومة سيتوجه أولا إلى الحزب الأول لمحاولة التفاهم معه، قبل الالتفات نحو أحزاب المعارضة، معربا عن ثقته بأن المعارضة قادرة على تجاوز الخلافات (بين حزب الحركة القومية وحزب ديمقراطية الشعوب الكردي) لتأليف حكومة، في إشارة غير مباشرة إلى إمكانية تأليف حكومة من الحزبين بدعم من أصوات الحزب الكردي الثالث الذي لن يدخل الحكومة. ورأى المصدر أن رئيس الجمهورية طرفا في المعركة» متهما إياه بالسعي غلى تجنب تكليف كليتشدار أوغلو لمنع المعارضة من إلى السلطة».
وأكد المتحدث الرسمي باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض خلوق قوج أنّ على رئيس الجمهورية منح مهمّة تشكيل الحكومة الائتلافية لرئيس حزبه «تطبيقًا لما هو مُعتاد عليه في مثل هذه الحالات». وقال قوج إنّه وبحسب المادة 109 من الدستور التركي، فإنّ على رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو أنّ يُعيد مهمّة تشكيل الحكومة الائتلافية إلى رئيس الجمهورية بعد أن فشل الأخير في تشكيل الحكومة.
وبعيدا عن ضجيج التأليف، يعمل حزب العدالة والتنمية على التحضير للانتخابات المبكرة. وقالت مصادر في الحزب لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب واثق من فوزه بالانتخابات إذا جرت، مشيرًا إلى أن الكثير من المقاعد في مدينة إسطنبول وغيرها خسرها الحزب بفارق ضئيل، مما يعني أنه ببعض العمل الجاد، وسد الثغرات يمكن استعادتها.
وقالت مصادر تركية أمس إن رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو أعطى تعليمات بشأن تشكيل لجنة خاصة لتحديد الأسماء التي تتمتّع بقاعدة شعبية واسعة في المناطق الجنوبية والشرقية في البلاد، حيث الغالبية الكردية وذلك تمهيدًا لترشيحهم للانتخابات البرلمانية ومنافسة مرشحي حزب «ديمقراطية الشعوب»، الذي كان دخوله البرلمان بتخطي عتبة الحاجز النسبي السبب في فشل العدالة والتنمية في الحصول على الأكثرية المطلقة لتأليف الحكومة. وأوضحت مصادر مطّلعة من داخل الحزب أنّ قيادة العدالة والتنمية تعتزم إجراء تغييرات جذرية في قائمة مرشحيه في هذه المناطق، وذلك للحيلولة دون حدوث مفاجآت كالتي حصلت في الانتخابات البرلمانية السابقة، حيث تدنّت نسبة الحزب من أصوات الناخبين في تلك المناطق إلى ما دون المتوقع. وأوصت قيادة الحزب التشكيلات النسائية التابعة للعدالة والتنمية بمضاعفة الجهود المبذولة لإقناع الناخبات في تلك المناطق بالانضمام للتشكيلات الحزبية التابعة للعدالة والتنمية، وذلك من خلال إجراء زيارات على المنازل وشرح أهداف ومنجزات الحزب خلال الفترة السابقة.
وفي الإطار نفسه، أكد نائب رئيس الحكومة التركية أكرم إردم أن تركيا وصلت في عهد العدالة والتنمية إلى مستوى عال من التطور، وأنه ينبغي العمل جيدًا في الانتخابات القادمة للحفاظ على الإنجازات التي تم تحقيقها. وأضاف: «إن حزب العدالة والتنمية حزب قوي حتى وإن حصل على 41 في المائة من الأصوات. والآن يقولون لنا «لا تستطيعون اتخاذ قرار شن عمليات». وعندما تسألونهم عن السبب، يقولون «لم تتمكنوا من أن تحققوا صوت الثقة في البرلمان». ويقولون «أنتم حكومة مؤقتة، ولكن ستكون هناك أمور جميلة جدًا في هذه الانتخابات».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».