تعرف إلى جزر وشواطئ لم يكتشفها السياح بعد في تركيا

بينها ينابيع صافية وآثار إغريقية نادرة

تعرف إلى جزر وشواطئ لم يكتشفها السياح بعد في تركيا
TT

تعرف إلى جزر وشواطئ لم يكتشفها السياح بعد في تركيا

تعرف إلى جزر وشواطئ لم يكتشفها السياح بعد في تركيا

في الوقت الذي تزداد فيه شهرة تركيا سياحيًا في أوروبا والدول العربية، ترتفع أعداد السياح الزائرين إلى أهم مناطقها السياحية المعروفة ويعاني الزوار في مواسم الذروة من الازدحام والضوضاء. ولكن هناك مواقع بديلة لا تقل جمالاً لم يكتشفها السياح بعد في تركيا ويحتفظ بها أثرياء تركيا لأنفسهم.
بعض هذه المواقع قد تكون بعيدة بعض الشيء عن المطارات ويتعين السفر البري أحيانًا لخمس ساعات للوصول إليها، ولكنها تستحق عناء السفر لأنها توفر تجربة سياحية جديدة وخلابة سوف تظل في ذاكرة زائريها لفترات طويلة.
وتنتشر المواقع الجديدة بين الساحل الجنوبي على البحر المتوسط وبين جزر بحر إيجة وبحيرات داخلية في تركيا. وهي مواقع تجمع بين الرمال الناعمة والمياه الهادئة والاقتراب أكثر من الحياة اليومية في تركيا بعيدًا عن السياح. ولعل أجمل ما تقدمه تركيا يقع على ساحلها الجنوبي الذي يمتد من مدينة أنطاكيا شرقًا إلى داليان غربًا، وهو في مجمله ساحل مكون من جبال خضراء ووديان خصبة يحدها عن هضبة الأناضول الجافة جبال توروس التي يعلوها الجليد معظم فترات العام. وتوالت على المنطقة الكثير من الحضارات عبر التاريخ من اليونانية القديمة وحتى الحضارة الرومانية والدولة العثمانية. وتبقى في المنطقة آثار كافة هذه الحضارات السابقة.
وقد دخل العرب إلى هذه المناطق بعد فتح القسطنطينية، ولكن في العصر الحديث لا يوجد الكثير من السياح العرب في المنطقة على رغم جمال طبيعتها ودماثة حضارتها. وهي مناطق يمكن الوصول إليها عبر مطارات إقليمية مثل داليان وأنطاليا.
المنطقة هي الأجمل على الإطلاق في تركيا وتتصدر صورها أغلفة النشرات السياحية التركية. وفي السنوات الأخيرة انطلقت المنطقة إلى التوسع السياحي بعد زيادة الإقبال عليها مع تدهور السياحة العربية في مناطقها التقليدية بسبب الخوف من الإرهاب والتطرف.
الرحلة بالطائرة من الخليج تستغرق نحو ثلاث ساعات في المتوسط. ومن مطار داليان يتم منح التأشيرات روتينيًا عبر لصق طابع بريدي على جوازات السفر الأجنبية برسوم تعادل 15 دولارًا للزائر الواحد. ومن المطار يمكن للسائح أن يستقل سيارة أجرة أو سيارة خاصة مستأجرة إلى وجهته السياحية.
هذه المواقع الجديدة تمثل فيما بينها وجهات جديدة يمكن للسائح العربي أن يضعها في الاعتبار عند تخطيط رحلته التالية إلى تركيا، وهي تمثل تجارب سياحية جديدة بعيدة عن الزحام.
* بوزبورون bozburun: وهي شبه جزيرة هادئة تقع على الساحل التركي الجنوبي وتتكون من عدة قرى تعمل بصيد الأسماك وبناء الزوارق التي تستخدم في السفر وفي صيد الإسفنج في السواحل المحيطة بشبه الجزيرة. وهي توفر مناخًا هادئًا للسياح بعيدًا عن المشهد السياحي في بودروم. وتوجد في المنطقة مارينا صغيرة يمكنها أن تستقبل اليخوت الصغيرة. ويحتاج السائح المغامر إلى سيارة من أجل استكشاف المنطقة التي تشمل الأنهار والشلالات المائية ومقاهي الشاي التركية. وتنتشر في المنطقة متاجر بيع العسل الذي يحمل نكهة الزعتر. وفي أطراف شبه الجزيرة على مقربة ساعتين ونصف الساعة بالسيارة توجد آثار مدينة تاريخية بالقرب من منطقة كنيدوس. وهناك القليل من الشواطئ الرملية على هذا الساحل الصخري ولكن يمكن تأجير الزوارق أو القيام برحلة بحرية إلى الشواطئ الرملية القريبة. ويمكن الوصول إلى المنطقة بالطيران إلى مطار دالمان القريب.
* أكياكا akyaka: وهو منتجع معروف للأتراك ويقع على خليج غوكوفا على الساحل الجنوبي، وهو يشتهر بالينابيع الصافية والشواطئ الرملية والعمارة على الطراز العثماني. ويتمتع الزوار بوجبات تركية أصيلة تقدمها المطاعم الصغيرة في المنطقة التي توفر وصفات متوارثة للأكل التركي مطبوخة منزليًا. ويكتشف السائح أن معظم زوار المنطقة هم من الأتراك أنفسهم مع عدد قليل من السياح الأجانب. ومن هذا الموقع يمكن القيام برحلات بحرية يومية إلى جزيرة سدير التاريخية التي يوجد بها مسرح سدير الروماني وشاطئ كليوباترا، الذي يقال إن كليوباترا كانت تزروه كوجهة مفضلة لديها. وهناك رحلات دورية بالباص إلى بلدة موغلا، حيث تعقد فيها سوق المنتجات المحلية كل يوم خميس. وتنتشر في المنطقة مطاعم السمك الطازج وبعضها يطل على جداول الأنهار مباشرة. ومن الفنادق المشهورة في المنطقة فندق ياسيلان الذي يطل على البحر بشاطئ خاص. وتبدأ الأسعار في الفنادق المحلية من نحو مائة دولار في الليلة الواحدة لغرفة مزدوجة. وأقرب مطار إلى المنطقة هو مطار بودروم.
* بحيرة بافا bafa: وهي منطقة أثرية تقع في جنوب غربي تركيا ويعيش أهلها وسط الآثار الإغريقية القديمة. ويمكن للسائح الزائر أن يعيش التجربة نفسها في بلدة كابيكيري. وخارج البلدة تنتشر سلسة جبال أثرية بها الكثير من الآثار والمغارات التي يحتوي بعضها على رسوم من العصور القديمة. ويذهب إلى المنطقة الكثير من هواة المشي في الممرات الجبلية ولكن مثل هذه الرحلات يجب ألا تجري صيفًا، حيث ترتفع درجات الحرارة بشدة. ومن الأفضل الاستعانة بدليل سياحي لتفقد المنطقة. ويمكن أيضًا استكشاف المنطقة بالسيارة للمرور بالكثير من المواقع والقرى المحيطة، حيث تعقد الأسواق الدورية لبيع المنتجات المحلية. وتضم شواطئ البحيرة أفضل مناطق السباحة، خصوصًا شاطئ إيكيزادا الذي يمكن الوصول إليه عبر رحلة بحرية مدتها 20 دقيقة. وهي أيضًا منطقة تشتهر بالأسماك الطازجة التي تقدم في الكثير من المطاعم المحلية. وهناك مطاعم مفتوحة طوال اليوم مثل مطعم كايا الذي يقع في حدائق تطل على البحيرة. وهناك الكثير من الفنادق المشيدة بطرق تقليدية على شكل كبائن يمكن للسياح الإقامة فيها بأسعار تبدأ من ألف دولار في الأسبوع. وأقرب مطار إلى بحيرة بافا هو مطار بودروم.
* بوزكادا bozcaada: وهي جزيرة تركية تقع في بحر إيجة ويتعين الوصول إليها بعبارة من الشاطئ التركي في رحلة بحرية مدتها 35 دقيقة. ولا يزيد طول الجزيرة على سبعة أميال وبها ميناء صغير ويشعر الزائر إليها أنها تنتمي أكثر إلى الحضارة الإغريقية وليس إلى التاريخ العثماني. وهي وجهة سياحية مفضلة لأهالي إسطنبول من الأتراك، ولكنها بدأت في السنوات الأخيرة تجتذب أيضًا سياحًا أجانب، ولذلك بدأت محلات الهدايا السياحية تظهر تدريجيًا في الجزيرة. والدراجات الهوائية هي الوسيلة المفضلة لاستكشاف أبعاد الجزيرة ويمكن استئجارها بتكلفة 15 دولارًا في اليوم الواحد. وتنتشر في الجزيرة مزارع الكروم ويحيطها شواطئ رملية. ويمكن للسياح زيارة متحف الجزيرة للاطلاع على تاريخها الحافل منذ حرب طواردة وإلى حملة الإنجليز الفاشلة على غاليبولي. ومن وسط المدينة يمكن الذهاب إلى أفضل شاطئ فيها، واسمه أيازما بواسطة باصات أهلية. وهناك يمكن استئجار الشماسي والجلوس في المقاهي. كما تنتشر الفنادق والمنازل المعدة للإيجار السياحي بالليلة لهؤلاء الذين يزورون الجزيرة سواء في إقامات قصيرة أو عطلات طويلة. ويمكن تفسير عدم الإقبال السياحي الأجنبي على الجزيرة بعدم وجود مطارات قريبة. وأقرب مطار إلى المنطقة هو مطار أزمير ويتعين بعده الذهاب في رحلة برية بالسيارة إلى شاطئ تركيا الغربي في رحلة تستمر خمس ساعات ثم ترك السيارة والذهاب في رحلة بحرية إلى الجزيرة. ولكن هؤلاء الذين قاموا بهذه المغامرة الشاقة أكدوا أن الجزيرة تستحق هذا العناء.
من المزايا السياحية التي تقتصر على تركيا تقديم الحمامات التركية للسياح، وهي مفتوحة يوميًا للرجال والسيدات. ويمكن إضافة الساونا وحمامات البخار إليها. ومع تقدم خدمات الفنادق والمواصلات في تركيا يعود إليها السياح عامًا بعد عام.
الهدايا التي يمكن للسياح شراؤها من تركيا تشمل الزعفران الذي يباع في أكياس ثمن كل منها خمسة ريالات تركية (أي نحو دولارين)، بينما هو يباع بعشرة أضعاف هذا السعر في الدول الأخرى. وتنتشر الحلويات التركية وأهمها الملبن وأنواع المكسرات. ويمكن شراء الحلي الرخيصة والحقائب الجلدية ولعب الأطفال والملابس والأحذية التي تصلح للاستخدام خلال فترة العطلة. كما تشتهر المنطقة بالفواكه الطازجة وفقًا للموسم وينتشر بها صيفًا موسم الرمان الذي يمكن تناوله كشراب طازج، حيث يتم عصره مثل البرتقال.
وأخيرًا، يمكن القول إن الإقبال السياحي المتزايد على تركيا يعتمد على نوعية ضيافة عالية وترحيب صادق بالسياح، وخصوصًا العرب والمسلمين منهم. ويتحدث الأتراك بعفوية عن حياتهم الخاصة، ولكن بلا قصص تسول يمكن أن يسمعها السائح في بعض دول العالم الثالث. وهم يخدمون السياح بجهد واضح ويحاولون تقديم أفضل ما لديهم رغم الإمكانيات المحدودة في بعض الفنادق.
الجانب السلبي الوحيد في بعض الرحلات السياحية التركية المرور الإجباري على مصانع السجاد ومحاولة إقناع السياح بشراء سجاد تركي وشحنه إلى بلد السائح. وفيما لا يعير السائح العربي لهذا الجانب أي أهمية إذا لم يرغب في شراء السجاد التركي إلا أن بعض الأوروبيين يشعرون بالإحراج لعدم رغبتهم أصلاً في زيارة مصانع سجاد.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».