تدهور الوضع الأمني في شمال مالي يثير مخاوف سكان الجنوب

أكثر من ثلاثين قتيلاً في غضون أسبوع من بينهم مدنيون

تدهور الوضع الأمني في شمال مالي يثير مخاوف سكان الجنوب
TT

تدهور الوضع الأمني في شمال مالي يثير مخاوف سكان الجنوب

تدهور الوضع الأمني في شمال مالي يثير مخاوف سكان الجنوب

أثار تدهور الوضع الأمني بشكل متزايد خلال الأسابيع الأخيرة في شمال ووسط مالي، مخاوف سكان الجنوب الذين كانوا يعتقدون أنهم بمنأى عن الهجمات التي تشنها التنظيمات الإرهابية الناشطة في المنطقة، في حين حاولت السلطات أن تطمئن السكان من خلال فرض إجراءات أمنية جديدة.
ورغم الإجراءات الأمنية المكثفة في محيط ووسط العاصمة المالية باماكو، فإن سكان المدينة تابعوا بقلق كبير حادثة احتجاز رهائن قبل أيام في فندق بمدينة سيفاري التي تبعد 620 كلم إلى الشمال الشرقي من باماكو، وهم يتذكرون هجومًا مماثلاً على أحد مطاعم باماكو يرتاده مواطنون غربيون قبل عدة أشهر.
حالة القلق التي تعيشها المناطق الجنوبية من مالي، ظهرت بشكل واضح في التصريحات التي أدلى بها بعض الشخصيات السياسية التي تحدثت عن تقصير أمني وثغرات لا يمكن السكوت عنها مكنت الإرهابيين من الوصول إلى أهدافهم بسهولة.
وفي هذا السياق يقول الصحافي إسماعيل ديارا في حديث عبر الهاتف من باماكو مع «الشرق الأوسط»، إن «سكان باماكو تنتابهم حالة من الخوف، لقد أصبحوا يحسون أنهم ليسوا بمنأى عن الهجمات الإرهابية، خاصة بعد أن تمكن الإرهابيون من مهاجمة مدينة سيفاري التي تعد بمثابة القاعدة العسكرية المحصنة، حيث توجد القوات الفرنسية العاملة في منطقة الساحل (برخان)، وقوات بعثة الأمم المتحدة لدعم الاستقرار في مالي (مينوسما)، إلى جانب معسكرين للجيش المالي، ووحدات للحرس الجمهوري والشرطة والدرك؛ ورغم كل ذلك وصل الإرهابيون إلى الفندق الذي يقيم فيه مواطنون غربيون».
وأضاف ديارا الذي يعمل في صحيفة مستقلة تصدر في باماكو: «نجاح الإرهابيين من اختراق الاحتياطات الأمنية في سيفاري، جعل سكان باماكو يحسون بالخوف من شن هجمات في مدينتهم»، مشيرًا إلى أن السلطات تحاول أن تستخدم الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والعلماء من أجل تهدئة السكان.
من جهة أخرى دعت أوساط سياسية في باماكو إلى ضرورة تعزيز القدرات الاستخباراتية لمواجهة التحديات الأمنية عبر تنفيذ عمليات عسكرية استباقية ضد العناصر الإرهابية التي تبذل جهدًا كبيرًا لاستغلال كل ثغرة أو هفوة من أجل شن عمليات جديدة.
ودقت بعض الأحزاب السياسية في المعارضة ناقوس الخطر معتبرة أن السياسة الأمنية التي يتبناها الرئيس المالي إبراهيما ببكر كيتا هي السبب في تفاقم الوضع، منتقدة في الوقت ذاته السعي إلى عقد اتفاقيات مصالحة مع بعض الجماعات المسلحة المتمردة في وقت هي المسؤول الحقيقي عن تدهور الوضع الأمني في البلاد.
وقال قيادي معارض في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «من يقفون وراء تدهور الوضع الأمني في مالي معروفون، إنهم إياد أغ غالي وأحمدو كوفا، وهذان الرجلان يرتبطان بعلاقات وطيدة وقوية مع الحركات المتمردة التي جلست معها الحكومة على طاولة المفاوضات ووقعت معها اتفاق مصالحة».
وتساءل القيادي المعارض: «لماذا نتحاور مع بعض هؤلاء في وقت يشن بعضهم الآخر هجمات ضد جنودنا، هل أصبحت الدولة في مالي ضعيفة لهذه الدرجة، وهل تخلت عنا المجموعة الدولية، وحتى إذا كان جيشنا ضعيفًا هل توقفت قوات الأمم المتحدة والجيش الفرنسي الموجودون على أرضنا عن ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم»، وفق تعبيره.
وكانت جماعة «المرابطون» التي يقودها الجزائري مختار بلمختار المعروف بلقب «بلغوار»، قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على فندق في مدينة سيفاري وسط مالي ومحاولة احتجاز رهائن داخله، وهي العملية التي انتهت بمصرع 13 شخصًا وفق الحصيلة النهائية التي أصدرتها الحكومة المالية.
في غضون ذلك عثر المحققون على أرقام هواتف وعناوين بحوزة اثنين من منفذي عملية احتجاز الرهائن قتلوا أثناء الهجوم، وأكدت المصادر الأمنية أن ذلك من شأنه أن يساعد المحققين في معرفة ارتباطات الكوماندوز الذي نفذ الهجوم وطريقة تحركه وأسلوب عمله.
من جهة أخرى قتل مسلحون مجهولون 10 مدنيين في هجوم على قرية جابيري التي تقع في الشمال المالي، وذلك بعد يوم واحد من انتهاء عملية احتجاز الرهائن في فندق بمدينة سيفاري؛ وفي مطلع الأسبوع كان قد قتل 10 جنود ماليين على الأقل في هجوم نفذه مجهولون.
ويهدد تدهور الوضع الأمني في مالي اتفاق مصالحة وقعته الحكومة مع المتمردين، شهر مايو (أيار) الماضي في العاصمة باماكو، بضغط كبير من المجموعة الدولية التي رعت المفاوضات بين الطرفين في الجزائر؛ فيما يرى المراقبون أن التنظيمات الإسلامية المتشددة التي تنشط في المنطقة وعادت بقوة خلال الأسابيع الأخيرة، تبذل جهدًا كبيرًا من أجل إفشال مساعي السلام في مالي.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.