«ليلة الهُدهد».. وانتهاك قدسية الفكرة المستحيلة

رواية تحاكم تاريخ اليسار العراقي على امتداد 675 صفحة

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

«ليلة الهُدهد».. وانتهاك قدسية الفكرة المستحيلة

غلاف الرواية
غلاف الرواية

صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت رواية «ليلة الهُدهد» للقاص والروائي العراقي إبراهيم أحمد المقيم في السويد حاليا. تقع أحداث الرواية في 675 صفحة وقد اندرجت في خمسة أبواب وهي «باب العُزلة، باب النهوض، باب الهجرات، باب المحكمة وباب الغياب» كما اشتملت هذه الأبواب الخمسة على 127 فصلاً انطوت جميعها على أنساق سردية سلسة تُحفِّز القارئ على مواصلة القراءة من دون أن يعتوره الملل رغم مأساوية الأحداث وفجائعيتها على مدار هذا النص الروائي الطويل.
وبُغية تحليل هذه الرواية المُستفِزة لا بد من الإمساك بالثيمة الرئيسة وما يتشعب عنها من ثيمات فرعية ساهمت في تعميق الكثير من البنى السياسية والاجتماعية والفكرية، بل إن المتبحِّر في قراءة هذا الرواية لا يجد صعوبة تُذكَر في التعرّف على المناحي الفلسفية التي تقدِّم قراءة نفسية عميقة للشخصية العراقية التي تُوصف غالبًا بالتعقيد والازدواجية المرَضية في أقل تقدير.
تتمحور الثيمة الرئيسة على محاكمة شهداء الحزب الشيوعي العراقي لقادتهم ومفكِّريهم على الأخطاء الفادحة التي ارتكبوها منذ تأسيس الحزب عام 1934 حتى الوقت الراهن. لم تقتصر المحاكمة على أبرز الوقائع والأحداث التي تعرض لها أفراد الحزب الشيوعي العراقي وإنما تعدّاها إلى محاكمة جوهر «الفكرة» نفسها، وهي فكرة «مُستورَدة» كما طالت الاتهامات والتشكيكات حامل هذه الفكرة وناقلها من موسكو إلى العراق. وهل هي فكرة أصيلة ومفيدة للعراق، أم أنها فكرة جاهزة ومتحجرة لم تنجح في تقديم أي شيء للعراقيين على مدى أكثر من ثمانية عقود تقريبا؟
وتحتشد الرواية بعدد كبير من الشخصيات العراقية والعربية والأجنبية وقد توارى بعض هذه الشخصيات وراء أسماء مُستعارة يعرفها القارئ العراقي المتابع من كثب لعل أبرزها يونس رحيم الذي يُحيل إلى ثابت حبيب العاني، الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، من جهة وإلى شذرات كثيرة من أفكار كاتب النص إبراهيم أحمد وتجلياته الذهنية التي ضخّها بطريقة أو بأخرى في الفضاء المخصص لبطل الرواية وشخصيتها الرئيسية بلا منازع وهي شخصية العجوز الشيوعي يونس رحيم الذي وجد نفسه معزولاً ومُراقَبًا من قِبل أفراد حزبه وهو يقضي حياته المملة في بيت بسيط من بيوت القلعة القديمة التي بناها الآشوريون قبل خمسة آلاف سنة من هذا التاريخ، كما يُحيل أمين الجوّال إلى شخصية «حسين الرحّال» الذي نشر الفكر الماركسي في العراق بواسطة خلية حزبية كانت تجتمع سرًّا في جامع الحيدرخانة. وهناك شخصية جلال العطار التي تُحيلنا إلى «ذو النون أيوب» ودوره الكبير في مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية.
ليس من الصعب على القارئ العراقي أن يعرف مَنْ هو «كمتار بيس» أو «حمه سور» وغيرهما من شخصيات الرواية التي اختبأت وراء أسماء مستعارة سوف تتساقط أحرفها تباعًا كي تُعلنَ في خاتمة المطاف عن أسمائها الصريحة وما فعلته هذه الشخصيات بحق الحزب الشيوعي العراقي أولاً، وبحق الضحايا الشيوعيين الذين قرروا محاكمة قادتهم بدءًا من فهد «يوسف سلمان يوسف» وانتهاء بآخر الهاربين من وجه العدالة الذين لم يمثلوا أمام المحكمة التي عقدها الضحايا في مقبرة تقع عند مشارف مدينة أربيل.
تجمع الرواية بين تقنيات السرد الواقعي من جهة والفنتازي من جهة أخرى. فبعد عزل الرفيق يونس رحيم ومحاصرته لعشر سنوات طوالا يتلقى دعوة لحضور حفل افتتاح مقبرة الشهداء الشيوعيين حيث يرى السكرتير راضي سعيد، ومحمد البيرماني، والشاعر هاني الديواني وسواهم من رفاق الدرب والعقيدة. ولكي يُقنع الكاتب متلقيه بإمكانية إقامة المحكمة في مقبرة فلاغرابة أن يستعين بالخبر الذي يقول: «إن أجهزة الرصد الزلزالي قد سجّلت هزّة خفيفة في المقبرة وفتحت كوّة صغيرة إلى أعماق الأرض» (ص113) وأكثر من ذلك فإنه يستدعي عشتار إلى العالم السفلي، ويستحضر شهرزاد من «الليالي العربية» كي تكون شاهدة على هذه المحاكمة الفنتازية التي يُحاكَم فيها شهداء الحزب على ما اقترفوه من أخطاء جمّة، وما سببوه من كوارث عظيمة بحق أعضاء الحزب الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل الفكرة المستحيلة، الخاطئة، والتابعة للأجنبي.
يتداخل صوت المؤلف بصوت الراوي العليم يونس رحيم، بل يتماهى به كليًا إلى الدرجة التي لا نستطيع فيها أن نميّز بين الصوتين فكلاهما يريد محاكمة القيادات السابقة التي تعاقبت على قيادة الحزب وجرّت الكثير من أبناء شعبنا إلى هذه المتاهة المُحيّرة. يذهب البعض أبعد من ذلك حينما يعتقد أن فهد «قد ورّط الناس البسطاء بفكرة لم يتوثق من صحتها» لأنها «ما تزال غامضة، بل فجة وملتبسة لا تملك سوى قوة الجهل بها».
لم يسْلم فهد، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934، من التهم الكبيرة التي تساقطت على رأسه مثل أحجار كبيرة فقد اعتبرته المحكمة «رسولاً لستالين وليس مبدعًا لفكرة مستقلة ناضجة» وأكثر من ذلك فإن البعض وعلى رأسهم يونس رحيم يعتبر هذه الفكرة غير ملائمة للعراق والعراقيين على حدّ سواء. ورغم أن الكثير من الشيوعيين يرون في «مؤسس الحزب قدّيسًا لا يجوز المساس باسمه أو ذكراه» فإن يونس يعتقد بعدم قداسة الفكرة، خصوصًا إذا كانت مُستوردة، وعدم ألوهية القائد حتى وإن قُطّعت أطرافه المناشير الكهربائية. ويعتقد يونس أيضًا أن فهد قد وضع الشيوعيين العراقيين في سفينة مثقوبة تمخر بحرها الهائج من دون بوصلة.
لا يمكن الوقوف عند كل الانتقادات القاسية والاتهامات الجارحة التي وُجهت تحديدًا للفكرة التي جلبها فهد من موسكو لكن الخلاصة التي يريدها كاتب النص مفادها أن «الشيوعية فكرة خيالية طوباوية مستحيلة» لا يمكن تطبيقها في بيئة غريبة عليها تمامًا وهي تشبه إلى حدٍ كبير استقدام شجرة من أشجار سيبيريا وزرعها في بيئة عراقية شديدة الحرارة.
تكتظ الرواية بالكثير من الشخصيات الثقافية والسياسية والاجتماعية المعروفة التي أثقلت كاهل النص وكان بالإمكان اختصارها أو تضييق المساحة المتاحة لها في الأقل خصوصا أن تاريخ هذه الشخصيات أو سيرها الذاتية معروفة للجميع أمثال عبد المحسن السعدون، فهد، الجواهري، أحمد الصافي النجفي، الزهاوي، الرصافي وغيرهم من الأسماء الذائعة الصيت التي ترسخت في الذاكرة الجمعية للقراء العراقيين والعرب على حد سواء.
إن الحكايات أو السير الذاتية التي تخللت النص قد أمدّته بعنصر التنوع وأثرتهُ بالكثير من الأفكار الجريئة خصوصًا مساجلات الجواهري مع أعدائه وخصومه والمناوشات المعروفة بين الرصافي والزهاوي وغيرها من القصص التي تخللت متن النص وكشفت عن عوالم مستورة كانت في طي الأسرار مثل قصة «حميد» الذي اغتصب «سنانًا» وقصة «كمتار بيس» الذي اغتصب الحزب كله ومع ذلك فقد ظل حُرًا، طليقًا حتى يومنا هذا.
يسلط إبراهيم أحمد الضوء على قضايا كثيرة مثل الدور السلبي للإقطاعيين ورجال الدين في صنع الخرافات وتأبيدها بغية السيطرة على عقول الناس البسطاء والتفكير بالنيابة عنهم، ومصادرة أتعابهم وجهودهم المبذولة على مدار السنة.
ربما يكون السؤال الجوهري في هذه الرواية هو: ما السبب وراء خراب العراق ودماره؟ أهي الأحزاب العراقية التي ظلت تتخبط خبط عشواء منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الوقت الحاضر، أم هي الاحتلالات المتلاحقة للعراق لعل آخرها الاحتلال الأميركي - الإيراني بقناعهِ المزدوج القبيح؟



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».