روى ديفيد ريمنيك، رئيس تحرير مجلة «نيويوركر»، وكان صحافيًا في صحيفة «واشنطن بوست»، ومن كبار الصحافيين الأميركيين، قصة عن تحدي إعلام الإنترنت للمقررات التي ظلت كليات الصحافة الأميركية تدرسها لعقود وعقود. قال إن واحدا من هذه التحديات قول صحافي رياضي: «درست أربع سنوات صحافة، ونلت ماجستير صحافة، لكن حتى اليوم، لا أقدر على وصف دقيق لطريقة رمي كرة البيسبول نحو ميدان الفريق الآخر».
وقال ريمنيك، إن الإعلام الرقمي التصويري حل هذه المشكلة. وأضاف في ندوة في كلية الصحافة في جامعة كولومبيا (نيويورك)، كتبت عنها دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها نفس الكلية): «حقيقة، لا تقدر أكثر الكلمات فصاحة على وصف مثل هذه الأشياء».
وقالت الدورية: «وسط هذه التساؤلات، ومع قدوم عصر صحافي جديد، صارت كليات الصحافة في كثير من الجامعات الأميركية تكرس جزءا متزايدا من مناهجها الدراسية لدراسة الإعلام الرقمي، وللمساهمة في تطويره».
وأضافت الدورية أن هذا التحول لا يزال في بدايته، لكنه يلقى إقبالا متزايدا من الجيل الجديد من الصحافيين والصحافيات، ومن الذين يريدون أن يكونوا صحافيين وصحافيات، وأنه «في الواقع، مع فرص العمل الشحيحة، والرسوم الدراسية المرتفعة، صار هذا الإقبال الجديد ينبع من حاجة ملحة لتحويل درجة جامعية إلى راتب منتظم ومناسب».
وقال سام فريدمان، أستاذ عريق في نفس الكلية، ومن كتاب الأعمدة في صحيفة «نيويورك تايمز»: «يجب ألا تكون كلية الصحافة فقط مدرسة مهنية وتخرج فقط مهنيين، تريدهم شركات النشر لتحقيق أهدافها الربحية. لكن، في الجانب الآخر، ها نحن نشاهد ونعيش ثورة إعلامية تكنولوجية لم يسبق لها مثيل في التاريخ. وها هم القراء، في كل مكان، وفي كل دولة تقريبا، يريدون نوعا جديدا من العمل الصحافي. لهذا، يجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال. يجب أن نستجيب، لكن أيضا يجب أن نحافظ على أهم تقاليدنا، وقيمنا، ومثلنا».
وقال ستيف كول، عميد كلية الصحافة في جامعة كولومبيا (كان صحافيا كبيرا في صحيفة «واشنطن بوست»، وكتب كتابا عن عائلة بن لادن السعودية، نال به جائزة «بولتزر» للصحافة): «رغم مناقشات جيدة عن كيفية تحسين تراث الكتابة الصحافية ليواكب الصحافة الرقمية، يوجد موضوع آخر يستحق النقاش، وهو كيفية تحسين المقررات، وتنفيذ المنهج الدراسي الذي يغطى عشرة شهور فقط كل عام».
وأضاف أنه توجد مشكلات لوجستية، وتعليمية، ومالية. وقال: «لكن لا يوجد أحد يقف أمام القطار، ويصرخ: عد إلى من حيث أتيت».
وقال إدوارد واسرمان، عميد قسم الدراسات العليا في كلية الصحافة في جامعة كاليفورنيا (في بيركلي)، إن أهم «تقاليدنا» هي الكتابة الصحافية. وتساءل إذا صارت الكتابة في الإنترنت سطحية. وقال: «أعتقد أن هذا خطر يواجه الذين يكتبون كتابات صحافية تعلموها في كليات الصحافة، التي توارثتها جيلا بعد جيل».واعترف بوجود «رجعية» في مقررات كليات الصحافة، تريد الالتصاق بهذا التراث.. و«فعلا، تعوق الانتقال إلى العصر الرقمي».
بين «الرجعية» و«التقدمية»، يختلف الوضع من كلية إلى أخرى: من بين «الرجعيين»، جون ماكارثر، ناشر دورية «هاربر» (التقدمية)، قال: «يزعجني كثيرا، كناشر، وككاتب، هذا التغيير القبيح الذي دخل على فن الكتابة (في عصر الإنترنت)، بدلا عن فن النثر (بروز)، ظهر فن المحتوى (كونتنت)».
وقال: «صار رؤساء التحرير ورؤساء الأقسام يقلصون ويغيرون جملا وعبارات مثل الذهب الناصع إلى شيء يشبه قطعا من ركام معادن مختلفة». في الجانب الآخر «التقدمي»، في بداية هذا العام، أصدرت شركة «نايت» الصحافية العملاقة تقريرا اتهمت فيه كليات الصحافة بأنها «تتلكأ» في اللحاق بركب الإنترنت.
في آخر أعدادها، سألت دورية «كولومبيا جورناليزم ريفيو» ماكارثر «الرجعي» عن تقرير شركة «نايت»، «التقدمي». وأجاب: «في الوقت الحاضر، أنا صاحب شركة نشر. وإذا صرت، فجأة، عميد كلية صحافة، لن أدرس الكتابة الرقمية». لكنه عاد وقال: «في عمري هذا، لا بد أن أكون واقعيا. كيف أقول لشباب وشابات يدرسون الصحافة إن الكتابة الرقمية شيطان يجب ألا يقتربوا منه؟».
وصمت قليلا، ثم قال: «لا أعرف ماذا أقول؟». تختلف الأقوال والآراء. لكن ماذا تفعل كليات الصحافة أمام «الأمر الواقع»؟
من بين كليات الصحافة التي تتردد بين القديم والجديد (لا يمكن وصفها بأنها «رجعية»)، كليات الصحافة في جامعة كولومبيا، وفي جامعة جنوب كاليفورنيا، وفي جامعة نورث ويستيرن. تتشابه هذه الكليات الثلاث في أنها خلال السنوات العشر الأخيرة، قلصت فترة نيل درجة الماجستير من عامين إلى عام، أو أقل.
هذا هو ما تحدث عنه ستيف كول (عميد كلية الصحافة في جامعة كولومبيا) عن الجوانب اللوجستية. وقصد ضيق الوقت، في برنامج عشرة شهور فقط لنيل الماجستير.
لكن، يبدو أن جامعات ولاية كاليفورنيا تتأرجح بين «الرجعية» و«التقدمية».. في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس (يو سي إل إيه)، حدث تحول «تقدمي»، ورغم فترة تسعة شهور فقط لنيل الماجستير في الإعلام، صارت كل الفترة «رقمية». وصار شعار الكلية «تسعة شهور رقمية»، مع شعار آخر يقول: «غرفة أخبار رقمية»، و«مبنى جديد، ومقرر جديد، وعصر جديد».
لكن، في جامعة جنوب كاليفورنيا (يو إس سي)، يوجد بعض التردد، كما قال ساندي تولان، أستاذ في كلية الصحافة في الجامعة. قال: «نعم، يغير الإعلام الرقمي كل شيء. لكن، كيف نحافظ على تراثنا الصحافي؟».
في كلية وولتر كرونكايت للصحافة في جامعة ولاية أريزونا، قالت ماريان باريت، عميدة مشاركة: «ليست الرقمية هامشية أو عابرة بالنسبة لنا. نحن ندرس تلاميذنا لدخول العصر الرقمي في شجاعة وتفاؤل».
وأشارت إلى «مقررات أساسية» في الكتابة الصحافية، والتحقيقات، وقواعد اللغة. وأيضا «مقررات رقمية» عن الإعلام الجديد. وقالت، في شجاعة وتفاؤل: «نقدر على الجمع بين القديم والجديد».
كيف تتأقلم كليات الصحافة مع صحافة الإنترنت؟
بعضها «رجعية» وأخرى «تقدمية»
كيف تتأقلم كليات الصحافة مع صحافة الإنترنت؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة