تفاقم الوضع الإنساني في حلب نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب عن المدينة

مناطق النظام أكثر عرضة للأزمة.. وخلافات بين «الإدارة المحلية» و«النصرة» في القسم المحرر

سكان طريق الباب الواقع تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب يعبئون المياه من الآبار (رويترز)
سكان طريق الباب الواقع تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب يعبئون المياه من الآبار (رويترز)
TT

تفاقم الوضع الإنساني في حلب نتيجة انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب عن المدينة

سكان طريق الباب الواقع تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب يعبئون المياه من الآبار (رويترز)
سكان طريق الباب الواقع تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب يعبئون المياه من الآبار (رويترز)

تفاقم الوضع الإنساني في مدينة حلب وريفها، شمال سوريا، إثر الانقطاع التام للتيار الكهربائي عنهما، بعد خروج محطة الزربة المسؤولة عن توزيع الكهرباء عن العمل بشكل نهائي، وهو الأمر الذي قاد بدوره إلى انقطاع المياه عن كل أحياء المدينة نتيجة عدم القدرة على تغذية محطتي مياه سليمان الحلبي وباب النيرب بالكهرباء اللازمة لاستئناف عمليات ضخ المياه.
أزمة المياه والكهرباء الأخيرة عمت هذه المرة أحياء المعارضة والموالاة على حد سواء، وتزامنت مع موجة الحر الشديد، مما دفع بالسكان إلى الاعتماد على مياه الآبار وشرائها بأثمان عالية، وصلت إلى حد دفع 2000 ليرة ثمنًا لكل خزان مياه سعة 10 براميل، يتم نقله بصهاريج التوزيع بعد ضخ المياه من الآبار، ولكن معظم تلك الآبار ملوثة وغير صالحة للشرب، مما أدى حدوث العشرات من حالات التسمم بالمياه.
ويقول أسامة تلجو، رئيس المجلس المحلي في حلب لـ«الشرق الأوسط»، إن «المدينة كانت تتغذى بالكهرباء عبر خط الغاب - الزربة. وذاك الخط كان يشهد سابقًا انقطاعات كثيرة نتيجة الأضرار الناجمة عن الاشتباكات المستمرة الحاصلة في الجهة الغربية من المدينة، وخصوصا على جبهة الراشدين وحلب الجديدة». وأشار إلى أن جميع المناطق المحررة، باتت أخيرًا دون كهرباء، كون محطة الزربة «قد خرجت نهائيا عن العمل بعد الدمار الذي ألحقه النظام بمحطة زيزون لتوليد الكهرباء التي تعتبر المغذي الرئيس لمحطة الزربة قبل توزيعها عبر الأخيرة على حلب وريفها».
وحذر تلجو من تفاقم الوضع الإنساني في حلب نتيجة الأزمة الأخيرة، موضحًا أن انقطاع المياه «سيستمر إلى أن يقبل النظام بتزويد محطتي ضخ المياه في سلمان الحلبي وباب النيرب، بخط توتر من محطة توليد كهرباء الحرارية والتي يتقاسم إنتاجها الكهربائي مع (داعش)».
من جهتها، أصدرت الإدارة العامة للخدمات التابعة لجبهة النصرة، بيانًا أوضحت فيه أن الاتفاق مع مديرية كهرباء النظام على كمية الكهرباء اللازمة لتشغيل محطة سليمان الحلبي لا يزال يشهد عرقلة واضحة وتراجعا عن الاتفاق من قبل الطرف الآخر. وأحالت الإدارة أسباب ذلك إلى معارضة وزير الموارد المائية في حكومة النظام لأي اتفاق يقضي بتشغيل محطة مياه حلب.
وتطرق البيان إلى الزيارة التي قام بها وزيرا الكهرباء والموارد المائة إلى مناطق حلب الموالية والوعود غير الواقعية التي أطلقها الوزيران وحلولهما المخدرة التي خلقت استياءً عامًا بين الأوساط الموالية في حلب، حين تحدثا بحلول غير واقعية من شأنها أن تزيد من المعاناة الإنسانية، كفصل خط كهرباء حماة الزربة بشكل نهائي، والاستغناء عن تشغيل محطات ضخ المياه والاعتماد على مشاريع استثمارية بديلة بعد استيراد وتشغيل مولدات كهرباء ضخمة وحفر آبار جديدة كبديل عن محطات جر مياه الشرب.
وسرعان ما انعكست أزمة انقطاع الكهرباء في حلب على الأوضاع الإنسانية لتزيدها سوءًا، فقد سجل حالة وفاة واحدة حدثت نتيجة الإصابة بالحر الشديد الذي اجتاح المنطقة خلال الأيام السابقة. أما الأحياء الواقعة تحت سلطة النظام في مدينة حلب فمن المرجح أن تتكبد أعباء إضافية، كونها تحتوي ما يزيد على مليون إنسان ما زالوا يقطنون داخلها، علمًا أنها لا تستفيد من خط كهرباء المحطة الحرارية الذي يتقاسمه النظام مع تنظيم داعش، فهو يقوم بسحب حصته من الكهرباء إلى مناطق الساحل السوري. وقد تتعرض الكثير من الأفران والمنشآت الغذائية للضرر والتوقف عن العمل نتيجة الصعوبة في تأمين الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية.
من جهة ثانية، فجّرت أزمة المياه والكهرباء خلافات كثيرة جمعت بين المجلس المحلي في حلب من جهة والإدارة العامة للخدمات التابعة لجبهة النصرة من جهة أخرى. ويبدو أن ثمة تنافسًا قديمًا بينهما على النفوذ في إدارة المناطق والإدارات، خاصة التنافس على إدارتي المياه والكهرباء اللتين سعت الإدارة التابعة لـ«النصرة» أن تكونا تحت سيطرتها وحدها وإخراج المجلس من المشهد.
بدوره، يحاول المجلس المحلي إبقاء الإدارات بصيغة التكنوقراط، غير تابعة لأي جهة أو فصيل كي لا تكون الخدمات موضع مساومة أو ابتزاز من قبل أي فصيل كان.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.