* من يبحث يجد فيلما بعنوان «معركة القرن»، أو بالأحرى سيجد نصفه. هو ليس فيلما حربيًا كما قد يوحي العنوان، بل كوميديا صامتة من بطولة أفضل ثنائي كوميدي عاش على وجه الأرض: لوريل وهاردي.
* الفيلم من إنتاج سنة 1927 قام بإنتاجه هال روش، الذي وقف وراء الكثير من الأفلام الكوميدية الصامتة في تلك الفترة، وأخرجه كلايد بروكمان الذي كان حقق حتى وفاته سنة 1955 120 فيلما غالبها قصير. صوّره، في استوديو روش، جورج ستيڤنز، الذي أخرج لاحقًا 58 فيلما أنتجها في الأربعينات ومن بينها الوسترن «شاين» مع ألان لاد والدراما «عملاق»، آخر أفلام جيمس دين.
* من يُـشاهد ذلك النصف الموجود من «معركة القرن» سيتابع قصّـة الكوميدي البدين هاردي وهو يحاول ابتكار حادثة تصيب صديقه لوريل لكي يقبض بوليصة تأمين على حياته. فجأة يصل سائق سيارة حلوى ويخرج قالبًا كبيرًا لتسليمه. يدوس على قشرة موز. تنقلب الحلوى على وجه هاردي. هاردي يرد برمي قالب حلوى على السائق. السائق على لوريل. لوريل على شرطي والدائرة تكبر وتكبر فإذا بقوالب الحلوى تطير في كل اتجاه وتحط على كل وجه. الروائي الأميركي الراحل هنري ميلر اعتبره «أفضل فيلم كوميدي» وقال: «ليس فيه سوى رمي قوالب الحلوى… لا شيء سواها… ألوف وألوف منها والكل يرميها على الجميع». في الواقع، وحسب مؤرخين موثوقين، تم استخدام 3000 قالب «غاتو» في تصوير هذا الفيلم.
* رمي قوالب الحلوى على الوجوه كان شائعًا كتفعيلة كوميدية. أولاً هي خالية من العنف والألم أو الدم. ثانيًا هي، بالنسبة لمشاهدي ذلك الحين، خسارة لطعام لم يكن كثير يملك ثمنه وإن امتلك ثمنه واشتراه لم يفرّط به. ثالثًا أن الفعل نفسه مضحك بحد ذاته. رمي الحلوى على الوجوه بدأ في فيلم للكوميدي لفاتي أرباكل عنوانه «ضجيج من الأعماق» (1913) واستمر طويلاً من بعده، لكن الفيلم الذي خص نفسه به هو هذا الفيلم المفقود نصفه.
* ما نشاهده في ذلك النصف المتوفر هو بداية جولة رمي الحلوى ومشهدًا أخيرًا للوريل وهاردي ملطّـخين بالكريم والماسترد. ما بينهما كان مفقودًا وتم استبداله ببطاقات في السبعينات حتى يتسنى للمشاهدين فهم ما حدث. حتى مع ذلك الإيجاز، فإن الفيلم مضحك فكيف يكون وقد تم اكتشاف النصف المفقود وسيجري تنظيفه وترميمه ولصقه بالأصل؟
* في كتاب وضعه جون ماكاب قبل عقود بعنوان «مستر لوريل ومستر هاردي: سيرة حياة متعاطفة» ذكر له ستان لوريل أن الغاية من الفيلم كانت «تصوير يوم قيامة من الحلوى». طبعًا عمدت أفلام أخرى لكوميديا رمي الحلوى (منها على سبيل المثال «السباق الكبير» سنة 1965) لكن ذلك الفيلم بقي للمؤرخين أب كل ما تبعه في هذا الشأن والأوسع مدى في حجم استخدام الحلوى.
* الاكتشاف لم يتم سريعًا. في العام 1974 توفي «جامع أفلام» Film collector اسمه روبرت يونغستون كان حقق فيلما بعنوان «العصر الذهبي للكوميديا». خلال بحثه وجد النصف الضائع لكنه استخدم منه جزءًا بسيطًا لفيلمه. بعد وفاته توزعت مكتبته على ثلاثة أفراد أحدهم محام اسمه غوردون بركيو وهذا مات سنة 2004 فحصل صديقه جون ميرساليس على إرثه من الأفلام وبلغ عددها 2300 فيلم وجزء من فيلم ونقلها إلى دارته في سان فرانسيسكو. على مدى سنوات، فحص هذه الأفلام وفي أحد الأيام فتح أحد الصناديق وطالع الجزء المفقود من «معركة العصر».
* بالنسبة لواحد يلتهم الأفلام القديمة كما يستنشق الهواء، مثلي، فإن ذلك الاكتشاف الذي سيصبح جاهزًا للعرض بعد نحو عام من الآن، هو أهم مما إذا كان فيلم ستيفن سبيلبرغ المقبل «جسر الجواسيس» مثلاً، سينجح أو سيفشل. تذكير بعظمة هذا الفن وقدرته على الحياة المستمرة. تعرض فيلما صامتًا فإذا بالشاشة تحفل بالموتى أحياء. التاريخ يزورك. يعود إليك مناقضًا طبيعة الأشياء.
المشهد: فن رمي قوالب الغاتو على الوجوه
المشهد: فن رمي قوالب الغاتو على الوجوه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة