تواجه بورتوريكو التي تحاصرها الديون ثاني أكبر اختباراتها في غضون بضعة أيام، عندما يحين موعد استحقاق مدفوعات سندات بقيمة 58 مليون دولار، وتعمل الحكومة بالفعل على صياغة موقف دفاعي في مواجهة احتمال ألا تتوفر لديها السيولة المالية.
وواصل المستشارون الحكوميون حول الجزيرة إرسال مذكرات إلى وسائل الإعلام على مدار عدة أيام ماضية، تشير إلى أنه حتى في حال لم تتمكن الحكومة من السداد، فإنها لن تكون مفلسة من الناحية الفنية، وهو شيء تحاول بورتوريكو أن تتحاشاه بشدة. فمن شأن حدوث إفلاس أن يكون له تبعات قانونية ومالية هائلة؛ إذ سيضع منطقة الكومونولث التابعة للولايات المتحدة في صحبة غير مريحة مع اليونان.
وتأتي المدفوعات التي يقترب موعد استحقاقها ضمن ما يسمى سندات الالتزام الأخلاقي، والتي يمكن للحكومة إصدارها من دون أي التزام قانوني بإعادة السداد.
وعلى الرغم من تحذيرات مسؤولي بورتوريكو، فإن خبراء ماليين مستقلين قالوا إن عدم سداد استحقاق مالي، حتى وإن كان صغيرًا، وسواء كان من الناحية الفنية إفلاس أوراق مالية أم لا، فسيكون له تبعات. كما قالوا إن الإخفاق في سداد دين الالتزام الأخلاقي سوف يصم مصداقية ديون بورتوريكو الأخرى من الأنواع كافة، وهو ما سيؤدي بدوره لتراجع قيمة السندات الأخرى ويرفع سعر أي أموال قد يكون لدى منطقة الكومونولث القدرة على اقتراضها في هذه المرحلة.
وقال جيمس إي. سبيوتو، وهو متخصص في الفصل التاسع من قانون الإفلاس، الخاص بالبلديات، الذي لا يقدم خدمات استشارية لبورتوريكو أو أي من مقرضيها، قال: «قد يكون هذا أشبه قليلاً بقول: الجمال في عين الرائي». وقال إن بورتوريكو كانت محقة في قولها إنها في حل من أي التزام أخلاقي بسداد قيمة السندات. ولكنه أضاف: «من وجهة نظر حامل السند، كان هناك وعد بالدفع، وهو التزام أخلاقي، ولم يتم الوفاء بهذا الوعد». ومن ثم (والحديث لسبيوتو) فإن السوق سيقول إن بورتوريكو مرت بصعوبة مالية، حتى ولو لم يستطع حاملو السندات فعل أي شيء بشأنها.
ونشأت سندات الالتزام الأخلاقي في ستينات القرن الماضي، على يد جون إن. ميتشيل، الذي أصبح في وقت لاحق، المدعي العام في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون. وابتكر السيد ميتشيل تلك السندات بإيعاز من نيلسون روكفيلر، الذي كان آنذاك حاكمًا لنيويورك. وكان إخفاق سندات الالتزام الأخلاقي في نيويورك في عام 1975 هو ما أدى إلى الأزمة المالية التي حاصرت المدينة في ذلك العام.
ويبدو أن بورتوريكو تنزلق الآن إلى مسار مشابه. حيث تواجه منطقة الكومونولث التابعة للولايات المتحدة إجمالي ديون متعلقة بالسندات بقيمة 72 مليار دولار وما يقدر بـ40 مليار دولار قيمة فوائد تقاعد غير ممولة، مستحقة لصالح عمالها الحكوميين. وفي يونيو (حزيران) الماضي، بدأ الحاكم أليخاندرو غارسيا باديلا وصف الديون بأنها «لا يمكن سدادها» والترويج لـ«تجميد تفاوضي» بشأن الديون.
ومنذ ذلك الحين، توصي مجموعة عمل، شكلها الحاكم، بتغييرات كاسحة في اقتصاد بورتوريكو، إعفاء من الحد الأدنى الفيدرالي للأجور ومدفوعات رفاهية أقل. وأصدرت مجموعة استثمارية تقريرًا هذا الأسبوع قال إن منطقة الكومونولث قد تخرج من أزمتها برفع معدل جمع الضرائب الذي قال إنه أقل من المتوسط لأي من الولايات الخمسين، والحصول على قروض تجسيرية للسنتين المقبلتين.
وترفض حكومة الولايات المتحدة حتى الآن إنقاذ بورتوريكو. وقال جاكوب جيه. ليو، وزير الخزانة في خطاب يوم الثلاثاء إلى السناتور أورين جي. هاتش، رئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ، إنه لا يجب أن يتم عمل إنقاذ لبورتوريكو، لكن وضعها المالي «ملح» وعلى الكونغرس أن ينظر في إجراء عملية مرتبة لإعادة هيكلة «المسؤوليات المالية غير القابلة للاستمرار» بالنسبة إلى الجزيرة. وبموجب القوانين الحالية، لا تتمتع بورتوريكو بالوصول إلى محاكم الإفلاس الفيدرالية.
