وزير الخارجية التونسي: الإرهاب لن ينتصر رغم هجومي باردو وسوسة

الطيب البكوش قال لـ «الشرق الأوسط» إن مستقبل الأمن في كامل المنطقة رهين بمستقبل ليبيا.. ولا فتور في علاقتنا مع الجزائر

الطيب البكوش
الطيب البكوش
TT

وزير الخارجية التونسي: الإرهاب لن ينتصر رغم هجومي باردو وسوسة

الطيب البكوش
الطيب البكوش

اعتبر الطيب البكوش وزير خارجية تونس في حديث شامل مع «الشرق الأوسط» أن مستقبل الأمن والاستقرار في تونس وكامل منطقة شمال أفريقيا وجنوب أوروبا رهين المستجدات الأمنية والسياسية في ليبيا ونجاح جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية.
وأكد البكوش أن الإرهاب لن ينتصر في تونس، رغم هجومي باردو وسوسة، وفسر إعلان حالة الطوارئ بالحرب على الإرهاب. كما نوه بالشراكة بين حكومة تونس ولندن وبروكسل وبقية العواصم الأوروبية والدولية لرفع التحديات الخطيرة التي تواجه بلاده في المجالين الأمني والاقتصادي، خاصة بعد الهجمات الإرهابية، على المنتجعين السياحيين أخيرًا. وتوقع البكوش تطورًا إيجابيًا في علاقات تونس بالجزائر، نافيًا وجود فتور، كما أكد وجود خطة لتطوير العلاقات مع الدول الخليجية والأفريقية.

* بصفتكم عضوًا في الحكومة ونائبًا أول لرئيس حزب نداء تونس وأحد أبرز مؤسسيه مع الرئيس الباجي قائد السبسي، كيف تقيمون الوضع العام في البلاد؟ وهل تعتبرون أنّ إعلان حالة الطوارئ سيؤدّي إلى تحقيق شعار رفعتموه في حملتكم الانتخابية الرئاسية والبرلمانية (إرجاع هيبة الدولة) أم أنّ الاضطرابات والاعتصامات ستتواصل؟
- تونس اليوم ما زالت في مرحلة الانتقال الديمقراطي، وقد توفّقت إلى صياغة دستور جديد ذي مرجعية مدنية تقدّمية وتنظيم انتخابات حرّة نزيهة أفرزت رئيسا منتخبا من طرف الشعب، وبرلمانا تعدّديا لمدة نيابية، وأكسبت البلاد هيئات ومؤسسات من أولى أولوياتها إعادة الاستقرار للبلاد وضمان الأمن للمواطنين وإرجاع مصداقية الدولة وتحسين الخدمات وتوفير شروط الاستثمار وتعزيز الاقتصاد وتقليص البطالة والفوارق الاجتماعية ودعم صورة تونس في الخارج وتدعيم حضورها في المؤسسات الدولية.
بهذه المقاييس يمكن اعتبار تونس في الظرف الراهن استثناء فيما سمي بالربيع العربي. وبحسب تقييمات الأطراف الأجنبية والملاحظين فإنها نجحت فيما فشل فيه الآخرون. واليوم التحدي الأكبر هو كيفية دعم النجاحات السياسية على نسبيتها بنجاحات تنموية تعطي البعد الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والثقافي للبعد السياسي للانتقال الديمقراطي حتّى ندخل منطقة اللاّعودة ونحصّن المسار من مخاطر الانتكاسات. والحلّ يبقى في المراهنة دوما على تعزيز دور المؤسسات ودولة القانون وتجنب مظاهر الفوضى والتوتر، وفي هذا المجال وبالرجوع إلى سؤالكم يمكن القول إن البلاد أنجزت مكاسب لا بأس بها ولكن ما بقي لا يزال كثيرا.
واليوم تونس اعتمدت نظاما سياسيا ديمقراطيا يعترف بتعدّد وتنوّع الأدوار داخله في ما بين المؤسسات التي تكون المشهد السياسي. فلنا مؤسسة رئاسة الجمهورية باعتبارها رمزًا لوحدة وسيادة البلاد وضمانا لحرمة الفرد والمجموعة الوطنية ولقيم الجمهورية والحداثة، ولنا حكومة قائمة على ائتلاف حكومي متعدد المكونات وهي تجربة فريدة ورائدة. كما أن لنا برلمانا متعددا ومتنوعا يتعايش فيه الرأي والرأي الآخر ويقوم بدور الرقابة. كما لنا مجتمع مدني يقظ تحتل فيه المرأة الدور الريادي وننتظر من الشباب أن ينخرط أكثر في الشأن العام وأن يتحمل بدوره مسؤوليته في بناء المشروع المجتمعي الجديد وردّ الاعتبار لقيمة العمل والمشاركة في الحياة العامة. كما لنا إعلام متنوع ومتعدد سواء تعلّق الأمر بالصحافة المكتوبة أو بالسمعي - البصري أو بصفحات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من بعض التجاوزات فإن خيار الحرية يبقى هو الأفضل. وفي الأخير فإنّ الوضع العام بالبلاد بقدر ما يتوفّر على عناصر هامّة من الاستقرار والبناء لا تزال بعض العناصر المرتبطة ببعض المشاريع الهدامة ومنها مخاطر الإرهاب والتطرف تهدّد هذه المكاسب.
* ولكن ماذا عن إعلان حالة الطوارئ؟
- إعلان الطوارئ جاء بهدف تحصين البلاد ومؤسساتها والتضييق على محاولات الإرهابيين والمتربصين بأمنها واستقرارها. ويندرج قرار رئيس الجمهورية بعد التشاور مع الجهات المعنية بإعلان حالة الطوارئ حتى لا تستفيد الجماعات المتطرفة وتستغل مناخ الحرية لزعزعة كيان الدولة والمجتمع. فالمستهدف من هذا القرار هو الجماعات المتطرفة وليس المجموعة الوطنية ولا الفرد التونسي. كما أن المبادرة التشريعية الرئاسية بخصوص المصالحة الوطنية يمكن أن تشكّل دفعا للعدالة الانتقالية في الاتجاه الصحيح وفقا لتطلّعات الشعب وروح الدستور ودون الإخلال بمبدأ المحاسبة.
نعم.. إن إرجاع هيبة الدولة كما ذكرتم في سؤالكم لم يعد شعارا انتخابيا فحسب بل هو هدف أساسي في تعزيز أركان الدولة وفي بناء المشروع الديمقراطي. أما عما وصفته بالاضطرابات والاعتصامات العشوائية وعن مدى تواصلها في أنه من المرجو الفصل بين المطالب المشروعة السلمية القائمة على أسلوب الحوار والتفاوض واعتماد الواقعية والمرحلية وبين ما ينزع له البعض من محاولات تعطيل النسق العادي للدولة ومؤسساتها والإساءة لمصالح أفراد الشعب الحيوية التّي كثيرا ما لا تلقى صدى إيجابيا لدى عموم المواطنين أنفسهم.
* كيف تفسّرون تعاقب العمليات الإرهابية في تونس خلال الأشهر الستّة الماضية رغم تشكيل حكومة أفرزها البرلمان التعدّدي المنتخب وصادق عليها أكثر من ثلثي أعضائه؟ هل يستهدف الإرهاب ومن يقف وراءه «النموذج التونسي» السلمي؟
- إنّ تشكيل حكومة بمشاركة أربعة أحزاب هامّة وكثير من الشخصيات الوطنية وتزكيتها من قبل أكثر من ثلثي البرلمان كانت رسالة قوية تكرّس السّير السليم للانتقال الديمقراطي وتجسّد التوجّه الوطني التوافقي وهو ما لا يتماشى مع النيات والمخطّطات التخريبية للإرهاب والإرهابيين.
وقد أرادوا بعملياتهم هذه استهداف العملية الديمقراطية التونسية التّي أثبتت اليوم أنّ العالم العربي قادر على تجاوز ما يروّجه البعض من أنّ العرب غير قادرين وغير مؤهّلين للانتقال الديمقراطي. كما أن التجربة التونسية تشكّل الدليل القاطع على بداية نجاح ما سمّي بالربيع العربي.
ويجب أن ننوّه بالنجاحات الأمنية التّي ما انفكّت تحقّقها وحدات الأمن والحرس والجيش الوطني التّي مكّنت من القضاء على الكثير من العناصر الإرهابية الخطيرة وتحقيق تقدّم ملموس في استتباب الأمن وبثّ الطمأنينة في نفوس المواطنين. ولكن الدرب ما زال طويلا في هذا الشأن.
* إلى جانب التنسيق الأمني هل هناك تنسيق دبلوماسي سياسي مع بريطانيا والدول التّي سقط بين مواطنيها ضحايا في سوسة وباردو؟
- التنسيق الدبلوماسي بخصوص ملفّ الإرهاب متواصل منذ مدّة مع أهمّ الدول الشقيقة والصديقة. وقد شهد هذا التنسيق دفعا هاما إثر عمليتي باردو وسوسة، حيث تمّ تكثيف الاتصالات والتنسيق مع حكومات الدول التّي كان لها ضحايا في هاتين العمليتين ومنها بريطانيا على سبيل الذكر لا الحصر. وقد كانت مسألة مقاومة الإرهاب من بين أهمّ محاور اللقاءات والاتصالات الكثيرة التّي أجراها السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الحكومة وأنا شخصيا مع قادة ومسؤولي البلدان المعنية وغيرها من الدول ومن الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا.
وأذكّر في هذا السياق بالزيارة التّي قام بها السيد الحبيب الصّيد، رئيس الحكومة، والتّي رافقته فيها إلى بروكسل، حيث عقدنا لقاءات هامّة مع السيد جان كلود يونكر، رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، والسيدة فريديريكا موغيريني، الممثّلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ومع وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد، ركّزنا خلالها على حاجات تونس العاجلة على المستويين الاقتصادي والأمني.
وقد تحصّلنا على وعد صريح من الاتحاد الأوروبي بتعزيز دعمه للاقتصاد التونسي، خصوصا في القطاع السياحي، وبزيادة مساعدته في المجال الأمني وهو ما يعكس الرغبة الحقيقية في الوقوف إلى جانب تونس خلال هذه الفترة الحسّاسة وفي الإسهام في إنجاح التجربة الديمقراطية التونسية. كما أشير إلى الزيارة التّي أدّاها مؤخّرا السيد محمّد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب، إلى بريطانيا على رأس وفد هام في مسعى لتجاوز الآثار السلبية التّي خلّفها الهجوم الإرهابي بسوسة، وهي زيارة تؤكّد أنّ كلّ مؤسسات الدولة، سواء كانت حكومية أو برلمانية، قد تجندّت من أجل الحدّ من النتائج السلبية التّي ترتّبت عن هذا الهجوم الجبان وتجاوزها في أقرب وقت ممكن.
وقد عملت وزارة الشؤون الخارجية خلال الفترة الأخيرة على تحسيس الدول الشقيقة والصديقة بضرورة دعم التعاون الأمني والاستخباراتي على الصعيدين الثنائي ومتعدّد الأطراف قصد القضاء على آفة الإرهاب التّي تمثّل تهديدا مباشرا وخطيرا ليس على منطقتنا فحسب وإنما كذلك على السلم والأمن الدوليين. إنّ الإرهاب لا موطن ولا دين له وقد أصبح ظاهرة عابرة للحدود تستهدف أمن واستقرار كلّ البلدان. ويخطئ من يعتقد أنّه في مأمن من هذه الآفة. ويمكن أن أؤكّد أنّنا لمسنا من خلال اتصالاتنا تعاطفا وتضامنا قويا مع تونس في هذا الظرف الصعب والتزاما صريحا من شركائنا بمساندة بلادنا اقتصاديا وأمنيا حتّى تتمكّن من استكمال كامل مراحل مسارها الديمقراطي.
* هل تتوقعون انتصار تونس في معركتها ضدّ الإرهاب قبل تحقيق تهدئة في ليبيا؟
- لا شكّ أنّ الوضع الأمني في تونس يبقى شديد الارتباط بالوضع الأمني في الشقيقة ليبيا. وفي اعتقادنا أنّ الوضع لن يهدأ ويستقرّ في كافة دول الجوار إلاّ إذا استعادت ليبيا هدوءها واستقرارها. ولن يتمّ ذلك إلاّ من خلال تشكيل حكومة توافق وطني لديها القدرة على فرض الأمن والنظام والسيطرة على كامل التراب اللّيبي وتكون مؤهّلة كجهة رسمية للتعاون والتنسيق مع الجانب التونسي في كل المسائل الأمنية وأوّلها مراقبة الحدود المشتركة بين البلدين ومكافحة الإرهاب. وفي كلّ الحالات فإنّ تونس كثّفت مجهوداتها لمقاومة ظاهرة الإرهاب معتمدة في ذلك على إمكانياتها الذاتية وكذلك على الدعم الذّي هي بصدد الحصول عليه في إطار التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. وأنا على يقين بأنّنا سنوفّق في القضاء على هذه الآفة التّي تبقى دخيلة على المجتمع التونسي الذّي يعرف بتفتّحه وتسامحه ولن يقبل بالسلوكيات الهجينة التّي تسعى التنظيمات الإرهابية إلى فرضها.
* ما هي آفاق العلاقات التونسية - الليبية بعد غلق القنصلية والسفارة وتأكد وجود علاقة بين الإرهابيين التونسيين وتنظيمات مسلّحة ليبية؟
- علاقاتنا مع الشقيقة ليبيا تاريخية وعريقة. وهي تستند إلى مرتكزات تاريخية وجغرافية واجتماعية عميقة. ولقد برهنت هذه العلاقات في أوقات المحن والأزمات على صلابتها وصمودها. ونحن نأمل بعد أن رحبنا بتوقيع غالبية الأطراف الليبية على الاتفاق السياسي بالصخيرات في أن تتجاوز ليبيا أزمتها الراهنة في أقرب وقت للتفرغ إلى بناء أسس الدولة والتنمية والازدهار. وهو ما يعود بالنفع بطبيعة الحال على المنطقة ككلّ وعلى العلاقات التونسية الليبية بصفة خاصة.
* ما حقيقة العلاقة بين تونس والجزائر بعد ما تردّد في بعض وسائل الإعلام الجزائرية والتونسية من حصول توتّر وسوء تفاهم؟ وما آفاق الشراكة الاقتصادية بين البلدين؟
- العلاقة بين تونس والجزائر مُتجذّرة واستراتيجية، وهي تقُوم على التنسيق والتواصل المستمر بين قيادتي البلدين. واسمح لي بأن أذكّر أنّ الجزائر الشقيقة قيادة وشعبا، قد باركت جميع مراحل الانتقال الديمقراطي التونسي وآزرت بلادنا في المحن والظروف الصعبة التي مرّت بها مثلما آزرت تونس الشعب الجزائري الشقيق زمن الكفاح من أجل التحرّر الوطني وفي جميع المحن التي عرفها. فعلاقاتنا مع الجزائر متميزّة ولا وجود لأي سوء تفاهم كما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام. وكما تعلمون، توجد رغبة صادقة من البلدين لمزيد دعم التنسيق والتشاور الثنائي على جميع المستويات، خصوصا في الفترة الرّاهنة، لمواجهة ظاهرة الإرهاب التي تستهدف المنطقة برمّتها، ولبحث سبل وآفاق استتباب الأمن والاستقرار في الشقيقة ليبيا في إطار تسوية سياسية شاملة بمشاركة كل الأطراف دون استثناء.
وعلى المستوى الاقتصادي، ما فتئ البلدان يبذلان الجهود الضرورية للرفع في حجم التعاون ولتحقيق نسب أعلى في التبادل التجاري ولتنويع قاعدته، ولا سيما من خلال الاستفادة من الاتفاق التجاري التفاضلي الثنائي والعمل على تطويره. كما يتواصل العمل لتفعيل القرارات التّي تمّ اتخاذها بخصوص تنمية المناطق الحدودية وتأهيل المنافذ الجمركية لتحسين أدائها وخدماتها، علما بأن تونس تمثل وجهة سياحية تقليدية للأشقاء الجزائريين الذين ناهز عددهم المليون ومائتين وثمانين ألف سائح سنة 2014.
* هل تتوقعون أن تتطوّر علاقات تونس بالدول الخليجية اقتصاديا وماليا في ظلّ امتناع الدول الغربية عن تقديم مساعدات مالية حقيقية لتونس؟
- في البداية لا بد من رفع الالتباس حول العلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية، إذ خلافا لما هو رائج في بعض الأوساط السياسية والإعلامية فإنّ التعاون الاقتصادي والمالي قائم ويتدعّم بشكل مطّرد مع كل الشركاء الغربيين سواء الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. أمّا بالنسبة للتعاون الاقتصادي والمالي مع الدول الخليجية الشقيقة، فمن الضروري التأكيد على متانة الروابط التاريخية والأخوية التي تجمع تونس بهذه الدول وعلى أهمية العلاقات الاقتصادية القائمة معها سواء كان ذلك في شكل استثمارات في القطاع المصرفي التونسي أو في القطاع العقاري أو في شكل تمويل لمشاريع تنموية كالطرق والجسور وتهيئة المناطق السقوية وبناء المنشآت العمومية كالمستشفيات. ويبقى هذا التعاون مرشّحا لمزيد التدعيم خاصة في أفق إصدار مجلة الاستثمارات الجديدة واعتبارًا لما يربط تونس من علاقات ثقة واحترام متبادل مع كل الدول الخليجية.

* خطة شراكة مع أفريقيا والدول العربية
* ما آفاق تطوير العلاقات بين تونس ومحيطها العربي وعمقها الأفريقي؟
- يظل اتحاد المغرب العربي فضاء انتمائنا الطبيعي. وسنواصل العمل مع أشقائنا قادة دول الاتحاد لتجاوز حالة الجمود التّي يشهدها، غايتنا في ذلك التسريع في استكمال بناء مؤسساته لتحقيق التكامل والاندماج الاقتصادي المنشود. ولئن بقي الاندماج المغاربي معطّلا منذ سنوات، فإنّ تونس ما فتئت تعمل من أجل دعم تعاونها الثنائي مع مختلف أعضاء الاتحاد ساعية في نفس الوقت إلى تحريك الاتحاد المغاربي من جموده الذّي يتسبّب سنويا في فقدان ما يقارب النقطتين من نسبة النموّ بالنسبة لكلّ دولة مغاربية. ومن جهة أخرى، نسعى لتطوير علاقاتنا مع البلدان العربية الشقيقة في كل المجالات بما يخدم مصالحنا المشتركة وتطلعات شعوبنا في الرقي والرفاه. ونحن واثقون أنّ تونس ستستعيد مكانتها ودورها في دفع العمل العربي المشترك وفي تنقية الأجواء بين الأشقاء العرب وذلك بالحثّ على تغليب لغة الحوار والوفاق إزاء مختلف الأزمات التي تشهدها المنطقة. كما وضعنا ضمن أولوياتنا خطّة عمل لتكثيف التعاون مع بلدان القارة الأفريقية باعتبارها تمثّل عمقا استراتيجيا لتونس. وتعمل الدبلوماسية التونسية على استكشاف فرص الشراكة التجارية والاقتصادية والفنية مع هذه الدول التّي ما فتئت اقتصاداتها تحقّق نسب نموّ هامّة وبصفة متواترة، حيث توفّر فرصا واعدة وحقيقية في مجالات الاستثمار والمبادلات التجارية، بالإضافة إلى استعدادها للاستفادة من الخبرات التونسية في كثير من المجالات ولا سيما التعليم والصحة والتكوين المهني والبنية الأساسية.
* هل تجاوزت حكومة تونس ووزارة الخارجية تحديدا سوء التفاهم الذّي وقع سابقا مع تركيا؟
- في البداية أودّ التأكيد على أنّ العلاقات التونسية - التركية عريقة متينة وقوامها المشاورات الدورية بخصوص كلّ المسائل ذات الاهتمام المشترك. ونحن حريصون على مزيد من دعم هذه العلاقات حتّى ترقى إلى أعلى المستويات المرجوة من الطرفين. ولم يحدث سوء تفاهم كما ذهب إليه البعض بل كلّ ما في الأمر أنّه تمّ تأويل بعض ما صرّحت به بخصوص شبكات تسفير الجهاديين التونسيين إلى سوريا. وقد وضّحنا هذه المسألة وقتها إلى أصدقائنا الأتراك وتمّ تجاوزها نهائيا من خلال اللقاءات التّي جمعتني بكثير من المسؤولين من هذا البلد الشقيق. وقد اتّفقنا على تكثيف التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة وعلى دعم التعاون الأمني والاستخباراتي قصد المساهمة سويا في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.
* بعد قمّة الدول الصناعية السبع الكبرى في ألمانيا بمشاركة الرئيس الباجي قايد السبسي هل تتوقعون مساعدات اقتصادية ملموسة لتونس؟
- أودّ أن أذكّر أنّ دعوة السيد رئيس الجمهورية لحضور هذا الاجتماع هي في حدّ ذاتها اعتراف بالنجاح الذي حقّقته تونس في مجال الانتقال الديمقراطي على الرغم من الوضع الإقليمي والدولي الصعب. وقد مكّنت هذه المشاركة من إطلاع قادة الدول السبع الكبار على الخطوط العريضة لبرنامج الإصلاحات العميقة التّي ستقدم عليها تونس وما سيرافقها من تحدّيات تنموية واقتصادية واجتماعية وأمنية.
وقد تمّ الاتفاق على مواصلة التشاور مع حكومات هذه الدول قصد تحديد أولوياتنا واحتياجاتنا على الصعيدين الاقتصادي والأمني والتّي ستتمّ دراستها بصفة معمّقة خلال الفترة المقبلة، حيث أكد الطرف التونسي على ضرورة أن يكون حجم الدعم المرتقب في مستوى التحدّيات الرّاهنة. ولقد تلقينا تطمينات من هذه الدول بتوفير الدعم الكافي.
وفي كلّ الحالات ومهما كان حجم الدعم الدولي لبلادنا، فإنّ نجاح التجربة الديمقراطية التونسية لن يتحقّق من دون انصراف التونسيين للعمل والتعويل على طاقاتهم الإنتاجية وقدراتهم الذاتية وثروتهم البشرية للنهوض باقتصادنا الوطني وتحقيق التنمية الشاملة لتونس.



نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
TT

نيجيريا تقترب من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)
وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

كشف وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري، الدكتور بلو محمد متولي، لـ«الشرق الأوسط»، عن اقتراب بلاده من توقيع اتفاقيات عسكرية مع السعودية، بشأن برامج التدريب المشتركة، ومبادرات بناء القدرات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة، فضلاً عن التعاون الأمني ​​الثنائي، بمجال التدريب على مكافحة الإرهاب، بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال الوزير إن بلاده تعمل بقوة لترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، «حيث ركزت زيارته إلى السعودية بشكل أساسي، في بحث سبل التعاون العسكري، والتعاون بين نيجيريا والجيش السعودي، مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان».

الدكتور بلو محمد متولي وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري (فيسبوك)

وأضاف قائلاً: «نيجيريا تؤمن، عن قناعة، بقدرة السعودية في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتزامها بالأمن العالمي. وبالتالي فإن الغرض الرئيسي من زيارتي هو استكشاف فرص جديدة وتبادل الأفكار، وسبل التعاون وتعزيز قدرتنا الجماعية على معالجة التهديدات الأمنية المشتركة».

وعن النتائج المتوقعة للمباحثات على الصعيد العسكري، قال متولي: «ركزت مناقشاتنا بشكل مباشر على تعزيز التعاون الأمني ​​الثنائي، لا سيما في مجال التدريب على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية»، وتابع: «على المستوى السياسي، نهدف إلى ترسيخ الشراكة الاستراتيجية لنيجيريا مع السعودية. وعلى الجبهة العسكرية، نتوقع إبرام اتفاقيات بشأن برامج التدريب المشتركة ومبادرات بناء القدرات التي من شأنها أن تزيد من تعزيز قدرات قواتنا المسلحة».

وتابع متولي: «أتيحت لي الفرصة لزيارة مقر التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب في الرياض أيضاً، حيث التقيت بالأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، اللواء محمد بن سعيد المغيدي، لبحث سبل تعزيز أواصر التعاون بين البلدين، بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب».

مكافحة الإرهاب

في سبيل قمع الإرهاب وتأمين البلاد، قال متولي: «حققنا الكثير في هذا المجال، ونجاحنا يكمن في اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد، حيث أطلقنا أخيراً عمليات منسقة جديدة، مثل عملية (FANSAN YAMMA) التي أدت إلى تقليص أنشطة اللصوصية بشكل كبير في شمال غربي نيجيريا».

ولفت الوزير إلى أنه تم بالفعل القضاء على الجماعات الإرهابية مثل «بوكو حرام» و«ISWAP» من خلال عملية عسكرية سميت «HADIN KAI» في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا، مشيراً إلى حجم التعاون مع عدد من الشركاء الدوليين، مثل السعودية، لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.

وحول تقييمه لمخرجات مؤتمر الإرهاب الذي استضافته نيجيريا أخيراً، وتأثيره على أمن المنطقة بشكل عام، قال متولي: «كان المؤتمر مبادرة مهمة وحيوية، حيث سلّط الضوء على أهمية الجهود الجماعية في التصدي للإرهاب».

وزير الدولة النيجيري ونائب وزير الدفاع السعودي في الرياض (واس)

وتابع الوزير: «المؤتمر وفر منصة للدول لتبادل الاستراتيجيات والمعلومات الاستخبارية وأفضل الممارسات، مع التأكيد على الحاجة إلى جبهة موحدة ضد شبكات الإرهاب، حيث كان للمؤتمر أيضاً تأثير إيجابي من خلال تعزيز التعاون الأعمق بين الدول الأفريقية وشركائنا الدوليين».

ويعتقد متولي أن إحدى ثمرات المؤتمر تعزيز الدور القيادي لبلاده في تعزيز الأمن الإقليمي، مشيراً إلى أن المؤتمر شدد على أهمية الشراكات الاستراتيجية الحيوية، مثل الشراكات المبرمة مع التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب (IMCTC).

الدور العربي ـ الأفريقي والأزمات

شدد متولي على أهمية تعظيم الدور العربي الأفريقي المطلوب لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، متطلعاً إلى دور أكبر للعرب الأفارقة، في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على العرب الأفارقة أن يعملوا بشكل جماعي للدعوة إلى وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم والمساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين.

وأكد متولي على أهمية استغلال الدول العربية الأفريقية أدواتها في أن تستخدم نفوذها داخل المنظمات الدولية، مثل «الأمم المتحدة» و«الاتحاد الأفريقي»؛ للدفع بالجهود المتصلة من أجل التوصل إلى حل عادل.

وحول رؤية الحكومة النيجيرية لحل الأزمة السودانية الحالية، قال متولي: «تدعو نيجيريا دائماً إلى التوصل إلى حل سلمي، من خلال الحوار والمفاوضات الشاملة التي تشمل جميع أصحاب المصلحة في السودان»، مقراً بأن الدروس المستفادة من المبادرات السابقة، تظهر أن التفويضات الواضحة، والدعم اللوجيستي، والتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين أمر بالغ الأهمية.

وأضاف متولي: «حكومتنا مستعدة للعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لضمان نجاح أي مبادرات سلام بشأن الأزمة السودانية، وبوصفها رئيسة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي، تدعم نيجيريا نشر الوسطاء لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية».

وفيما يتعلق بفشل المبادرات المماثلة السابقة، وفرص نجاح نشر قوات أفريقية في السودان؛ للقيام بحماية المدنيين، قال متولي: «نجاح نشر القوات الأفريقية مثل القوة الأفريقية الجاهزة (ASF) التابعة للاتحاد الأفريقي في السودان، يعتمد على ضمان أن تكون هذه الجهود منسقة بشكل جيد، وممولة بشكل كافٍ، ومدعومة من قِبَل المجتمع الدولي».

ولفت متولي إلى تفاؤل نيجيريا بشأن هذه المبادرة بسبب الإجماع المتزايد بين الدول الأفريقية على الحاجة إلى حلول بقيادة أفريقية للمشاكل الأفريقية، مبيناً أنه بدعم من الاتحاد الأفريقي والشركاء العالميين، فإن هذه المبادرة لديها القدرة على توفير الحماية التي تشتد الحاجة إليها للمدنيين السودانيين، وتمهيد الطريق للاستقرار على المدى الطويل.