انضمت مدينة تدمر عمليًا إلى نمط الحياة الذي يفرضه تنظيم داعش في مواقع سيطرته، فرغم عدم حاجة السكان اليوم للكهرباء والمياه والغذاء، فإن حريتهم الفردية انتهت إلى حد كبير واضطروا للالتزام بقوانين التنظيم الدينية والعملية، بينها منع التجول ليلاً، وتصفح ما يفرضه التنظيم من مواقع الإنترنت، ومنع السكان من الاتصال مع العالم الخارجي بعد قطع وسائل الاتصال عنهم.
يشبّه مصدر بارز في المعارضة السياسية السورية الحياة في تدمر بأنها «تسير وفق مبدأ: خذ ما تريد ولا ترفع رأسك كي لا يُقطع». يقول إن التنظيم، وبمجرد إحكام سيطرته عليها، وتراجع وتيرة القصف عن المنطقة، حوّلها مباشرة إلى جزء من ولاياته. نشر التنظيم جنود «الحسبة»، وأنشأ كتيبة نسائية، وفرض تعاليمه الدينية، وعيّن مسؤولين شرعيين في المساجد، كما حافظ على الخدمات الموجودة في المدينة، وهي الماء والكهرباء والنفط والغاز والغذاء.
ولا يوثق الحقوقيون معاناة كبيرة للسكان في تدمر، تشبه معاناة السكان الأخرى المعرضة للقصف الجوي اليومي وللمعارك. يقول أحد مؤسسي تجمع «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد الرقاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن الخدمات أصلاً كانت موجودة في تدمر، لأن النظام كان يوفرها، وجاء «داعش» من غير أن يغلق تلك المنافذ المرتبطة بالخدمات الحيوية، رغم أننا غير متيقنين من أن المعدات الطبية أو الأدوية موجودة، لكننا لم نرصد معاناة إنسانية كبيرة، تشبه المناطق الأخرى.
وقال الرقاوي، إن التنظيم «عمد إلى قتل الشخصيات موالية للنظام، وتهجير عائلات مؤيدة للنظام، كذلك المتهمون بالتخابر مع أجهزة النظام وقواته العسكرية والأمنية، لكن التنظيم ألزم المحايدين بالانصياع لقوانينه، فاختار هؤلاء التقيد بشروط (داعش) والبقاء في أرزاقهم وبيوتهم، بينما نزح آخرون». وأشار إلى أن نسبة النازحين من تدمر والقرى التابعة لها «تصل إلى 40 في المائة من عدد السكان الأصليين، وذلك بعد عودة بعض النازحين، إثر تراجع العمليات العسكرية في المدينة». ويفرض «داعش» مجموعة قوانين ترسم نمط الحياة في مواقع سيطرته، أهمها حظر الخروج ليلا.. «خوفًا من أن يقوم هؤلاء بزرع ألغام»، إضافة إلى منع التدخين، وتنفيذ قوانين دينية متشددة بخصوص اللباس والتنقل والطبابة، وفصل الأطفال الإناث عن الذكور في المدارس، وإلزام السكان بالاحتكام إلى المحاكم الشرعية، في حال وجود خلافات.
والواقع أن بقاء السكان في تدمر يعود إلى مجموعة معايير وأسباب شخصية، بحسب ما يقول مصدر بارز في المعارضة السياسية السورية، وينحدر من مناطق ريف حمص، موضحًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن السكان «اتخذوا قرار التكيف مع القوانين، والإذعان لقرارات (داعش)، كيلا يخسروا أرزاقهم، ذلك أن التنظيم يستولي على أرزاق وممتلكات الناس بعد رحيلهم». وقال إن توفير الخدمات «ساهم أيضا في بقائهم، لأن النزوح له تبعات في ظل حاجة النازحين للمساعدات»، مشيرًا إلى أن «التنظيم استغل الموارد بشكل صحيح، ووزعها في مناطق سيطرته».
ويسيطر «داعش» على مساحة كبيرة من الأراضي الجغرافية في شمال وشرق وسوريا، تشمل السيطرة على الغاز والنفط والماء ومحطات توليد الكهرباء، إضافة إلى مساحات زراعية كبيرة تُعرف بأنها أهراءات سوريا من القمح، ومزارعها، نظرًا إلى وجودها قرب الماء على ضفاف نهر الفرات.
ويجمع الناشطون والمعارضون على أن سكان مدينة تدمر لم يفتقدوا، بعد سيطرة تنظيم داعش عليها، إلا لحريتهم الفردية، واتصالهم مع الآخر خارج المدينة. يقول المصدر السياسي نفسه لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر يتعدى التضييق على الحريات هو احتلال واغتصاب للأرض، وهناك مخاوف كثيرة من أن تتكرر تجارب أخرى كانت نفذت في العراق أو الرقة أو ريف حلب، أن تتكرر في تدمر، مثل سبي النساء، أو صلب غير الصائمين».
غير أن سيطرة التنظيم على تدمر، عزلها إلى كبير عن العالم الخارجي. ويقول رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي، إن «أخبار تدمر غير متوفرة بالتفصيل، لأن التنظيم قيد حركة الناشطين، ومنعهم من التحرك إلى حد كبير»، وذلك عبر «إغلاق منافذ الإنترنت، وملاحقة الناشطين واعتقالهم، أو التضييق على البعض بهدف إخراجهم». ويشير ريحاوي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التنظيم «أقفل منافذ الإنترنت، وفرض شبكة خاصة بالمنطقة يشرف عليها، ويمنع عبرها الوصول إلى مواقع وخدمات تواصل اجتماعي»، مشيرًا إلى أن الإنترنت الذي يصل إلى المنازل «خاضع للفلترة، ويتيح الوصول إلى مواقع إسلامية ولا يتيح الوصول إلى مواقع إخبارية وإلى شبكات تواصل اجتماعي».
تدمر تحت حكم «داعش».. توفر الغذاء والطاقة.. وعزلة عن العالم الخارجي
نسبة النازحين من تدمر تصل إلى 40% من عدد سكانها الأصليين
تدمر تحت حكم «داعش».. توفر الغذاء والطاقة.. وعزلة عن العالم الخارجي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة