عقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس الأحد، لقاءات ثنائية مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في إطار المحادثات الماراثونية حول الملف النووي الإيراني في فيينا قبل يومين من انتهاء مهلة التوصل إلى اتفاق. واستمر اللقاء الأول بين الوزيرين لساعة ونصف ساعة في قصر الكوبورغ مقر المفاوضات النووية بفيينا، واستأنفا المحادثات بعد الظهر.
وأعلن كيري أمس أن «الوقت حان» لإنهاء المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، لكنه أوضح في تصريح للصحافيين أن العملية التفاوضية تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات. كما أشاد كيري بالتقدم الذي أحرزته مختلف الأطراف، وقال: «لكن دعوني أكن واضحا مع الجميع.. لم نصل بعد إلى المستوى المطلوب (من التوافق) حول أكثر القضايا صعوبة».
جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده كيري عصر أمس أمام حشد من الصحافيين خارج قصر الكوبورغ. وكان كيري الذي ظهر متكئا على عكازتيه بسبب الحادث الذي تعرض له في جولة سابقة، قد شدد على إمكانية التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع إذا تحقق حل بعض القضايا التي لا تزال عالقة، مكررا القول إن العالم بأجمعه ينتظرهم (أطراف التفاوض) وإنهم يفاوضون بشدة للتوصل إلى اتفاق جيد. كما أشار إلى أنه لن يناقش ما يدور في المفاوضات مع وسائل الإعلام.
ومن جانبها أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، عند وصولها إلى فيينا بعد ظهر الأحد، أن اتفاقا حول الملف النووي الإيراني «وشيك جدا»، فيما دعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الإيرانيين إلى تقديم «التزامات واضحة».
واعتبرت مصادر «الشرق الأوسط» رسالة كيري، الذي لم يحدث مطلقا أن عقد مؤتمرا صحافيا يختص بالمفاوضات قبل نهاية الجولة، أنها تدخل في إطار معركة إعلامية لكسب الرأي العام ردا على الرسالة المصورة التي وجهها نظيره الإيراني محمد جواد ظريف قبل يومين باللغة الإنجليزية عبر شريط «فيديو» أحسن إعداده وتم تصويره بمهارة من شرفة بالكوبورغ، مسبوقا بموسيقى فالس نمساوية.
وكان ظريف قد ذكر في رسالته التي قصد بها في المقام الأول الرأي العام الأميركي، دون أن يسميه، أهمية فرصة التوصل لاتفاق «واتخاذ قرار تاريخي وحساس» لإنهاء الخلاف، مشددا على أن التوصل لاتفاق يحتاج إلى الشجاعة من أجل تحقيق المصالحة والقناعة بأن الضغط الاقتصادي والعسكري لم يدفع إيران للاستسلام، وداعيا إلى «تغليب المنطق على الأوهام»، خاصة أن الأطراف المتفاوضة أدركت أخيرا أن الضغط والتهديد لن يؤديا إلى حلول دائمة، بل يصعدان التوترات والعداءات.
ومن المفترض أن تنتهي فترة تمديد المفاوضات التي اتفقت عليها إيران ومجموعة «1+5» (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والصين وألمانيا) غدا الثلاثاء، بعدما فشلوا في توقيع اتفاق الإطار الذي توصلوا إليه في 2 أبريل (نيسان) الماضي وحددوا لتوقيعه مهلة انتهت 30 يونيو (حزيران) الماضي.
وبدأ وزراء خارجية الدول الكبرى يتوافدون على فيينا مساء أمس واليوم للالتحاق بكيري وظريف قبل يوم من انتهاء مهلة المفاوضات الممددة. كما أفادت مصادر إيرانية بأن مساعدين للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو توجهوا إلى طهران مساء أمس لبحث سبل معالجة القضايا العالقة.
وكانت أجواء المفاوضات قد شهدت اليومين الماضيين «لحظات انفراج» عقب تصريح للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو الذي أكد من خلاله أن الوكالة يمكن أن ترفع، بتعاون إيراني، قبل نهاية العام تقريرا عن أنشطة نووية إيرانية سابقة تلاحقها اتهامات بأبعاد عسكرية، مضيفا أن الوكالة وإيران قد توصلتا إلى اتفاق بشأن وضع جدول زمني لإنهاء قضايا ظلت عالقة بينهما.
والتقى أمانو في قصر الكوبورغ صباح السبت الماضي كلا من وزيري الخارجية الأميركي والإيراني على حدة، عقب زيارة يوم واحد قام بها إلى طهران واجتمع فيها بكل من الرئيس حسن روحاني وعلي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.
بالإضافة إلى تصريح أمانو، كانت تسريبات دبلوماسية أكدت أن مجموعة الخبراء المؤلفة من دبلوماسيين وتقنيين ومتخصصين في العقوبات والقانون والتقنية النووية واللغات وصياغة الاتفاقات قد توصلت إلى مسودة اتفاق مبدئي يقضي بتقليص الأنشطة النووية مقابل رفع العقوبات، كما تضمنت حلولا لبعض القضايا العالقة.
ورفعت اللجنة المسودة لمساعدي الوزراء لتنقيحها ومن ثم ترفع لوزراء الخارجية متضمنة حلولا لكيفية رفع العقوبات. وحسب ما علمته «الشرق الأوسط» فإن الاتفاق سوف يتضمن إعلانا عن كيفية رفع العقوبات بالتزامن مع توقيعه، وأنه سيتم تنفيذه «خطوة مقابل خطوة»، خاصة أن رفع العقوبات الأميركية يحتاج لقرار من الكونغرس فيما تحتاج العقوبات الأممية لقرار من مجلس الأمن والأوروبية لقرار من البرلمان الأوروبي. هذا فيما أشارت تسريبات إيرانية إلى أن إيران بدورها تحتاج على الأقل لفترة 4 أشهر حتى تكون قادرة على تنفيذ الاتفاق. إلى ذلك، تضمنت المسودة قبولا إيرانيا لتوريد مخزونها من اليورانيوم الذي نجحت في تخصيبه بنسبة 5 في المائة لخارج حدودها، وهو ما كانت ترفضه سابقا.
وحسب مصادر «الشرق الأوسط» فإن طلب إيران الاستمرار في إجراء بحوث تتعلق بأجهزة الطرد من أهم القضايا العالقة، بالإضافة إلى استمرار الخلاف حول آلية متابعة الالتزام الإيراني بتنفيذ الاتفاق واتخاذ قرار بعودة العقوبات في حال أي إخلال.
ومن جانبه، قال مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» إن الطرفين ناقشا فكرة تكوين لجنة تمثل الأطراف كافة وتقوم بالتصويت في حال حدث تجاوز إيراني، وبالتالي اتخاذ القرار بدلا من عودة أوتوماتيكية للعقوبات كما ترغب دول غربية.
وكثف ظريف وكيري مفاوضاتهما الثنائية في الأيام الأخيرة، كما تكررت اجتماعاتهما بعلي أكبر صالحي، مدير وكالة الطاقة النووية الإيرانية، وإرنست مونيز، وزير الطاقة الأميركي، بالإضافة لانخراطهما في جلسات مطولة بمشاركة كامل طاقم فريقيهما. ويعكس انشغال كل من ظريف وكيري وتكثيف جهودهما للتوصل لاتفاق حاجة كل من إدارتيهما لإنهاء المفاوضات والتوصل إلى نتيجة.
وتحتاج مؤسسة الرئاسة الإيرانية للتوصل لاتفاق يرفع عنها الحظر ويزيح العقوبات التي تحرم إيران من أكثر من 100 مليار دولار من الأرصدة المجمدة، ويفتح أبوابها لاستثمارات ومعاملات تجارية مع الولايات المتحدة وأوروبا، ناهيك بتعامل تجاري علني مع الصين وروسيا.
في المقابل، لا يخفى أن أوباما ووزير خارجيته وكبيرة المفاوضين ويندي شيرمان وإدارتهم التي تقترب من انتهاء فترتها، يرغبون بدورهم في التوصل إلى اتفاق نووي يضاف لجعبة إنجازاتهم.
ورغم ذلك، فإن طهران لا تزال متمسكة بـ«خطوطها الحمر» التي تشمل بالدرجة الأولى عدم السماح بفتح منشآت عسكرية تلاحقها اتهامات بأنشطة نووية للتفتيش الدولي، وعدم السماح بإجراء أي لقاءات مع عسكريين أو علماء، فضلا عن رفع العقوبات دفعة واحدة بالتزامن مع توقيع اتفاق وليس بالتدريج كما تصر المجموعة الدولية.
في سياق مواز وفيما تتحكم عناصر إيرانية متشددة في الكلمة الإيرانية النهائية في ما يتعلق بالنووي الإيراني، كذلك هو حال الكونغرس الأميركي وأغلبيته الجمهورية التي تعارض بشدة تقديم أي تنازلات أمام إيران. وينطبق ذلك كذلك على فرنسا وبعض حلفاء الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط ممن يعارضون فكرة إيران النووية ويزعجهم انتصارها في المفاوضات النووية. وبالتالي، فإنهم يضغطون من وراء الستار لتقليص وتضييق البرنامج النووي الإيراني لأطول فترة ممكنة خشية أن تبرز إيران كقوة إقليمية تعمل لفرض هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط لا سيما مع رفع الحظر وعودة ملياراتها.
هذه العناصر مجتمعة - بالإضافة إلى قلق دولي من تملص إيران وعدم ثقة في سلوكياتها - تدفع بالمتفاوضين إلى البحث عن آلية مراقبة أي اتفاق يتم التوصل إليه وإعادة العقوبات بصورة تلقائية إن تم الإخلال به.
واستبعد نائب وزير الخارجية الروسي كبير المفاوضين سيرغي ريابكوف مزيدا من التمديد في فترة المفاوضات، موضحا أن «الأطراف جميعا يعملون على إتمام المفاوضات والتوصل إلى نتائج بشأن المشكلات العالقة». فيما قال وزير الخارجية الصيني إن «الوقت قد حان للتوصل لاتفاق نووي خاصة أن عناصره الأساسية موجودة».
من جانبه، قال وزير الخارجية البريطاني إن 12 سنة كافية جدا للتفاوض، وذلك في إشارة إلى مسيرة التفاوض التي بدأت مع إيران لكشف أنشطتها النووية السرية السابقة منذ عام 2003 مع كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ثم توسعت عام 2006 لتضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، دون أن تفضي جميعها إلى أي نتائج.
في خطوة لاحقة، ومع ازدياد شقة عدم الثقة في النشاط النووي الإيراني، ومع انفراجة تمثلت في تغييرات سياسية جاءت مع انتخاب الرئيس حسن روحاني ودعم الرئيس الأميركي، أثمرت المفاوضات للمرة الأولى ووقع الطرفان اتفاقا تاريخيا في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 اتفقا بموجبه على تجميد أهم أنشطة البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع محدود للعقوبات لفترة 6 أشهر يتم تمديدها لستة أشهر أخرى، إلا أن الأطراف فشلت في توقيع الاتفاق بصورة نهائية فتم تمديده كذلك.
كيري يشيد بالتقدم في مفاوضات النووي الإيراني قبل يومين من انتهاء المهلة الجديدة
موغيريني تتوقع اتفاقًا «وشيكًا جدًا» وفابيوس يطالب الإيرانيين بـ«التزامات واضحة»
كيري يشيد بالتقدم في مفاوضات النووي الإيراني قبل يومين من انتهاء المهلة الجديدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة