يبدو أن مصر باتت على موعد سنوي «رمضاني» مع العمليات الإرهابية الكبرى التي تُسقط عشرات الضحايا من الأبرياء دون مراعاة لقدسية الشهر الكريم، خلافًا لأعمال العنف المتفرقة التي تضرب البلاد منذ نحو أربع سنوات. وبحسب ما يشير إليه المراقبون فإن «شهر رمضان أصبح بمثابة الفرصة الثمينة للجماعات المتطرفة من أجل تجنيد الشباب والدفع بهم للقيام بعمليات انتحارية، أكثر من غيره من الشهور، على اعتبار أن ثواب ما يزعمون أنه جهاد في سبيل الله سيكون مضاعفا في هذا الشهر». ووفقا لإحصائية أعدها المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة فإن هناك نحو 32 عملية إرهابية، نفذتها أربع تنظيمات إرهابية، خلال الأسبوع الماضي فقط في الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو 2013، تراوحت ما بين اغتيال وتفجيرات انتحارية وزرع عبوات ناسفة.
اغتيل النائب العام المصري المستشار هشام بركات يوم 29 يونيو (حزيران) الماضي في تفجير بموكبه بسيارة مفخخة، تبعه هجوم مسلح استهدف كمائن عسكرية شمال سيناء في الأول من يوليو (تموز) الحالي، تبناه تنظيم «ولاية سيناء» التابع لتنظيم داعش، وأسفر عن مقتل 17 جنديا وضابطا وأصيب 13 آخرون من عناصر الجيش المصري، لتشكل بذلك أحدث العمليات الإرهابية التي وقعت في نهار رمضان. وقد رد الجيش المصري بعملية أمنية محكمة استمرت أكثر من 5 أيام، قتل خلالها 241 «إرهابيا»، وفقا لما أعلنه المتحدث العسكري العميد محمد سمير.
يقول اللواء سلامة الجوهري، مدير وحدة مكافحة الإرهاب السابق بالمخابرات الحربية، لـ«الشرق الأوسط» إن كل تلك العمليات الإرهابية التي تحدث في سيناء مرتبطة ارتباطا وثيقا بما يحدث داخل القاهرة وجميع المحافظات، وكلها مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين، التي تحاول العودة إلى السلطة مرة أخرى عن طريق العنف والتعاون مع التنظيمات التكفيرية.
واعتادت التنظيمات المتطرفة تنفيذ مذابح كبرى خلال شهر رمضان في الأعوام الأربعة الأخيرة منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، كانت البداية ما عرف إعلاميا بـ«مذبحة رفح الأولى»، التي وقعت في 6 أغسطس (آب) 2012، الموافق 17 رمضان، حين كان الجنود يستعدون لتناول إفطارهم وهم صائمون، فهاجمتهم مجموعة مسلحة مستخدمين أسلحة ثقيلة ومتعددة، منها «آر بي جي»، وقتلت منهم 16 جنديًا.
وفي أولى ليالي شهر رمضان الكريم، في 28 يونيو عام 2014، قامت جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية، بما سمي «مذبحة رفح الثالثة»، ونفذت على الحدود بين مصر وإسرائيل، وأسفرت عن مقتل أربعة جنود أمن مركزي مصريين بمنطقة سيدوت.
ووفي 25 رمضان في نفس العام قامت مجموعة إرهابية تتكون من 20 فردًا يستقلون أربع عربات دفع رباعي، بمهاجمة كمين حرس حدود بمنطقة الدهوس بمحافظة الوادي الجديد، راح ضحيتها 22 جنديا مصريا.
وتعيش مصر اضطرابات أمنية وسياسية كبيرة منذ ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك. غير أن موجة العنف تلك باتت في وتيرة متزايدة عقب عزل الرئيس الأسبق «الإخواني» محمد مرسي مطلع يوليو 2013. يقول تقرير صادر مؤخرا للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، تحت عنوان «خريطة العمليات الإرهابية في ذكرى 30 يونيو»، التي صادفت منتصف شهر رمضان، إن العمليات الإرهابية في مصر تزايدت حدتها كمّا ونوعا في ذكرى ثورة 30 يونيو، إذ نفذت أربعة تنظيمات إرهابية نحو 32 عملية خلال الفترة من 28 يونيو وحتى 2 يوليو، تراوحت ما بين اغتيال وتفجيرات وزرع عبوات ناسفة.
وأشار المركز إلى أن العمليات الإرهابية شملت مناطق متعددة في عدد من المحافظات في كل من القاهرة والجيزة والإسكندرية، بالتوازي مع عمليات مماثلة في محافظات الوجه البحري في بنها وكفر شكر وقليوب وشبين القناطر والشرقية، بينما شهدت محافظتا الفيوم وبني سويف في الوجه القبلي الجانب الأكبر من العمليات الإرهابية، وظلت محافظة شمال سيناء البؤرة الأكثر اشتعالاً من حيث كثافة العمليات الإرهابية، مشيرا إلى أنه تم استخدام العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وإطلاق النار والاستهداف بالأسلحة الثقيلة وتفجير المرافق، كما شهدت بعض العمليات الإرهابية الدمج بين تكتيكات متعددة بهدف زيادة الخسائر على غرار عملية الشيخ زويد الأخيرة التي شهدت توظيفًا للاستهداف بالسيارات المفخخة لكميني أبو الرفاعي والسدرة والاستهداف بإطلاق النار الكثيف والأسلحة الثقيلة لعدة مواقع عسكرية ولقسم الشيخ زويد وتلغيم الطرق بالعبوات الناسفة.
وشهدت عملية اغتيال النائب العام قيام العناصر الإرهابية بتفجير عن بعد لسيارة مفخخة بمتفجرات قدرت بعض المصادر وزنها بنحو 300 كغم، وهو ذات الأسلوب الذي كانت تخطط العناصر الإرهابية للقيام به في محيط قسم ثان 6 أكتوبر، إلا أن السيارة المفخخة انفجرت قبيل وصولها إلى هدفها.
في المقابل فإن العبوات الناسفة تعد النمط الأكثر شيوعًا لهجمات العناصر الإرهابية خلال الفترة الماضية، وهو ما تجلى في تفجير عبوة ناسفة في منطقة جاردن سيتي وسط القاهرة دون خسائر في 28 يونيو الماضي وتفجير عبوة ناسفة في العريش استهدفت مدير عام مديرية الطرق في شمال سيناء في 29 يونيو والهجمات التي تمت في محيط قسم سمسطا في بني سويف في 30 يونيو، وبالقرب من مبني شرطة المرافق والأحوال المدنية في الفيوم والتفجير بجوار قسم دراو بأسوان في 2 يوليو الحالي.
وتصاعدت عمليات تفجير المرافق العامة مثل تفجير أبراج الضغط العالي ومحولات الكهرباء في أسوان وبنها والفيوم وبني سويف ومحاولة تفجير كبري المشاة في محطة شرق للقطارات في شبين القناطر بالقليوبية في 1 يوليو الحالي، وتفجير خط السكك الحديدية في الشرقية في 2 يوليو.
أما عمليات إطلاق النار فشهدت تصاعدًا في كثافتها وشملت إطلاق نار على قسم شرطة الفشن في بني سويف وقسم العصافرة في الإسكندرية ومتحف الشمع بحلوان وعلى قوات الشرطة في المطرية واستهداف أحد البنوك في قليوب وتبادل قوات الشرطة لإطلاق النار مع خلية إرهابية في 6 أكتوبر بالإضافة لاستهداف مدرعة في الفيوم واستهداف بعض الخفراء وأمناء الشرطة في الفيوم وبني سويف.
وشهدت بعض الهجمات في سيناء توظيف تنظيم ما يسمى بـ«ولاية سيناء» لأسلحة غير تقليدية شملت صواريخ كورنيت المضادة للدبابات الموجهة بالليزر والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، ومدافع 14.5 ملي المضادة للطائرات وقذائف الهاون والآر بي جي، وهو ما يكشف عن مدى تصاعد نوعية الأسلحة الثقيلة لدي التنظيم وتصاعد عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود على الرغم من إجراءات تدمير الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء.
وأشار المركز الإقليمي إلى أن بعض العمليات التي خططت لها التنظيمات الإرهابية لم تتمكن من تحقيق أهدافها سواء بسبب تدخل قوات الأمن وإحباطها أو بسبب إخفاق منفذيها في القيام بها، مثل قيام السلطات الأمنية في المنيا بضبط خلية إرهابية في 28 يونيو قبيل القيام بعملية إرهابية وانفجار سيارة مفخخة قبل وصولها إلى قسم ثان 6 أكتوبر وانفجار عبوة ناسفة في أحد الإرهابيين في المعصرة في 30 يونيو وتفكيك العبوة الناسفة في محطة قطارات شبين القناطر وضبط 600 كغم من الكبريت والمواد المتفجرة لدي بعض الأفراد في أسيوط.
وصنفت الدراسة التنظيمات الإرهابية التي قامت بتلك العمليات إلى أربعة، أولها ما يسمى بـ« ولاية سيناء»، حيث يعد تنظيم أنصار بيت المقدس أخطر التنظيمات الإرهابية الموجودة على الساحة المصرية، خصوصا عقب إعلان مبايعته لتنظيم داعش وتغيير اسمه إلى «ولاية سيناء»، وتأتي العملية الإرهابية الأخيرة في الشيخ زويد استجابة لنداء قيادات تنظيم داعش بتنفيذ عمليات إرهابية كبري في شهر رمضان وبالتوازي مع ذكرى ثورة 30 يونيو.
وثاني تلك التنظيمات هو كتيبة المدعو هشام عشماوي الذي يتبنى أفكارا متطرفة نتيجة التحاقه بتنظيم داعش خاصة بعد سفره إلى سوريا عبر تركيا، وينسب إليه المشاركة في عدة عمليات إرهابية.
أما ثالثها فهو الخلايا الإخوانية، إذ أدى تفكك البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين إلى تكوين بعض أعضاء الجماعة لخلايا إرهابية تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية في المحافظات المصرية تستهدف أقسام الشرطة وأبراج الكهرباء والمرافق العامة من خلال قنابل بدائية الصنع أو عمليات إطلاق النار الخاطفة. والتنظيم الأخير هو جماعة «الذئاب المنفردة»، إذ يرتبط تصاعد كثافة العمليات الإرهابية في مصر بانتشار نمط الذئاب المنفردة بين المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية وقيامهم بتكوين خلايا محدودة العدد لتنفيذ عمليات إرهابية في مختلف محافظات مصر، وهو ما أدى إلى الانتشار الجغرافي للعمليات الإرهابية وتصاعد قدرة التنظيمات الإرهابية على التخفي والإفلات من العمليات الأمنية الكثيفة للقبض على العناصر الإرهابية، خصوصا في ظل انقطاع شبكات التواصل بين التنظيمات الإرهابية الكبرى والخلايا الإرهابية المحدودة.
ويقول اللواء الجوهري إن كل العمليات الإرهابية مسؤولية جماعة الإخوان، مشيرا إلى أن هناك نحو 5 آلاف مقاتل يحاربون الجيش المصري في سيناء، معظمهم عائدون من القتال في سوريا وأفغانستان والعراق سافروا للقتال هناك خلال حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي ثم عادوا ومعهم مقاتلون ينتمون إلى جنسيات أجنبية من جميع دول العالم ليحاربوا في سيناء، وهدفهم إعلانها إمارة إسلامية مستقلة على غرار ما يحدث في العراق حاليا.
وحول تصنيفات وانتماءات تلك الجماعات، قال الجوهري لـ«الشرق الأوسط» إن هناك جماعات مسلحة كثيرة تعمل في سيناء، منها بيت المقدس والفرقان وغيرها، وكلها تتبع تنظيم داعش ولائيا وعقائديا، وهناك تنسيق واتصالات بينهم، إضافة إلى دعمهم بالمال والسلاح.
وتخوض القوات المسلحة المصرية بمعاونة الشرطة حربا كبيرة ضد تلك الجماعات منذ عدة شهور، بقيادة الفريق أسامة عسكر. ويقول مدير وحدة مكافحة الإرهاب السابق بالمخابرات الحربية إن «هناك تنسيق كامل بين المخابرات المصرية ونظيراتها من الدول الصديقة لمحاصرة تلك الجماعات على صعيد أوسع يجري حاليا».
وتابع: «رغم كل ما يحدث فإن الخسائر في الجيش المصري ليست بالكثيرة مقارنة بما تقوم به الجماعات المسلحة التي تحتمي بالمدنين وتقوم بعمليات واسعة، يكفي أن آخر عملية قام بها 300 مقاتل»، في المقابل فإن تعليمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي عدم التعرض للمدنيين، مما يصعب من عمليات الجيش كثيرا ويحد من استخدام آلياتهم العسكرية أحيانا.
وكانت القوات المسلحة قد بدأت أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إخلاء منازل أهالي رفح في نطاق 1000 متر بالشريط الحدودي غرب الحدود مع قطاع غزة، وصولا إلى تحقيق الأمن القومي للبلاد، خصوصا مع اكتشاف أنفاق تحت الأرض تبلغ أطوالها من 800 إلى ألف متر.
يضيف اللواء الجوهري: «بالطبع مع حلول شهر رمضان تتزايد العمليات الإرهابية والانتحارية، لأن تلك الجماعات تعقد أنها تقوم بعمل جهادي استشهادي ضد جيش كافر».
ورصد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية عددًا من الممارسات الإجرامية لتنظيم داعش الإرهابي في حق المرأة التي تهين المرأة وتحط من كرامتها وإنسانيتها. ووفقا لتقرير المرصد نشر يوم الاثنين فإن التنظيم أعلن عن مسابقات في حفظ القرآن الكريم تكون الجوائز فيها عبارة عن «سبايا» توزع على الفائزين، وهو ما يعد تحقيرًا من شأن المرأة وتجريدًا من إنسانيتها.
ولفت المرصد إلى أن تلك الممارسات تعبر عن آيديولوجية التنظيم في استغلال المرأة وتوظيفها باعتبارها أحد أهم عناصر جذب المقاتلين وضمان ولائهم واستمرار انخراطهم في القتال بين صفوف التنظيم، كما أنها أيضا تمثل عنصرًا ماديًا لدى التنظيم، إذ يقوم بأسر النساء من المناطق التي يدخلها، ثم يقوم بتوزيع البعض على المقاتلين كغنائم حرب.
ودعا المرصد التابع لدار الإفتاء إلى فضح وتعرية ممارسات تنظيم داعش بحق النساء، وبيان حقيقة هذا التنظيم وطبيعة أهدافه التي يسعى خلفها، والأجندة الخاصة به، وكذا رؤيته للمرأة والتعامل معها، بخاصة أن الانضمام إلى التنظيم خطوة لا تقبل العودة إلى الخلف، وفي غالب الأمر فإن التراجع قد يعني الموت بأيدي مقاتلي التنظيم، حتى لا يتم فضح ممارسات التنظيم البربرية الهجمية في حق المرأة بشكل خاص.
يقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، إنه «لا بديل أمامنا سوى العمل على الخلاص من كل قوى الإرهاب والشر والتطرف سواء أكان إرهابًا مسلحًا أم إرهابًا فكريًا». وأضاف، في مقال على موقع الوزارة ردا على تلك الهجمات المتزايدة مؤخرا: «الجماعات والتنظيمات المتطرفة تشكل خطرا داهما على الأفراد والمجتمعات، وإن الالتحاق بهذه الجماعات والتنظيمات ينطوي على مخاطر جسام، أهمها أن الجماعات المتطرفة تعمل بأقصى طاقتها على تجنيد الصبية والشباب والفتيات، وكل من تستطيع الوصول إليه تحت إغراءات مالية أو معنوية أو مخادعة واستغلال لظروف بعضهم النفسية أو الاجتماعية أو مغالطات فكرية أو دينية أو وعود لا يملكون من أمرها لأنفسهم ولا لغيرهم شيئا».
وتابع: «هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها التنظيم الدولي للإخوان الإرهابيين تعمل ضد دينها وأوطانها، ولو أن أعداء الإسلام بذلوا كل ما في وسعهم، وسخروا كل إمكاناتهم لتشويه صورة الإسلام، ما بلغوا معشار ما فعلته هذه الجماعات من تشويه لصورة الإسلام وحضارة الإسلام في الداخل والخارج». وأمام هذه الدوامة من الإرهاب، يتفق الخبراء الاستراتيجيون على أن المخرج ليس هو الحل الأمني وحده للقضاء على تلك التنظيمات المتطرفة، خصوصا في منطقة سيناء، بل إن الأمر يتطلب بعدا تنمويا وثقافيا وتوعويا. وسبق أن أعلن الرئيس السيسي في مطلع فبراير (شباط) الماضي عن تخصيص مبلغ 10 مليارات جنيه (نحو 1.4 مليار دولار) من أجل التنمية ومكافحة الإرهاب في سيناء، وينتظر مواطنو شبه الجزيرة تفعيلها حاليا. وتشرع مصر حاليا في إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ خلال أيام. ويقضي مشروع القانون باختصار الإجراءات الجنائية بشأن جرائم الإرهاب، وذلك من خلال سرعة الإجراءات داخل المحاكم المخصصة لجرائم الإرهاب، وتسهيل الإجراءات المتعلقة بفحص حسابات البنوك والاطلاع على الأموال بالبنوك التي لها علاقة بجرائم الإرهاب، ومنح سلطات إضافية لمأموري الضبط القضائي وكذلك للمحققين في جرائم الإرهاب.