وعلى رغم إعلان الحاكم في يونيو، فقد واصلت بورتوريكو سداد قيمة السندات في أوقات استحقاقها، بل إن المسؤولين صرحوا بأن كومونولث بورتوريكو قد يقترض 500 مليون دولار إضافية.
قال السيد سبيوتو: «هم يحاولون سداد ديونهم، ولكنهم لا يتمتعون بتدفق كاف في السيولة المالية.. الأمر أشبه بلعبة كراس موسيقية. ففي نهاية المطاف، ستتوقف الموسيقى ولا بد أنه سيكون هناك شخص ما لن يجد له كرسيًا».
ويحين الموعد النهائي لسداد الـ58 مليون دولار في الأول من أغسطس (آب)، الذي يصادف يوم سبت. وفي حال حدثت أول عملية تخلف عن السداد يوم الاثنين، وهو أول يوم عمل بعد الموعد النهائي، سيكون الخاسرون هم حاملي السندات التي أصدرتها مؤسسة التمويل العام في بورتوريكو.
ولا تملك المؤسسة، التي أنشئت في 1984 لمساعدة بورتوريكو على تمويل الكثير من الأنشطة الحكومية، إلا ما يزيد قليلاً على مليار دولار في صورة سندات قابلة للسداد. وهي لا تستطيع جمع ضرائب، وتعتمد بدلاً من ذلك على الجهة التشريعية لتخصيص أموال كافية سنويًا لإعادة سداد الديون عندما تحين مواعيد استحقاقها.
لكن عندما انتهت الجهة التشريعية من ميزانية السنة المالية الحالية، لم يتم عمل أي مخصصات من هذا النوع. ونتيجة لهذا، لم تحول المؤسسة أموال السداد إلى هيئة الأمناء، التي بدورها، ستتولى دفع أموال حاملي السندات.
وأكد خبراء قانونيون مستقلون أن حاملي سندات الالتزام الأخلاقي لم يكن أمامهم أي سبيل لإنفاذ استحقاقاتهم. ولكنهم توقفوا دون القول إن بورتوريكو لن تصل لحالة الإفلاس.
وقال تيموثي بليك، وهو مدير إداري بخدمة المستثمرين في وكالة موديز: «نادرًا جدًا بالنسبة إلى إحدى الحكومات أن تدرس عدم السداد.. فمعظم الحكومات ترى في هذا إشارة سلبية للغاية بالنسبة إلى سمعتهم في الأسواق المالية».
وكانت ولاية رود أيلاند قد نظرت في عدم سداد سند التزام أخلاقي بقيمة 75 مليون دولار في 2013، بعد أن أفلس المشروع الذي يجري تمويله، وكان عبارة عن شركة لألعاب فيديو بقيادة كيرت شيلينغ، الرامي السابق لفريق البيسبول، بوسطن رد سوكس. وبعد نقاش مكثف، قررت رود أيلاند الاستمرار في الدفع لحاملي السندات لحماية تصنيفها الائتماني.
إن الولايات التي تصدر سندات التزام أخلاقي تقوم بهذا في كثير من الأحيان لأن مؤسساتها تقيد بشدة إصدار سندات الالتزام العام، وهي نوع يجعل كيانًا ما ملزمًا قانونًا بإعادة الدفع. ويمكن لحاملي هذه السندات، على سبيل المثال، أن يطالبوا بزيادة ضريبية بأمر المحكمة إذا كان هذا هو المطلوب لاستعادة أموالهم.
ولأن التعهد الذي يتضمنه سند الالتزام العام قوي للغاية، فقد جعلت الولايات كذلك إصدار الكثير جدًا من هذه السندات أمرًا صعبًا. وفي كثير من الولايات لا يمكن إصدارها من دون موافقة الناخبين.
ولهذا ابتكر السيد ميتشل سند الالتزام الأخلاقي. حيث كان يسعى في ذلك الوقت إلى مساعدة الحاكم روكفيلر، الذي كان يحاول التصدي لخسائر وظائف التصنيع، عن طريق إطلاق مشروعات بناء ضخمة ولم يشأ الخوض في العملية التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها، والمتمثلة في السماح للناخبين بالموافقة على سندات الالتزام العام.
قال السيد بليك إن «المشرعين عادة ما يأخذون سندات الالتزام الأخلاقي التي يصدرونها على محمل الجد ويخصصون لها الأموال سنويًا. ولكن في الحالات النادرة، حيث لا يمكنهم تخصيص مثل تلك الأموال، لا يكون لدى حاملي السندات أي سبيل لإجبارهم على السداد». وقال: «الخسائر يمكن أن تكون جسيمة جدًا. وقد منحت وكالة موديز السندات التي تصدرها مؤسسة التمويل العام لبورتوريكو تصنيف Ca، ومعنى هذا أن الإفلاس ليس ممكنًا فحسب، بل إن التعافي سيكون هشًا. وهذا ثاني أدنى تصنيف لموديز».
* خدمة «نيويورك تايمز»
عدم الوفاء باستحقاقات السندات سيكون له عواقب على بورتوريكو
فيما تحاول تفادي الإفلاس مع شح السيولة
عدم الوفاء باستحقاقات السندات سيكون له عواقب على بورتوريكو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة