دخلت صحيفة «هافينغتون بوست» في شراكة مع المدير العام السابق لقناة «الجزيرة» الفضائيّة القطرية، وضاح خنفر، لإطلاق طبعة عربية. تستهدف الجمهور المتزايد لتليفونات الموبايل، خاصة الشباب في منطقة الشرق الأوسط، حسب ما قالت صحيفتا «فاينانشيال تايمز» و«غارديان» البريطانيتان.
تتكون الشراكة من الشركة المالكة لصحيفة «هافينغتون بوست» (آي أو إل)، وشركة «إنتيغرال ميديا استراتيجي» (يملكها خنفر)، لإصدار ما ستسمى «هافينغتون عربي». يتوقع أن يكون الإصدار في مطلع العام المقبل. وأن يكون المقر في لندن، لأن ذلك، كما قال خنفر، «يتيح مسافةً كافية لإنجاز عمل متوازن، وغير منحاز آيديولوجيًا، أو ملتزم سياسيًا».
صار واضحا أن هذه خطوة أخرى على طريق تحويل «هافينغتون بوست» إلى منصة إخبارية دولية.
خلال السنوات القليلة الماضية، أصدرت الصحيفة طبعات في البرازيل، وكوريا الجنوبية، وألمانيا. وكان متوقعا إصدار نسخة باللغة الهندية في مايو (أيار) الماضي، لكن، تأخر ذلك. وتظل النسختان الإنجليزية والفرنسية هما الأشهر.
قالت أريانا هافينغتون، رئيسة مجموعة «هافينغتون» للإعلام، ومؤسسة الصحيفة، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» عن الطبعتين الإنجليزية والفرنسية: «تحررتا من قيود الإعلام التقليدي، وصارتا تقدمان صحافة مختلفة عن تلك التي في كل من الولايات المتحدة وفرنسا».
وقالت لصحيفة «غارديان» عن النسخة العربية المتوقعة: «كان حلما لنا منذ ما يزيد على ثلاث سنوات. وذلك لأنه توجد حاجة كبيرة لمنصة عربية، تساعد على فهم أعمق للحياة في العالم العربي. من مشكلاته، إلى إنجازاته وحتى الإمكانات غير المستغلة». وأضافت أن «الموقع سيتحدث عن كل المواضيع الحساسة (دون خطوط حمراء) مثل: حقوق المرأة، وحريّة التعبير».
من أريانا هافنغتون، وما أهمية «هافينغتون بوست»؟
يصفها بعض الإعلاميين والسياسيين في الولايات المتحدة بأنها «الإغريقية المناكفة». وذلك لأنها ولدت في اليونان. ولأنها، بعد أن هاجرت إلى الولايات المتحدة ودخلت المجال السياسي (قبل الصحافي)، اشتهرت بالمناكفات السياسية.
عمرها 60 عاما، وولدت في أثينا، واسمها الأصلي هو: «أرياديني أنا ستاسينوبولس».
ولدت في عائلة صحافية: كان والدها صحافيا. وتظل أختها صحافية وكاتبة وممثلة.
عندما صار عمرها 16 عاما، انتقلت إلى بريطانيا، حيث التحقت بكلية غيرتون في كمبردج لدراسة الاقتصاد. وهناك، وفي سن صغيرة، دخلت مجال العمل، والنشاطات الطلابية والسياسية. وصارت أول رئيسة غير بريطانية لاتحاد كمبردج.
ومثلما دخلت الجامعة في سن مبكرة، ودخلت السياسة في سن مبكرة، دخلت عالم الحب في سن مبكرة، في أول عام لها في كمبردج.
في وقت لاحق كتبت عن أستاذها وصديقها الصحافي بيرنارد ليفين، الذي عمل في «بي بي سي» (الإذاعة البريطانية)، وصحف بريطانية (توفي قبل عشرة أعوام): «لم يكن فقط أكبر حب في حياتي، بل كان، أيضا، مرشدي، وأستاذي في الكتابة، والتفكير». وكتبت أنه أدخلها «عالم التعليم الليبرالي، وعالم العمل الصحافي لخمسة أعوام، اشتركت معه في عمله مراسلا ثقافيا لإذاعة (بي بي سي)».
وأيضا، بدأت كتابة الكتب في سن مبكرة. عندما بلغ عمرها عشرين عاما، كتبت «بمساعدة ليفين» كتاب: «فيميل وومان» (الأنثى المرأة).
افتخرت فيه بأنها «محافظة، ومتدينة». وأشارت إلى دينها المسيحي الأرثوذكسي. وانتقدت كتاب «فيميل أيوناش» (الأنثى المخصية) الذي كانت كتبته جيرمين غرير، من زعيمات حركة تحرير المرأة في الولايات المتحدة. ومن مؤسسات منظمة «فيمينيزم اليانس» (التحالف الأنثوي).
وكتبت هافينغتون: «تقول قائدات حركة تحرير المرأة إن تحقيق التحرر الكامل للنساء سيحول حياة جميع النساء إلى ما هو أفضل. لكن، الحقيقة هي أنه سيحول فقط حياة النساء المثيات».
إلى أميركا
لكنها اختلفت مع أستاذها وصديقها ليفين. وكتبت، في وقت لاحق: «كان لا بد أن أفضله على الأطفال»، وقصدت أن عمرها بلغ ثلاثين عاما، وظل هو يرفض إنجاب أطفال. في عام 1980، تركته، وجاءت إلى الولايات المتحدة.
وجاءت معها مناكفاتها. ولم تمض فترة طويلة حتى اشتهرت في الأوساط الصحافية في نيويورك، وذلك لأنها بدأت كتابات مثيرة للجدل. خاصة في مجلة «ناشيونال ريفيو» (المحافظة). ومنذ ذلك الوقت، سميت «الإغريقية المناكفة».
كتبت أول كتبها (في بريطانيا) وعمرها عشرون عاما. وكتبت ثاني كتاب (في أميركا)، وعمرها ستة وعشرون عاما: «سيرة حياة ماريا كلاس» (مغنية أوبرا أميركية إغريقية). وعمرها أربعة وثلاثون عاما، كتبت الكتاب الثالث: سيرة حياة بابلو بيكاسو (الرسام الإسباني).
بين الكتابين الثاني والثالث، وجدت زوجا: مايكل هافينغتون. أميركي، ورجل أعمال، وسياسي. والدته مهاجرة إغريقية، مثلها. وديانته الأرثوذكسية الإغريقية، مثلها. وجمهوري محافظ، مثلها. ولا بأس، كان والده من أغنى رجال ولاية كاليفورنيا. غير أنهما تطلقا بعد عشرة أعوام، بعد أن أنجبا بنتين، وبعد أن صارت أريانا من المليونيرات (لكنها كانت تنتمي لعائلة غنية في اليونان).
مثلما كتبت عن الرجل الأول في حياتها، ليفين، أسرارا، انتقدت بسببها، بأنها ما كان يجب أن تكتبها، كتبت عن زوجها هافينغتون (بعد الطلاق) أسرارا عن ميوله الجنسية. ومرة أخرى، انتقدت بأنها ما كان يجب أن تكتبها.
لكن، خلال سنوات الزواج العشر، ساعدها الرجل في حبها للشهرة. خاصة عندما ترشح، وفاز، بعضوية الكونغرس من ولاية كاليفورنيا (لدورة واحدة، سقط في المرة الثانية، قبل الطلاق بعامين).
الجنسية الأميركية
ساعدها زوجها في شيء آخر: الحصول على الجنسية الأميركية (عام 1990، بعد أربعة أعوام من الزواج). وبعد الطلاق، بدأت تغير انتماءها السياسي من الحزب الجمهوري، تدريجيا. قدمت برنامجا إذاعيا هو «اليمين، الوسط، اليسار». وبدأت تنتقد نظام الحزبين في الولايات المتحدة، والانتماءات الحزبية بصورة عامة.
في عام 2003، ترشحت مستقلة لتكون حاكمة لولاية كاليفورنيا. نافست أرنولد شوارزينغار (الممثل العملاق، المهاجر من النمسا). في ذلك الوقت تندرا على بعضهما البعض:
هي قالت: «مثل منافسة سيارة (هامر) لسيارة (فولكس فاغن)».
هو قال: «كم مائة عام احتلت الإمبراطورية النمساوية اليونان؟».
لكن، واجه الاثنان انتقادات كثيرة لأن المنافسة بينهما كانت شخصية جدا، وكانت بذيئة في بعض الأحيان. وسمتهما صحف محلية: «المهاجرين الأجنبيين».
الصحافة
خلال عشرين عاما في كاليفورنيا، لم تكتف هافينغتون بالنشاطات السياسية. قدمت برامج إذاعية وتلفزيونية، وواصلت كتاباتها المناكفة في الصحف، بل مثلت في مسلسلات تلفزيونية، وأخرجت أفلاما وثائقية قصيرة.
ثم ركزت على العمل الصحافي عندما أسست صحيفة «هافينغتون بوست»، نسخة إلكترونية منافسة لصحيفة «واشنطن بوست». كانت هافينغتون انتقدتها كثيرا، واتهمها بأنها «ليبرالية متطرفة». وكانت «واشنطن بوست» كتبت كثيرا عن مناكفاتها، وتجاوزاتها. مما كتبت، قصص عن سنواتها في بريطانيا، ومغامراتها، وغرامياتها بعضها اعتمادا على صحيفة «إندبندنت» البريطانية، عن خدع، وتزويرات، وأكاذيب، وقضايا في محاكم بريطانية). لكن، حتى في الولايات المتحدة، طاردت التزوير والأكاذيب هافينغتون. مثلا: قاضاها أستاذ في جامعة فيرجينيا بأنها نقلت أجزاء من كتابه عندما كتبت كتابها عن بيكاسو.
لكن، لم تقف اتهامات، أو إساءات، أو قضايا، أمام طموحها الجارف:
بدأت «هافينغتون بوست» بموقع «أدريانا أون لاين«، ثم موقع «هافينغتون أون لاين». كان ذلك في آخر سنوات الرئيس بيل كلينتون في البيت الأبيض، مع فضيحة علاقته الجنسية مع سكرتيرة البيت الأبيض مونيكا لونسكي. وشنت هافينغتون حملة عنيفة عليه. وكتبت:
«رجل غارق في نرجسية مذهلة، وفي انغماس ذاتي. لكن، لا يجرؤ أحد من جيوش الوزراء والمستشارين على أن يتحداه. وها هو يستعمل الأجهزة الحكومية لإنكار الحقيقة».
وهكذا، اشتهرت صحيفة «هافينغتون بوست» بالمناكفة (في الحقيقة، النقد اللاذع)، حتى منذ قبل ولادتها.
وهكذا، نجحت نجاحا نادرا. وصارت أنجح صحيفة إلكترونية سياسية جادة (دون طبعة ورقية) في الولايات المتحدة. ثم بدأت تغزو العالم: بريطانيا، وفرنسا، والبرازيل، وألمانيا، إلخ.. والآن، العالم العربي، وكأنها تريد غزوا إغريقيا من نوع جديد.