بينما دخل الحراك الشعبي العراقي أسبوعه الرابع من خلال المظاهرات الجماهيرية في بغداد وعدد من المحافظات، دخلت حزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وتبعها أمس بالغاء 11 منصبا وزاريا، أسبوعها الثاني دون نتيجة ملموسة.
المظاهرات التي تحظى بدعم كامل من مرجعية النجف ممثلة بآية الله علي السيستاني بدأت محاولات تفكيكها بطرق وأساليب مختلفة تجمع بين الترغيب والترهيب، بينما يحاول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إدامة زخمها من خلال دعوته مؤخرا إلى مظاهرات مليونية لحث العبادي على اتخاذ خطوات أكثر جدية في الارتفاع إلى مستوى ما بات يحظى به من تأييد جماهيري غير مسبوق.
وفي هذا السياق أبلغ أحد منسقي المظاهرات «الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، أن «من أساليب الترغيب محاولة أطراف سياسية تقيم في عمان حرف مسار المظاهرات باتجاه معين لكي تكون مخصصة ضد جهة بعينها، بل ووزارات بعينها حيث تمت المساومة على دفع مبالغ ضخمة بمئات آلاف الدولارات كدفعة أولى، وهو ما تم رفضه من قبل الجهات التي تقف وراء المظاهرات لا سيما المدنية منها». وأضاف الناشط السياسي أن «من بين أساليب الترهيب محاولات جهات دينية معروفة خطف الساحة من خلال السيطرة على المنصة».
وكان العبادي الذي أصدر الأسبوع الماضي أوامر «فورية» بإلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء أعلن إن الكتل السياسية أضافت فقرة إلى حزمة إصلاحاته، وهي عدم مخالفتها للدستور، وهو ما يعني عملية إفراغ منظم لها بينما تفيد كل المؤشرات، وطبقا للناشط السياسي، بأن «لصبر المتظاهرين حدودا، إذ إنهم يراقبون المشهد الآن وبالتالي فإنه في حال لم يطبق العبادي إجراءاته على أرض الواقع أو على الأقل جزء كبير منها فإن سقف المطالب سيرتفع، وقد يكون العبادي نفسه أحد المستهدفين في حال لم يخرج من عنق زجاجة الحزبية والفئوية التي لا يزال رغم الدعم الجماهيري يتخندق بها».
من جهته، اتهم المتحدث الرسمي باسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء سعد الحديثي ما سماه «مافيات الفساد» بالسعي لعرقلة الإصلاحات. وقال الحديثي في تصريح أمس إن «رئيس مجلس الوزراء أكد في أكثر من مناسبة وجود مافيات للفساد ليس من مصلحتها المضي قدمًا بالإصلاحات، ومحاربة الفساد ووضع معايير علمية وقانونية لإدارة منظومة الدولة»، متوقعًا أن «تسعى الجهات المستفيدة التي تحرص على بقاء الأوضاع على حالها، إلى عرقلة الإصلاحات ووضع العصي في طريقها». ورأى الحديثي أن «الظروف ورؤية رئيس مجلس الوزراء هما من يحددان الوقت المناسب للكشف عن تلك الجهات»، رغم أن «رئيس الحكومة أكد مرارًا أن الإصلاحات لا تستهدف جهة معينة، بل محاربة الفاسدين والمفسدين».
من جهته، أكد نائب السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «علينا أن نكون واقعيين وبالتالي لا بد أن نعرف أن هناك جهات وقوى مهمة ستفقد عن طريق الإصلاح الحقيقي مواقعها، بل وحتى مستقبلها السياسي، وبالتالي فإن السؤال الذي يجب أن تطرحه كل القوى المؤيدة لعملية الإصلاح ليس (كم الوقت الذي يمكن أن يستغرقه هذا الإصلاح؟)، بل كيفية مواجهة حجم التحديات التي تواجهه». ودعا فهمي «كل هذه القوى الراغبة في التغيير سواء من تلك التي أفرزها الحراك الجماهيري الآن أو من القوى التقليدية وبعضها جزء من السلطة لكنها مؤمنة بعملية التغيير إلى أن يكون هناك اصطفاف جديد بينها لكي تكون هناك قاعدة حقيقية للإصلاح»، مشيرا إلى أنه «لا يجوز من جانب آخر تحميل المظاهرات أهدافا أكثر من طاقتها دون بلورة صيغ عمل حقيقية لكي يبقى الهدف الحقيقي للإصلاح محاربة الفساد الذي هو آفة كل شيء في العراق اليوم».
في السياق نفسه، دعت كتلة المواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى مغادرة ما سمته النهايات المفتوحة في تنفيذ مطالب المتظاهرين. وقال القيادي في ائتلاف المواطن صلاح العرباوي لـ«الشرق الأوسط» إن «المطالب التي عبر عنها المتظاهرون حق مشروع وقد بدأت الحكومة خطوات من أجل تنفيذ هذه المطالب وتحقيق الإصلاح الإداري والسياسي، لكن حتى هذه اللحظة لم تدخل هذه المطالب حيز التنفيذ ونتمنى من السلطة التشريعية والتنفيذية مغادرة مبدأ النهايات المفتوحة، وأن لا تكون المطالب شأنها كشأن بقية اللجان التي ابتدأت التحقيق لكنها دون نتائج إلى الآن». وأضاف أن «المطلوب الآن الإسراع وعدم التمسك بعوائق وعراقيل تجاوزتها إرادة الجماهير، وهو ما يتوجب على الحكومة والبرلمان الالتفات إليه وبأقصى سرعة لأن كون الإصلاحات جيدة بحد ذاتها لكن دون تنفيذ يمكن أن يؤدي إلى إفراغها من محتواها».
على الصعيد نفسه أكد الناشط المدني صادق العباسي لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك عوائق كبيرة وكثيرة تحول دون تطبيق أغلب الإجراءات الإصلاحية، ولو أخذنا على سبيل المثال تغيير النواب الثلاثة لكل من رئيسي الوزراء والجمهورية فهذا التغيير يتعارض مع الدستور حتى وإن صوت عليه مجلس النواب وتمت المصادقة عليه من قبل رئيس الجمهورية فسوف يصطدم بالمحكمة الاتحادية، إذ إن هناك كتلا تعارض إجراء إقالة النواب لهذا السبب أو ذاك». وأضاف أن «الإصلاحات الأخرى لا تزال حبرا على ورق ولم نلمس أي واقعية في تطبيقها لغاية الآن، وهذه الإجراءات تحتاج إلى وقت طويل لتنفيذها، وهذا الأمر سيؤدي إلى مضاعفة المطالب الجماهيرية، وهذا يعني مزيدا من المطالب ومزيدا من الغضب الجماهيري، ونعتقد أن الوضع يمكن أن يكون غير مسيطر عليه ويؤدي إلى انفلات قد يصل إلى الإطاحة بحكومة العبادي».
وبشأن مصير النواب الستة لرئيسي الجمهورية والوزراء فإنه وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر مسؤول فإن «نوري المالكي لا يزال يمارس عمله في مقره بالقصر الجمهوري الذي رفض تسليمه للحكومة الجديدة حتى لحظة مغادرته إلى إيران، بينما إياد علاوي يمارس منذ نحو خمسة شهور مهامه في مقر حركة الوفاق بشارع الزيتون في الحارثية لا في المقر الحكومي بالمنطقة الخضراء، في حين أن أسامة النجيفي وصالح المطلك (نائب رئيس الوزراء) ما عادا يستخدمان لقبيهما الرسميين مكتفيين باللقب الحزبي، بينما بهاء الأعرجي استقال من منصبه كنائب لرئيس الوزراء ويخضع للتحقيق أمام القضاء. أما النائب الكردي لرئيس الوزراء روز نوري شاويس فلم يصدر عنه أي رد فعل سلبي أو إيجابي حتى اللحظة».
حيتان الفساد تلوذ بالدستور لعرقلة حزمة الإصلاحات وسط إحباط من تردد العبادي
جهات سياسية تحاول تفكيك المظاهرات بأسلوبي الترغيب والترهيب
حيتان الفساد تلوذ بالدستور لعرقلة حزمة الإصلاحات وسط إحباط من تردد العبادي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة