المغرب: قضية الزواج العرفي تعيد إلى الواجهة قضية الأخلاق في السياسة

بدأت بالرغبة في عقد القران بين وزيرين.. وانتهت بقصة مذيع «الجزيرة»

المغرب: قضية الزواج العرفي تعيد إلى الواجهة قضية الأخلاق في السياسة
TT

المغرب: قضية الزواج العرفي تعيد إلى الواجهة قضية الأخلاق في السياسة

المغرب: قضية الزواج العرفي تعيد إلى الواجهة قضية الأخلاق في السياسة

أعادت قضية «الزواج العرفي»، التي شغلت الرأي العام المغربي في الآونة الأخيرة، مسألة الأخلاق في السياسة إلى الواجهة، واضعة حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، ومتزعم الائتلاف الحكومي، على المحك.
ويرى مراقبون في انشغال المغاربة، سياسيين ومثقفين وفاعليات مختلفة، بعناوين المسألة الأخلاقية، أمرًا لا يعني سوى أن هذه القضية فرضت نفسها على الجميع، وصار مستحيلا الفصل بينها وبين باقي القضايا المحورية التي تؤسس الجدل الدائر في المنتديات وأعمدة الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.
البداية كانت أشبه بصدمة سياسية أدت ضمن تداعياتها إلى استقالة وزيرين في حكومة عبد الإله بن كيران، هما الحبيب الشوباني وزير العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، وسمية بن خلدون الوزيرة المنتدبة في التعليم، جراء الرغبة في زيجة عدت منافية للإجراءات التي تتضمنها مدونة (قانون) الأسرة. ولم يكن مصدر الإثارة يكمن في الطابع المشروع لمفهوم التعددية الزوجية، المكفولة بروح القدرة والإنصاف والعدل والمساواة، ولكن في إقدام وزيرين ينتميان إلى حزب العدالة والتنمية المحافظ، على تقديم صورة مخلة ببرهان المناصفة التي أقرها دستور البلاد.
وقد اعتبر رئيس الحكومة المغربية استقالة الوزيرين الشوباني وبن خلدون أقرب إلى «التضحية»، مع أنه لم يكن واردًا اللجوء إليها لولا التأثير السلبي الذي أحدثته هذه القضية، وأصبحت تحتل العناوين العريضة للصحافة المحلية والدولية. غير أن مضاعفات هذه الاستقالة ستنحو في اتجاه آخر، ليس أبعده أن المسألة الأخلاقية اعتلت الواجهة.
فقد تحول حفل غناء نقلت وقائعه القناة التلفزيونية المغربية الثانية (دوزيم) إلى صك اتهام بمبرر أنه يخدش الحياء. وفي واقعة أخرى ذات صلة عابت فاعليات سياسية وقانونية واجتماعية على الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية) رعاية حفل زواج عرفي، كان بطله مقدم البرامج في فضائية «الجزيرة» أحمد منصور، الذي صدرت عنه اتهامات شنيعة ضد المغاربة. فيما ارتفعت أصوات منددة باعتقال فتاتين لمجرد أنهما كانتا ترتديان تنورة، ضمن ما عُد خدشا للحياء في شهر رمضان الفضيل، ثم اضطرت الحكومة للإعلان صراحة أنه لا أحد بإمكانه أن يفرض ممارسات خارج القانون، على خلفية تعرض شاب مثلي في مدينة فاس إلى الضرب والتعنيف.
وتشير هذه الوقائع مجتمعة أو منفردة إلى قضية في غاية الأهمية، كثيرا ما تثار حول حدود ممارسة الحرية الفردية في علاقاتها مع قيم المجتمع وتقاليده. وإذا كان من الصعب الاتفاق على رأي موحد حول القضية التي تثار عادة بارتباط مع أوضاع المرأة وقضايا الجنس ونوعية اللباس وأنواع الممارسات، التي تتغير النظرة إليها من زاوية لأخرى، فإن اقترانها بموعد الاستحقاقات الانتخابية لا يترك مجالا أمام استخلاص أنها تروم استمالة الناخبين، خصوصا الفئات المحافظة.
ويعتقد مراقبون لهذه التطورات أن المواعظ الأخلاقية لا تنوب عن البرامج السياسية والاقتصادية التي تنشد تغيير المجتمع نحو الأفضل، ويرون أن من ميزة التدافع السياسي في المغرب أنه حسم في قضايا الهوية ورهان الحريات في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يعني أن نقاش المفاهيم الأخلاقية لا يمكنه أن يتحول إلى برنامج انتخابي، وإن رغبت بعض الأطراف المتصارعة في ركوب موجاته، بالنظر إلى تأثيره المعنوي. لكن الانحراف الحقيقي هو ما يطال السلوك السياسي.
يبقى من غير المفهوم كيف أن حزب العدالة والتنمية الذي كان وضع «الحرب على الفساد» شعارا محوريا ضمن برنامجه الانتخابي، ثم أجندة الحكومة التي يقودها زعيمه عبد الإله بن كيران، ورط نفسه في جزئيات لا يمكنها حل المعضلات الحقيقية في التنمية والتطور وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. لكن ذلك لا يعفي خصومه السياسيين من أنهم انجذبوا إلى معارك هامشية، وقد تترجم هذه الحالة إلى مأزق النخب السياسية. وإذا كانت قناة تلفزيونية نقلت وقائع حفل اعتُبر خادشًا للحياء، فإن رعاية زواج عرفي لمقدم البرنامج أحمد منصور لا يقل فداحة عن الخطأ الأول.
تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي أقرت فيه السلطات المغربية خطة طموحة للقضاء على ظاهرة الزواج العرفي وزواج القاصرات، يصبح من التناقض البين رعاية حفل مماثل، لأن صاحبه ما فتئ ينصب نفسه مدافعا عن الحركات الإسلامية، وإذا كان من حقه أن يختار حلفاءه، فلا أقل من الإذعان إلى منطق القانون الذي يناهض الزواج العرفي. فذاك يعني استباحة كرامة النساء ضحايا هذا النوع من الزيجات والتلاعب بمصير الأبناء. والأخطر في القضية أن «الصفقات السياسية» تكون على حساب الحقائق الإعلامية.
في بداية عهد حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس، عندما بدا للمشرع المغربي أن خطة بكين لإدماج المرأة في التنمية، قد تعرض المجتمع إلى الانقسام، بادر العاهل المغربي إلى إقرار مدونة جديدة ومتقدمة للأسرة، وذلك بعد مشاورات مكثفة شارك فيها علماء الدين ونخب السياسة والمجتمع، وبالتالي يرى متابعون للشأن السياسي في المغرب أنه من غير المقبول الإجهاز على معالم هذا المنظور المتطور بدافع أخلاقي وحزبي، بغاية الربح الانتخابي فقط، مع أن مجال المنافسة في هذا السياق مفتوح على أمهات المشكلات والتحديات الاقتصادية ورهانات التنمية والديمقراطية، القائم على نبذ الاحتكار والاستئثار واحترام التعددية ومقومات الهوية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.