أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أخيرًا أن طائرة من دون طيار (درون) قتلت، في سوريا في بداية يوليو (تموز) الماضي محسن الفضلي (عمره 34 سنة)، قائد «تنظيم خراسان في سوريا»، أو «المجموعة الخراسانية» واتهمته بأنه «عضو قديم في (القاعدة)»، وكان يقود في سوريا دائرة صغيرة من المتشدّدين في التخطيط لهجمات على أهداف غربية. وفي اليوم نفسه، وخلال مؤتمر صحافي عقد في مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قال جيف ديفيس، أحد الناطقين باسم الوزارة، إن الفضلي قتل بينما كان يستقل سيارة في بلدة سرمدا بشمال غربي سوريا، وإنه كان واحدًا من عدد قليل من قادة «القاعدة» الذين عرفوا مسبقا بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. وأضاف ديفيس: «ستعرقل وفاته كثيرًا عمليات تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة وحلفائنا، وشركائنا».
حسب تقرير في صحيفة «نيويورك تايمز»، في العام الماضي، كتب واحد من قادة تنظيم «القاعدة» على صفحته في موقع «تويتر» أن الفضلي قتل في سبتمبر الماضي، في غارة جوية أميركية. في ذلك الوقت، قال مسؤولون في البنتاغون إنهم ليسوا متأكدين من ذلك. لكن هذه المرة، أعلن البنتاغون نفسه الخبر. فمن هو الفضلي؟ ولماذا اسم «المجموعة الخراسانية»؟ وهل لها صلة بتصدير إيران للإرهاب؟ وهل يبالغ العسكريون الأميركيون في تصوير حجمها، وخطرها؟
محسن الفضلي
ولد محسن الفضلي في الكويت، عام 1981، وتربّى هناك. وكان منذ صغره «متشددًا» في تدينه. وقبل أن يصل عمره إلى 20 سنة، «هاجر» إلى أفغانستان حيث انضم هناك إلى «القاعدة»، وبسرعة قفز إلى قيادة المنظمة على الرغم من صغر عمره.
في عام 2001، بعد غزو أفغانستان وسقوط حكومة طالبان وتحطيم قيادة «القاعدة»، وضع اسم الفضلي في أعلى قائمة الإرهابيين الذين تبحث عنهم الاستخبارات الأميركية. ومع أنها لم تعثر عليه طيلة خمس عشرة سنة تقريبًا، فإنها كانت تعرف عنه تنقله من دولة إلى دولة. وذُكر أنه عاش في باكستان، وإيران، واليمن، والعراق، وسوريا حيث أفيد عن قتله في مطلع يوليو الماضي.
جدير بالإشارة أنه قبل أربع سنوات أعلنت وزارة الخارجية الأميركية رصد مبلغ سبعة ملايين دولار مكافأةً لمن يقدّم معلومات تساعد في القبض على الفضلي أو قتله. ويومذاك وصفته معلومات الوزارة بأنه قصير القامة (1.6م). وأنه حارب في أفغانستان في صفوف «القاعدة» و«طالبان»، ومع منظمات إرهابية أخرى. ومن المعروف أنه مطلوب أيضًا من حكومات عدة دول خليجية وشرق أوسطية.
ومن جانب آخر، أضاف مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة اسم الفضلي إلى قائمة الإرهابيين التي يحتفظ بها مجلس الأمن منذ «هجمات 11 سبتمبر 2001»، وفرض عليه عقوبات تمنع سفره وتصادر أمواله وتجرّم التعاون معه.
وحسب تقرير كتبه، قبل خمس سنوات، معهد واشنطن للشرق الأدنى عن قادة المنظمات الإرهابية، كان الفضلي مقربًا من أبو مصعب الزرقاوي، الحركي الأردني المتشدّد الذي كان قاد تنظيم «القاعدة في العراق» بعد غزوه عام 2003. واشترك معه في سلسلة من عشرات التفجيرات والهجمات والاختطافات لمقاومة قوات الاحتلال الأميركي هناك. ويذكر أنه في عام 2006، قتلت غارة جوية أميركية الزرقاوي في شمال بغداد.
من أين جاء اسم «خراسان»؟
حسب المراجع العربية والأجنبية اسم «خراسان» يعني «أرض الشمس»، وهي منطقة جغرافية كانت عبر التاريخ كبيرة الحجم والتأثير، تشمل أراضي شاسعة تمتد في شمال شرقي إيران وجنوب تركمانستان وشمال أفغانستان، وكانت تضم أربع حواضر عظيمة هي نيسابور (نيشابور) بشمال شرقي إيران قرب مدينة مشهد، وهراة، وبلخ (القريبة من «مزاري شريف») في شمال أفغانستان، ومرو (مرو الشاهجان) في جمهورية تركمانستان الحالية والسوفياتية سابقًا. ولقد عاش الساسانيون في خراسان، التي كانت جزءا من الإمبراطورية الفارسية قبل ظهور الإسلام.
ولكنها بعدما وصل إليها الإسلام صارت جزءا من الخلافة الأموية، إلى الجنوب مما عرف بـ«بلاد ما وراء النهر» (ترانس أوكسيانا)، والنهر المشار إليه هو نهر جيحون (آموداريا أو أوكسوس) الذي كان يشكل الحد الطبيعي والديمغرافي بين الشعوب الآرية الفارسية إلى جنوبه والشعوب التركية الطورانية إلى شماله. وحقًا أسهمت كثيرًا في نشر الثقافة الإسلامية. وفيها وفي محيطها ولد عدد كبير من قادة الفكر والأدب والعلم والحرب المسلمين، من أمثال أبو مسلم الخراساني وابن سينا والفارابي وعمر الخيام والخوارزمي والطوسي والنسائي والبخاري والترمذي والغزالي والزمخشري.
التنظيم الحالي
وفق تقرير كتبه ويليام ماكانتز، خبير الإرهاب في معهد «بروكينغز» في واشنطن، فليست «المجموعة الخراسانية» أول منظمة لمقاتلين لهم صلة بخراسان؛ فمنذ عصر الإسلام الأول، شهدت خراسان ثورات وحركات تمرّد كانت لها صلة بتفضيل العرب أو غير العرب، في الخلافة الإسلامية.
ولهذا، مع «الصحوة» الإسلامية الحديثة، صار «جهاديون» غير عرب كثر يستعملون اسم «خراسان» لمنظماتهم. وعلى سبيل المثال، فإن اسم مجلة الإنترنت لتنظيم «القاعدة» في أفغانستان هو «طلائع خراسان». كذلك يشير ماكانتز إلى إيمان مقاتلين «خراسانيين» بحديث نبوي شريف جاء فيه: «تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء» وهي القدس.
وقبل نحو أسبوعين نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تصريحات عن الموضوع ذاته أدلى بها جي إم بيرغر، خبير في الإرهاب الأميركي الذي كان يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). ومما قاله بيرغر أن تنظيم «القاعدة» وقّع مرات كثيرة على بياناته وكأنها صادرة من خراسان، وأن من أسباب ذلك وجود عدد غير قليل من مقاتلين «خراسانيين» في التنظيم.
أما بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لدراسة التطرّف (آي سي إس آر) في العاصمة البريطانية لندن فيقول: «ينكر (جهاديون) شرعية غالبية الحكومات الحديثة (خاصة الإسلامية منها)، ولذا يفضلون استخدام مصطلحات تاريخية، مثل التي استعملت في عصور الخلافة الإسلامية خلال قرون عظمتها». ويتطرّق آرون زيلين، خبير الإرهاب في «معهد واشنطن للشرق الأدنى» بواشنطن، إلى الحديث الشريف المشار إليه سابقًا: «يظل (هذا) الحديث رمزًا هامًا للجهاديين منذ استعملت الرايات السوداء في الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي عندما كان يحتل أفغانستان (في سبعينات وثمانينات القرن الماضي)، وهي التي كانت جزءًا من خراسان الكبرى».
من حملته تسريبات «ويكيليكس»
في عام 2012 نشر موقع «ويكيليكس»، المتخصص في نشر تفاصيل ملايين الوثائق، حكومية وغير حكومية، أكثر من خمسة ملايين رسالة إلكترونية تابعة لشركة «ستراتفور»، وهي واحدة من كبريات الشركات الاستخباراتية الأميركية، وتتعاقد مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية لجمع معلومات عن دول ومنظمات وأفراد. وبعد هجمات 11 سبتمبر، وإعلان الولايات المتحدة «الحرب على الإرهاب»، ازدادت نشاطاتها كثيرًا. وتغطي الوثائق التي نشرت سبع سنوات (2004 - 2011). وبالنسبة لمقاتلي «المجموعة الخراسانية» توضح الوثائق أن اهتمام الشركة والاستخباراتيين الأميركيين بهم ليس جديدا، بل سبق بوقت طويل بدء فترة وجودهم في سوريا، وتحالفهم مع «جبهة النصرة» هناك، وتولي محسن الفضلي قيادتهم.
السبب الأول للاهتمام هو أن الاستخبارات الأميركية كانت تحقق في دور إيران في تصدير الإرهاب. ولقد تابعت منظمات إيرانية كثيرة مثل الحرس الثوري و«فيلق القدس»، وركّزت على إقليم خراسان الإيراني. وكانت «ستراتفور» تجمع معلومات كثيرة من هناك، بعضها يبدو مفيدًا، وبعضها الآخر يبدو هامشيًا وغير مفيد، أو غير ضروري.
وفي ما يلي ملخصا رسالتين إلكترونيتين:
التاريخ: 24 - 10 - 2011
من: لورين غودريتش.
إلى: ماركو بريموراك.
الموضوع: «مجاهدو القوقاز في خراسان».
«..حققنا في وصول مجاهدين من القوقاز (يعتقد أنهم من الشيشان) إلى خراسان يواجهون مشكلات ثقافية، وذلك لأنهم يتكلمون اللغة الروسية. وفي الوقت نفسه، يستخدمهم الخراسانيون أدوات لتحقيق أهدافهم الخاصة.. لقد حصلنا على فيديو أرسله مجاهدون على الحدود بين أفغانستان وباكستان إلى (إخوانهم) في منظمة (مجاهدو القوقاز في إمارة خراسان) إلى أميرهم دوكو عمروف.. انتشر هذا الفيديو بعد أن نشرته مواقع جهادية، مثل (الأنصار)، و(جهاد القوقاز) و(المجاهدون في جنوب أفريقيا) الذين يرفضون ما يسمونه (دين الديمقراطية) ويعلنون أن (الحاكمية لله)».
التاريخ: 5 - 9 - 2011
من: مجهول.
إلى: قسم الترجمة.
الموضوع: «أخبار خراسان».
«..جاء إلى هنا رئيس القضاء الإيراني، آية الله صادق لاريجاني، وقائد الحرس الثوري، نقدي (الأرجح أن المقصود قائد الباسيج).. يتوقع، مع بداية شهر رمضان، أن يزور مسجد مشهد 400 ألف شخص للاشتراك في فصول تعليم وحفظ القرآن... أقيمت احتفالات في ذكرى نهاية الحرب بين العراق وإيران (1988)، وعودة أسرى الحرب الإيرانيين من العراق، تحدث فيها صالحي، حاكم خراسان..».
مبالغات البنتاغون!
في الواقع لا يوجد في وثائق شركة «ستراتفور» أي شيء عن مقاتلين «خراسانيين» في سوريا، ربما لأن المعارضة الثائرة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد لم تتحول إلى العمل العسكري قبل عام 2011 (آخر أعوام الوثائق)، أو لأن العسكريين الأميركيين يبالغون في تصوير المقاتلين «الخراسانيين» في سوريا.
وعن هذا، كتب دان لاموث في صحيفة «واشنطن بوست» شارحًا: «عندما تشكل منظمة إسلامية متطرفة، ويرى الغرب أنك تستهدفه في مسألة حياة أو موت، يصير كل شيء ممكنًا بالنسبة لك.. خلال الأشهر الأخيرة، شهدنا الجدل ليس فقط حول تنظيم داعش، بل حتى عن اسمه الحقيقي.. اهتممنا بتنظيم القاعدة، ثم اهتممنا بتنظيم داعش، وها نحن الآن نهتم باسم جديد.. (المجموعة الخراسانية)».
وأضاف لاموث: «يلاحظ عدد غير قليل من الخبراء في هذا الموضوع ندرة المعلومات عن (المجموعة الخراسانية) وعن سبب استهداف البنتاغون لها. ومرة أخرى احتدم النقاش حول الاسم الحقيقي لهذه المجموعة. فهل هي (المجموعة الخراسانية)؟ أم هي (تنظيم خراسان في سوريا)»؟
لاموث يقول: «ثمة جدل حول ما إذا كنت (المجموعة الخراسانية) تنظيما مستقلا، أو جزءا من (جبهة النصرة) أو هي (جبهة النصرة) نفسها.. يقول استخباراتيون أميركيون إنها مجموعة من المقاتلين الأجانب، بينما آخرون يقولون إنها تتبع تنظيم القاعدة، أو هي (القاعدة) نفسها». وفي حين يرى زيلين أنه «لا توجد منظمة جهادية في سوريا تستعمل هذا الاسم لنفسها، ولا حتى (جبهة النصرة)»، كتب بيتر أوستيين، وهو مؤرّخ يدير موقعًا عن الإرهاب على شبكة الإنترنت: «قال جهاديون إن مجرد اسم (المجموعة الخراسانية) يدعو للضحك. عبر استمراري في متابعة نشاطات الجهاديين، لم يمر علي هذا الاسم قط».
ويدلي نيومان بدلوه في هذا الأمر، فيقول: «إنها فرع سوريا لتنظيم القاعدة»، وبالتالي، فهي جزء من «جبهة النصرة». غير أن لافيدي موريس، مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» في بيروت، حيث تغطي من هناك أحداث المنطقة عمومًا، ذكرت أن «غالبية الذين تحدّثت معهم وسط القادة الجهاديين قالوا إنهم لم يسمعوا بالاسم.. ويقصد بالذين يستعملون الاسم المقاتلين الآتين من أفغانستان وباكستان (بسبب الخلفية التاريخية والجغرافية لمنطقة خراسان)». وفي نهاية هذه الجولة، يعرب أوستيين عن اعتقاده بأن «الاستخباراتيين الأميركيين بالغوا في تصوير (المجموعة الخراسانية) وذلك بهدف ضرب (جبهة النصرة)».
تصميم شديد من جانب «البنتاغون»
لكن، سواءً أقرّ الخبراء بأن «البنتاغون» تبالغ في تصوير قوة «المجموعة الخراسانية» أم لم يقرّوا، تواصل «البنتاغون» تكرار القول إن الغاية هي «استهداف وتفكيك وتدمير وإنهاء أي منظمة إرهابية تهدد الأمن الوطني الأميركي». (الرئيس باراك أوباما أيضا يكرّر هذه العبارة).
وخلال الشهر الماضي، قال الجنرال ويليام مايفيل، مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، إن «المجموعة الخراسانية» (أو تنظيم خراسان) كانت «في المراحل النهائية من خطط لتنفيذ هجمات كبيرة ضد أهداف غربية في المنطقة.. وربما أيضًا في الوطن، في الولايات المتحدة».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» موضحة: «كانت المؤامرة (التي تحدثت عنها البنتاغون) طموحا ودؤوبا»، بينما قالت صحيفة «واشنطن بوست» مؤكدة: «مهما كان اسم هذا التنظيم الجديد، صار واضحًا أن العسكريين الأميركيين متحمسون لضربه، ويعرفون أن ضربه سيرفع أسهمهم». ولهذا، فإن إعلان «البنتاغون» قتل الفضلي يمكن أن يخدم أكثر من هدف، أبرزها:
أولاً: مطاردة «القاعدة» وفروعها، في كل مكان.
ثانيًا: ضرب «جبهة النصرة» داخل سوريا من دون إعلان ذلك.
ثالثًا: حتى إنجاز غاية القضاء على «داعش»، توجد أهداف أخرى لواشنطن.
رابعًا: استغلال اسم مثير جديد «خراسان».
خامسًا: 50 ألف غارة جوية (كما قال أوباما) لا تذهب سدى.