دخلت الحكومة المصرية في أبرز اختبار لصلابتها في مواجهة احتجاجات اجتماعية ضد قانون يقول المسؤولون إن هدفه «إصلاح الجهاز الإداري للدولة»، لكن معارضي القانون يصفونه بـ«الجائر»، ويعدونه محاولة لـ«تكريس الفساد»، ويطالبون بإيقاف العمل به فورا.
وبينما حذر وزير العمل السابق من مخاطر إصرار الحكومة على تطبيق القانون، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه يهدد الوظيفة العامة، ويضر بمصالح قطاع واسع من المصريين، لوحت رئيسة نقابة العاملين بالضرائب، بتنظيم مليونية لموظفي الدولة، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «القانون يكرس للفساد.. وسيسقط بالضغط الشعبي»، فيما أكد المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء أن الحكومة عازمة على تطبيق القانون، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلات الناجمة عنه يمكن تفاديها من خلال اللائحة التنفيذية».
وتظاهر نحو 10 آلاف موظف في وسط القاهرة، أول من أمس، رفضا لقانون «الخدمة المدنية» المثير للجدل، في واحدة من الاحتجاجات الاجتماعية النادرة منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، قبل ما يزيد على العامين.
وقالت رئيسة نقابة العاملين بضرائب المبيعات، التي تقود حركة الاحتجاجات لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «الحكومة تحاول أن يبدو الأمر كما لو أن موظفي الضرائب والجمارك فقط هم من يحتجون على القانون.. هذا ليس صحيحا نحن ننسق مع 27 جهة حكومية، وحضر مندوبون عن تلك الجهات في وقفتنا الاحتجاجية».
وفي أول رد فعل رسمي على الاحتجاجات، قال رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، إن «الحكومة مصممة على خطة الإصلاح الإداري، وعلى رأسها تطبيق قانون الخدمة المدنية الذي يعد أهم محاور خطة الإصلاح».
ورغم النبرة الحاسمة في تصريحات رئيس الحكومة، قال حسام القاويش المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء لـ«الشرق الأوسط» أمس «إن القانون سيطبق.. لكن إذا ما ظهرت إشكاليات لدى تطبيقه يمكن تفاديها من خلال اللائحة التنفيذية».
وصدر قانون الخدمة المدنية في مارس (آذار) الماضي، ولم تصدر بعد لائحته التنفيذية. وقال القاويش إن «اللائحة سوف تصدر خلال أيام».
ويشير آخر إحصاء رسمي لجهاز التنظيم والإدارة إلى أن عدد الوظائف المشغولة في جهاز الدولة بالكامل هو 5.5 مليون وظيفة.
وقال وزير التخطيط أشرف سليمان، إن القانون يهدف إلى «علاج كافة التشوهات في نظام الأجور في مصر»، مشيرا إلى أنه «يحد من التفاوتات الكبيرة التي كانت موجودة بين الجهات والوزارات المختلفة».
لكن معارضي القانون يقولون إن الحكومة تعمل على تقليص عدد العاملين في جهاز الدولة، والحد من نصيب الأجور إلى إجمالي النفقات العامة، من دون النظر إلى المخاطر الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن القانون.
وتعاني مصر عجزا في موازنتها العامة. ويبلغ العجز الكلى المقدر في موازنة العام المالي الجاري 251 مليار جنيه (نحو 33 مليار دولار)، أو ما يعادل 8.9 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي.
وقال رئيس الحكومة إن الموازنة العامة الجديدة تتصدى لظاهرة تفاقم أجور العاملين بالدولة، والتي ارتفعت من نحو 85 مليار جنيه في عام 2009-2010 إلى نحو 218 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، أي بزيادة 155 في المائة، مشيرا إلى أنه سيتم تثبيت المكافآت والبدلات لجميع العاملين بالدولة بلا استثناء كأحد الإصلاحات الهيكلية والمالية الضرورية لتحقيق الاستقرار المالي.
وتخاطر الحكومة بمواجهة احتجاجات ملايين المصريين المتضررين من الإجراءات التقشفية في بلد يرزح 40 في المائة من مواطنيه تحت خط الفقر، ويعاني من آثار التضخم. وقالت فؤاد إن «أثر القانون ظهر بالفعل حتى قبل صدور اللائحة التنفيذية.. فالعلاوة تقلصت من 250 جنيها إلى 40 جنيها.. ثم إن القانون يبقي مرتب الموظف على حاله حتى سن التقاعد من دون وجود سيطرة حكومية على ارتفاع الأسعار».
وحذر وزير العمل السابق، كمال أبوعيطة، من مخاطر تطبيق القانون، ووصفه بـ«الفاسد». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما رأيناه (في إشارة للمظاهرات الاحتجاجية) قمة جبل الجليد فقط، هذا القانون يعارض مصالح موظفي الدولة جميعهم.. انتظر فقط حتى يقف هؤلاء أمام الصراف لتقاضي رواتهم».
وخاض النقابي البارز أبوعيطة قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 أحد أشهر احتجاجات موظفي الدولة (إضراب موظفي الضرائب العقارية)، وأرغم حكومة أحمد نظيف على التراجع عن قرارها.
وقال أبوعيطة إن «قانون الخدمة المدنية سبق لرجال مبارك (الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة 25 يناير) أن سعوا إلى تمريره في دورة البرلمان عام 2007، والآن هناك من يرغب في أن يعيدنا إلى الماضي بتمرير القانون».
وأضاف أبوعيطة أن قانون الخدمة المدنية خضع قبل تطبيقه لاستدراك نشر في الجريدة الرسمية، هذا الاستدراك عدل مواد مثيرة للجدل في القانون وهو ما يعد سلبا لسلطة المشرع ويعرض القانون لشبهة عدم الدستورية.
والاستدراك هو عمل روتيني تقوم به السلطات المختصة لتصحيح خطأ لغوي أو ما شابه في القوانين. ويلزم نشر القوانين في الجريدة الرسمية (الوقائع المصرية) قبل العمل بها.
وتابع الوزير السابق: «ما حدث لم يكن تعديل حرف أو تصحيح خطأ نحوي أو لغوي، بل تغيير مواد وتعديل أخرى، وهو أمر سبق أن حدث في قانون الاستثمار، وقد حدث ذلك من دون الرجوع لصاحب الاختصاص وهو المشرع (رئيس الجمهورية الذي يتولى حاليا سلطة التشريع)».
ورفض أبوعيطة القانون في مجمله، وعد أبرز عيوبه «منح قيادات الجهاز الإداري صلاحيات مطلقة في تقييم الموظف وتوقيع الجزاء عليه وترقيته منحه علاوة، هذه أمور غير معقولة.. وبنظره بسيطة إلى الدستور سنجد أن هذا القانون يخالفه في كل ركن من أركانه».
وطالب أبوعيطة المسؤولين بسحب القانون الآن، قائلا إن «هناك فرصة الآن لحفظ ماء الوجه قبل أن تضطر الحكومة لسحبه تحت الضغط الشعبي الجارف».
ويلوح قادة الحركة الاحتجاجية بالفعل بتصعيد موقفهم واصفين التصريحات الحكومية بـ«المستفزة». وقالت نقيبة العاملين في الضرائب إنهم «يستعدون حاليا لتنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة المالية في 17 أغسطس (آب) الحالي.. قبل مليونية لموظفي الدولة تجري حاليا الترتيبات لتنظيمها إن لم تتراجع الحكومة وتلغي العمل بالقانون حتى يأتي برلمان منتخب لمناقشته».
ويحظر في مصر التظاهر قبل الحصول على إذن من السلطات بحسب قانون صدر أواخر عام 2014.
وقالت فاطمة فؤاد إنها «أرسلت طلبا للحصول على إخطار السلطات بالوقفة الاحتجاجية لكنهم رفضوا تسلمها.. لذلك أرسلتها كخطاب مسجل بعلم الوصول لتفادي أي أزمات».
وانتقد تقرير حقوقي صدر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قانون الخدمة المدنية. وأعرب معدو التقرير عن خشيتهم من أن «يكون الهدف من إصلاح الجهاز الإداري للدولة كما عكسه القانون هو مجرد تخفيض أعداد موظفي الدولة من خلال الحد من التعيينات وتشجيع المعاش المبكر دون أن يصاحب ذلك خلق وظائف تستند إلى احتياجات حقيقية وإصلاح هيكل الأجور والإنفاق على التدريب للموظف الحكومي فنحصل على جهاز إداري أصغر ولكنه يظل محتفظًا بانخفاض الكفاءة والمحاسبة من المواطنين المستهدفين بخدماته».
الحكومة المصرية تواجه أبرز اختبار لصلابتها في مواجهة احتجاجات اجتماعية
رئيس الوزراء تمسك بقانون الخدمة المدنية.. والموظفون يتجهون للتصعيد
الحكومة المصرية تواجه أبرز اختبار لصلابتها في مواجهة احتجاجات اجتماعية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة