* وجد وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر نفسه هذا الشهر في وجه المدفع الدبلوماسي، عندما كلف بزيارة حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للدفاع عن الاتفاق النووي الذي وقعته واشنطن والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا مع طهران. وفور توقيع القرار يوم 14 يوليو (تموز) الحالي، أوفد الرئيس الأميركي باراك أوباما وزير دفاعه كارتر إلى إسرائيل والأردن والعراق والسعودية لبحث تداعيات القرار والدفاع عنه.
* وكارتر، الذي تولى مهامه في فبراير (شباط) الماضي خلفا لتشاك هيغل، هو وزير الدفاع الـ25 في تاريخ الولايات المتحدة. وهو يمزج بين معرفته في العلوم والتقنية، إذ حصل على بكالوريوس ودكتوراه في الفيزياء، والسياسة والاستراتيجية العسكرية، بعد أن كان نائب وزير الدفاع بين عامي 2011 و2013. وبين العلوم والتكتيك الاستراتيجي على كارتر حماية التحالفات الاستراتيجية للولايات المتحدة خاصة الشرق الأوسط، مع استخدام حنكته العملية للدفاع عن الاتفاق النووي.
وأصبح كارتر، وعمره 61 عاما، ثالث وزير دفاع للولايات المتحدة بخلفية علمية خلال الأعوام الخمسين الأخيرة. فقد جمع الثلاثة بين الفيزياء والعسكرية، بين المعامل وخطوط النار، بين الأكاديميات والسياسات. وسبقه اثنان من وزراء الدفاع العلماء، كلاهما من الحزب الديمقراطي، هما هارولد براون، في عهد الرئيس جيمي كارتر، الحاصل على الدكتوراه في الفيزياء. والثاني ويليام بيري، في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وهو حاصل على الماجستير في الرياضيات، ثم الدكتوراه في الفيزياء.
خلال الأعوام الخمسين الأخيرة، كان كل وزراء الدفاع تقريبا سياسيين، جمهوريين وديمقراطيين. مثل كاسبر واينبيرغر (مع الرئيس رونالد ريغان)، ودونالد رامسفيلد (مع الرئيسين جورج بوش الأب وجورج بوش الابن)، وريتشارد شيني (مع الرئيس بوش الأب)، وليسلي اسبين (مع الرئيس كلينتون)، وليون بانيتا وتشاك هيغل (مع الرئيس أوباما).
ومن المفارقات أن كارتر، وزير الدفاع الحالي، كان تلميذ بيري الذي أيضا مزج بين خبرته العملية ومنصبه وزيرا للدفاع مع الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون. وبينما كان بيري معتدلا في السياسة الخارجية ولعب دورا كبيرا في إنهاء حرب البوسنة، صار تلميذه متشددا في الحرب ضد الإرهاب، ونحو إيران.
ويقال إن تشدد كارتر واضح في اسم الكنية، «آش» (رماد)، وذلك بسبب خشونته في صباه. كان يضع الرماد على وجهه قبل المنافسات الرياضية، وهو كان بطلا في المصارعة. ويقال إن عمره كان عشر سنوات عندما عمل في مغسلة للسيارات، وانتقد صاحب المغسلة بسبب فساده، ليفصله صاحب المغسلة حينها.
ويذكر أن كارتر درس في المملكة المتحدة مرتين، بعد أن تخرج في ثانوية ابنغتون (ولاية بنسلفانيا)، إذ حصل على منحة دراسية في جامعة ادنبره، حيث نال بكالوريوس في الفيزياء عام 1975. وبعدها حصل على منحة دراسية في جامعة أكسفورد، حيث نال الدكتوراه في الفيزياء النظرية عام 1979.
وبعد ذلك، ولعشرين عاما تقريبا، عمل أستاذا في الفيزياء والهندسة النووية في جامعة هارفارد، حيث درس نظرية المجال الكمي، لينتقل بعدها إلى مجال الاستراتيجية، ومن ثم صار رئيس قسم الشؤون الدولية والأمنية، وبعدها ترأس مركز العلوم والعلاقات الدولية.
وهكذا، بدا يجمع بين العلم والسياسة، ومثل كثيرين قبله أساتذة في جامعة هارفارد العريقة صار يتنقل بين العمل الأكاديمي هناك، وبين العمل السياسي في واشنطن. ففي عهد بيل كلينتون، عمل مساعدا لوزير الدفاع لشؤون الأمن العالمي، قبل أن يعود إلى الإدارة الأميركية في عهد الرئيس أوباما، ويعمل نائبا لوزير الدفاع لشؤون التكنولوجيا. وخلال السنوات بين الوظيفتين، كان يعود إلى العمل الأكاديمي في هارفارد.
وفي بداية هذا العام، اختاره أوباما ليخلف هيغل الذي قرر الاستقالة مع تفاقم الانتقادات للسياسة الأميركية في العراق وسوريا. ومرة أخرى، ترك أكاديميات هارفارد، وعاد إلى سياسات واشنطن.
وعلى عكس براون وبيري، صار كارتر متشددا. وظهر ذلك خلال استجوابه في مجلس الشيوخ بداية العام، حيث عارض إغلاق سجن قاعدة غوانتانامو في كوبا، قائلا: «نظل نحارب الإرهاب، فكيف نطلق سراح إرهابيين؟». كما أيد تسليح القوات الأوكرانية لمواجهة الروس والأوكرانيين المتحالفين معها. وقال: «يجب أن نلقن الروس درسا».
وفي ما يخص الحرب ضد «داعش»، قال: «على الولايات المتحدة أن تحقق هزيمة دائمة لقوات تنظيم داعش في العراق وسوريا». ويعتبر كارتر أن «التهديدات التي تشكلها إيران تظل خطرة مثل التي يشكلها (داعش)».
في الحقيقة، كان كارتر متشددا منذ قبل ذلك. منذ هجمات عام 2001 الإرهابية. في ذلك الوقت، أيد غزو أفغانستان، وأيد غزو العراق، ولم يعارض غزو إيران.
والشهر الماضي، قالت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية الإلكترونية إن كارتر واحد من أكثر وزراء الدفاع هدوءا. وقارنته بوزراء دفاع قبله، مثل: هيغل، وبانيتا، ورامسفيلد، وشيني.
وقالت الصحيفة إن الرئيس أوباما، الذي يميل أيضا نحو الهدوء، يرتاح كثيرا لكارتر. ربما لأنه أكاديمي، وربما لأنه قضى الأعوام الثلاثين غارقا في الأبحاث العلمية (وكتب أحد عشر كتاب).
ورغم العلاقة الهادئة التي تربط أوباما وكارتر، منذ أن صار كارتر وزيرا للدفاع، هناك «تشابه في المزاج، واختلاف في الرأي». في الشهر الماضي، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن كارتر «يحظى باحترام العسكريين (بعد خمسة شهور من توليه منصبه)، وذلك لأنه من النوع الهادئ، عكس وزراء دفاع قبله. لكن، يقلق كارتر البيت الأبيض بسبب ميوله نحو الاستقلالية».
وأشارت الصحيفة إلى ما حدث خلال استجواب كارتر، عندما تقلد منصبه في بداية العام، حيث انتقد، من دون الإشارة إلى اسمه، الرئيس أوباما لأنه يريد إغلاق قاعدة غوانتانامو. في وقت لاحق، اختلف كارتر مع أوباما في طريقة، وسرعة، تنفيذ قرار تخفيض عدد القواعد العسكرية الأميركية داخل الولايات المتحدة.
وطبعا، استغل الجمهوريون هذه الاختلافات. فكلما ذهب كارتر إلى الكونغرس للإدلاء بشهادة، عاد الجمهوريون إلى مواضيع نفسها: قاعدة غوانتانامو، والقواعد العسكرية، والتشدد مع روسيا، والتشدد مع الصين، خاصة التشدد مع الصين، لأن الرئيس أوباما يفضل عدم مواجهة الصين مواجهة مباشرة في نقد نظامها الشيوعي، ونقد عدم احترامها لحقوق الإنسان.
ولا يرتاح وزراء ومستشارون في البيت الأبيض إلى «تمرد» كارتر على رئيسهم. في شهر يونيو (حزيران)، أثار صحافيون، في المؤتمر الصحافي اليومي في البيت الأبيض، هذه القضية. وقال جوش إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، بطريقة دبلوماسية: «يؤمن السيد كارتر إيمانا قويا بالهيكل الإداري، وبالتسلسل في القيادة».
وعلى الصعيد الشخصي، أثار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، جدلا في بداية العام، عندما أدى كارتر، وبجواره زوجته، القسم لتولي منصبه الجديد. وفي تسجيل انتشر حول العالم، كان بايدن يقف خلف الزوجة، وكان، من وقت لآخر، يضع يديه على كتفيها، أو يهمس في أذنها. ورغم براءة المنظر فقد أثار ضجة وإشاعات.
وسارع كارتر، وقال: «نحن أصدقاء. وعائلتانا صديقتان، وستيفاني تعرفه معرفة جيدة، وهو يعرفها معرفة جيدة». وستيفاني، وعمرها 39 عاما، هي زوجة كارتر الثانية. قبلها، كانت كليتون سبنسر، التي كانت رئيسة جامعة بيتس (ولاية ماساتشوستس). وأنجبت له بنتا (إيفا)، وولدا (ويل). كبرا، وتخرجا في الجامعة.
وإذا اشتهر كارتر بهدوء عام، اشتهرت ستيفاني بالشغب البريء. صفحتها في موقع «فيسبوك» عليها صورة الأحرف الثلاثة الأولى لاسمها المثلث (ستيفاني ديليو كارتر). وتصف نفسها بأنها «موم أوف ماكلين» (أم ضاحية ماكلين، من ضواحي واشنطن)، وأنها «أم كلب من نوع (بودل)، وتحب الأزياء، والأكل، والرياضة».
وتتعدد تغريدات ستيفاني من عكس نشاطات زوجها، إلى آراء سياسية، إلى وصف نزهات ورحلات مع صديقات، إلى اكتشاف مطاعم جديدة، أو وصفات طعام جديدة. وتغريداتها على «تويتر» تتأرجح بين السياسة والمجتمع، إذ كتبت أخيرا: «تعيش نيكي هيلي (حاكمة ولاية ساوث كارولينا، لأنها وافقت على إلغاء العلم الكونفدرالي، رمز التفرقة وسط الأميركيين الزنوج)»، و«تعيش بيونسيه (المغنية السوداء).. وتعيش موضة الأكل النباتي (تدعو له بيونسيه)».
وعندما انتشر الفيديو الذي يصور نائب الرئيس بايدن وهو يهمس في أذن زوجته، ويضع يديه على كتفيها، قال كارتر: «إنهم يعرفون بعضهم بعضا بشكل جيد للغاية». في ذلك الوقت، كان ديفيد ليترمان يقدم برنامج المقابلات التلفزيوني اليومي. وكعادته، سأل: «ما هي عشرة أشياء كان بايدن يهمس بها في أذن زوجة وزير الدفاع؟»، ثم عدد العشرة. بعضها يخلط بين الفكاهة والتأمل. وأغلبها عن «أحسن فيلم» أو «أحسن عطر».
وكان كارتر يريد أن ينافس زوجته التي اشتهرت في الإنترنت، قبل شهور قليلة، فأعلن البنتاغون أنه فتح حسابا في موقع «فيسبوك». وبهذا صار أول مسؤول كبير في وزارة الدفاع يفعل ذلك.
في ذلك الوقت، كان يزور سنغافورة. وكتب: «يطير بي هنا مجموعة من أفضل طياري السلاح الجوي الأميركي. ها نحن نحلق فوق واحد من أكثر الممرات المائية الاستراتيجية أهمية في العالم».