سرد في حقل الألغام والمخابرات

«أيام كارلوس في الخرطوم» لعادل الباز

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

سرد في حقل الألغام والمخابرات

غلاف الرواية
غلاف الرواية

تعيد رواية «أيام كارلوس في الخرطوم» لكاتبها الصحافي السوداني عادل الباز إحياء سيرة الرجل الذي يُصنف في نظر البعض بـ«الإرهابي الخطير»، وفي نظر آخرين بـ«المناضل الثوري»، مسلطة الأضواء على أيام الفنزويلي لنتش راميريز سانشيز الشهير بـ«كارلوس» في الخرطوم، ثم القبض عليه وتخديره ونقله جوًا لفرنسا ليسجن ويحكم عليه بالمؤبد هناك. هذه الرواية - التحقيق الصحافي تعيد تذكيرنا بالرجل بعد أن كاد يطويه النسيان.
لقد خرج كارلوس من العاصمة الأردنية عمان يحمل اسم عبد الله بركات، ودخل الخرطوم باسم سالم حميد دون أن يبدل طائرته في أي ترانزيت بين العاصمتين، مضللا مخابرات ست دول كانت تراقبه قبيل مغادرته، وربما لعبت مهارته في التخفي في تضليل أعتى أجهزة المخابرات. وعاش كارلوس في الخرطوم باعتباره مستثمرًا لبنانيًا باسم بديع ياسين الحاج، متغلغلا في كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية من دون أن يعرف أحد شخصيته الحقيقية.
ورغم أن عظم «أيام كارلوس في الخرطوم» حقيقي، ومعظم شخوصها حقيقيون وأحياء، وحتى أولئك الذين حملوا أسماء كودية، تكاد شخصياتهم تقول: «خذوني». ولكن السرد المتماسك، ورسم الشخوص، ودرامية القص يجعل منها أقرب لرواية «بوليسية حديثة».
تبدأ هذه الرواية الصادرة عن دار «العين للنشر» وهي أولى كتابات الباز الروائية، من وصول كارلوس إلى الخرطوم، وبقائه فيها ومحاولات نظام الحكم في الخرطوم توظيفه في خدمة أجنداته العالمية، إلى أن يتم تسليمه للمخابرات الفرنسية مخدرًا.
ثم تيبن لنا كيف عاش كارلوس حياته في الخرطوم بـ«العرض والطول»، فقد عشق جميلاتها، ورقص في مراقصها، وصادق شخصياتها، لكن ربما سوء الطالع وحده والمصادفة – أو هذا ما حاولت الرواية قوله – أو على الأرجح أن الإسلاميين الحاكمين في الخرطوم استدرجوه ليصنعوا منه «طبخة استخبارية» شهية، تفك عنهم بعض الحصار الغربي المضروب عليهم، أو ربما الأمر كله «محض تخييل». لكن الرواية لا تكتفي بالتشويق وسرد الأحداث، بل تكشف تناقضات البطل الرئيسي والشخصيات الأخرى ومناطق ضعفها ومشاعرها وتقلباتها. ومن خلال ذلك، تكشف عن الواقع السياسي السوداني في تسعينات القرن الماضي بتناقضاته وصراعاته وتضارب مصالحه، وتعري قلقه الداخلي إزاء الخارج.
لا تهتم «أيام كارلوس في الخرطوم» فقط بظاهر الحدث وصراع أجهزة المخابرات ومهارة «ابن آوى» في التخفي، بل تكشف عن روح روائية تهتم بعوالم شخصياتها الداخلية، ولا تتيح للحدث فيها أن يطغى على كل المساحة مثل قسم من الأعمال الروائية البوليسية.
وعلى عكس هذا الروايات، فشخصية البطل والأبطال الثانويين في الرواية مرسومة من الخارج والداخل، وبسرد تنمو وتتطور فيه الشخصيات تبعًا لمتغيرات المحيط، وبسبب ذلك، فإن التخييل في الرواية يغلب على «التحقيق الصحافي» الذي هو في الأصل سداة الرواية ولحمتها، على الرغم من ورود أسماء سياسية من الوزن الثقيل مثل الترابي، نافع علي نافع، حسب الله عمر، وغيرهم في نسيج الرواية، بالإضافة لجهد قليل بذله المؤلف لتمويه بعض الشخصيات، مثل شخصية الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش.
مزجت الراوية بين الحس الصحافي والحس البوليسي، وكلاهما له اقتراباته وابتعاداته من الآخر، لكن الباز استطاع مزج الوقائع وتخييلها بشكل مقنع، فرسمت صورة حقيقية أحيانا ومكبرة أحيانا أخرى، منعكسة في مرآة الواقع السياسي والأمني السوداني في ذلك الوقت.
لكن، ما الذي تريد أن تقوله «أيام كارلوس في الخرطوم»؟ لا يبدو الأمر واضحًا من اللحظة الأولى، فعند مقارنتها بـ«كنت جاسوسًا في إسرائيل - رأفت الهجان» التي كانت واضحة الهدف تعكس دور المخابرات المصرية ومهارتها، نجدنا حائرين إزاء «أيام كارلوس في الخرطوم». هل أردت الرواية - التحقيق أن تقول إن المخابرات السودانية أفلحت في القبض على كارلوس في الوقت الذي فشلت فيه مخابرات دول كبيرة؟ هل كانت المخابرات السودانية تبحث عن انتصار بتسليم كارلوس الثوري والإرهابي؟ وهل انتصرت الخرطوم أم أنها وقعت في فخ «التخابر الدولي»، وسلمت الرجل لطالبيه مخدرًا ومقيدًا، ليقبع في سجن فرنسي محكومًا بالسجن المؤبد، دون أن تقبض أي ثمن، ودون أن تحقق أي كسب من العملية الاستخبارية المعقدة التي رصدتها الرواية و«خيّلتها»؟ وهل هذا انتصار في حد ذاته، وهل يعد عملاً استخباريًا متقنًا، أم أن فخًا نصب للرجل فأوقع به، بما يفصح عن «لا مبدئية» حكم الإسلاميين في السودان وتضحيته بـ«حليف محتمل» بتلك الطريقة؟ وبإيراد الكاتب أسماء سياسية من الوزن الثقيل، مثل الترابي، نافع علي نافع، حسب الله عمر، وغيرهم، في نسيج الرواية، بالإضافة لجهد قليل بذله المؤلف لتمويه بعض الشخصيات، مثل شخصية الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات.. فما الذي أراد الروائي - الصحافي الإيحاء به؟
مع ذلك، فإن «أيام كارلوس في الخرطوم» هي دفق لأحداث تلك المرحلة الزمانية، التي لا أحد يستطيع أن يحدد مدى تطابق الوقائع بالخيال، والخاص بالعام.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.