بدأ مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) أمس أولى جلساته الجديدة المخصصة لمناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، المعروض على أعضائه للتصديق النهائي، وإقراره والعمل به لتطويق ظاهرة الإرهاب.
وانطلقت النقاشات بحضور 144 نائبا من إجمالي 217 نائبا في البرلمان، في ظل حديث بين مختلف التيارات السياسية عن بوادر انفراج لأزمة الخلافات التي تعود إلى فترة المجلس التأسيسي، ومن ثم إنهاء الجدل بشأن النقاط الخلافية التي عطلته لمدة أربع سنوات تقريبا، وهو ما يعني الالتزام بموعد 25 يوليو (تموز) الحالي للانتهاء منه والتصديق عليه.
وتطلب الأمر نحو أربعة أشهر أخرى من التجاذب السياسي والنقاش المعمق بين حكومة الحبيب الصيد، صاحبة المشروع، وبقية الأطراف المختلفة، التي تضم سياسيين، وممثلين للمجتمع المدني، ونوابا بالبرلمان، ومنظمات حقوقية، قبل وصوله إلى مرحلة النقاش النهائي ضمن جلسة برلمانية. وقد صادق مجلس الوزراء التونسي على هذا القانون في 25 مارس (آذار) الماضي، ثم بدأ النظر في محتوياته داخل اللجان البرلمانية يوم 17 أبريل (نيسان) من السنة الحالية، قبل أن يصل إلى مرحلته النهائية الحالية بعرضه على النقاش البرلماني.
ويتضمن مشروع القانون الجديد 138 فصلا، تركز على قضيتين أساسيتين هما مكافحة الإرهاب، ومنع غسيل الأموال وزجره. فيما يتكون مشروع القانون من 11 قسما، من بينها الأحكام العامة والجرائم الإرهابية والعقوبات.
ويتضمن هذا القانون الجديد - الذي سيحل محل قانون 10 ديسمبر (كانون الأول) 2003، فصولا قانونية تجرم الإرهاب، وعقوبات تصل إلى حد عقوبة الإعدام ضد مرتكبي الجرائم الإرهابية.
وأثنى محمد الناصر، رئيس البرلمان التونسي، بالمناسبة على الجهود التي بذلتها اللجان البرلمانية الأربع التي نظرت في مشروع القانون، وقرر مجلس نواب الشعب عقد جلسات صباحية ومسائية وليلية للنظر في محتويات هذا القانون. فيما أكد رؤساء الكتل البرلمانية على ضرورة إيجاد أرضية وفاق حول أغلب مقترحات تعديل القانون بهدف التصديق عليه قبل يوم 25 يوليو الحالي، كما تم الاتفاق على ذلك سابقا. واعتبر الناصر أن إصدار قانون لمكافحة الإرهاب لا يكفي وحده للتخلص من هذه الظاهرة الدخيلة على الشعب التونسي، لكنه يمثل «ركنا أساسيا لمحاربة الأفكار المتطرفة»، حسب تعبيره.
ووفق مصادر برلمانية تونسية، فإنه من المنتظر أن تشهد عدة نقاط خلافات حادة بين مكونات البرلمان، ويتعلق الأمر خاصة بعقوبة الإعدام التي رأت فيها منظمات حقوقية تراجعا في مجال حقوق الإنسان، كما أن نقطة تجريم «التكفير والدعوة إليه والتحريض على الكراهية والتباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب والدعوة إليها» الواردة بالفصل الـ13 من القانون الجديد قد تثير حولها الكثير من الجدل والنقاش.
وتنتظر عدة أطراف مساهمة في مكافحة الإرهاب، من بينها قوات الأمن والجيش والقيادات السياسية، أن يسهم القانون الجديد في الحد من مخاطر الإرهاب بشكل أكثر نجاعة، إلا أن أطرافا سياسية أخرى، من بينها حركة النهضة الإسلامية ذات الوزن البرلماني الكبير، دعت إلى معالجة شاملة لظاهرة الإرهاب، وعدم الاكتفاء بالحلول الأمنية، معتبرة أن الظاهرة اجتماعية واقتصادية وحضارية كذلك.
وبشأن محتوى هذا القانون الجديد، تمت إضافة آلية جديدة تتعلق بحماية القوات الحاملة للسلاح خلال تدخلها في محاربة الإرهاب. وكان الناصر قد أشار إلى أن تدخل قوات الجيش على مستوى المناطق السكنية (المدن) لا يجد غطاء قانونيا منظما له. ودعا نواب البرلمان إلى تضمين قانون مكافحة الإرهاب في نسخته الجديدة غطاء قانونيا لتدخلات الجيش في المدن أثناء ملاحقته للعناصر المتطرفة. واعتبر الناصر أن تدخل قوات الجيش في الفترة الماضية في مدن القصرين وسيدي بوزيد، وجندوبة، والكاف، وباردو، وسوسة، لا يحظى بغطاء قانوني، وهو ما قد يعرض وزارة الدفاع للمساءلة أمام البرلمان والتتبع القضائي.
وفي تعليقه على ما يدور من نقاش حول القانون الجديد، قال علي العريض، الأمين العام لحزب حركة النهضة الإسلامية، إن موعد 25 يوليو يمكن احترامه، ومن ثم التصديق على القانون الجديد في الأجل المحدد. واعتبر أن هذا القانون أخذ حظه من الدراسة والنقاش، داعيا إلى ضرورة الملاءمة بين نجاعة التدخلات الأمنية والعسكرية من ناحية، واحترام الحقوق والحريات العامة والخاصة من ناحية ثانية.
من جهته، اعتبر جلال غديرة، رئيس لجنة شؤون الإدارة والقوات الحاملة للسلاح (لجنة صلب البرلمان التونسي)، في تصريح إعلامي قبل انطلاق الجلسة البرلمانية أن القانون الجديد «رائد وجيد وممتاز»، إلا أنه يفتقر لفصول قانونية تجرم الأعمال الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتطرفة الكبرى، على غرار تنظيم داعش. وطالب غديرة بضرورة التمديد في مدة المراقبة القضائية للعناصر المتشددة، لأكثر من ثمانية أشهر كما ينص على ذلك مشروع القانون الجديد. وعلل هذا المقترح باستنباط المجموعات المتطرفة لطرق مبتكرة تهدف إلى مراوغة الأجهزة الأمنية، مشددا على أن التمديد في فترة المراقبة يمكن أن يمنع تكرار العناصر المتطرفة مزاولة أنشطتها الإجرامية.
من جانبه، اقترح فيصل التبيني، النائب عن حزب صوت الفلاحين (تأسس بعد الثورة)، رفع الحصانة بصفة آلية عن كل من يشمله بحث جزائي في علاقة مع ملف الإرهاب. واعتبر أن هذا الإجراء يبعث برسالة إيجابية إلى كل التونسيين، على حد تعبيره.
ووعد محمد الناصر، رئيس البرلمان، بإنهاء عملية التصديق على القانون الجديد بالتزامن مع احتفال تونس بعيد الجمهورية الذي يوافق هذه السنة السبت المقبل. واعتبر أن احترام هذا الأجل وارد جدا في حال تفهم أعضاء البرلمان طبيعة المرحلة التي تمر بها تونس.
على صعيد متصل بملف الإرهاب، قالت وزارة الداخلية إن سيارة مدنية لم تمتثل لأوامر إحدى الدوريات الأمنية في منطقة الأمن الوطني بباردو أمس، ولاذت بالفرار بعد أن أطلق أفرادها النار على الدورية الأمنية لكن دون تسجيل إصابات من الجانبين.
ووفق الرواية الأمنية الرسمية، فقد جرت مطاردة السيارة وتمّ العثور عليها غرب العاصمة، وبداخلها مسدس بلاستيكي (لعبة)، وأحيل الملف إلى الفرقة المختصة في جرائم الإرهاب.
البرلمان التونسي يبدأ أولى جلساته للتصديق على قانون مكافحة الإرهاب
عقوبة الإعدام وتجريم التكفير من أهم النقاط التي ما زالت تثير خلافًا بين أعضائه
البرلمان التونسي يبدأ أولى جلساته للتصديق على قانون مكافحة الإرهاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة