لا تزال الأعمال الإرهابية في مصر، وآخرها حادث اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، أمس، تلقي بظلالها على البلاد، وخيمت أجواؤها على الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 التي تحل اليوم (الثلاثاء)، والتي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من الحكم. وأعلنت رئاسة الجمهورية في بيان أمس «وقف المظاهر الاحتفالية التي تم الإعداد لها لإحياء الذكرى الثانية لثورة الثلاثين من يونيو، حدادًا على الفقيد الراحل»، فيما أعلنت الحكومة أن اليوم هو إجازة رسمية.
ورفعت الأجهزة الأمنية المصرية حالة التأهب، لمواجهة أي احتجاجات أو أعمال عنف من عناصر الإخوان في ذكرى الثورة، بعد أن دعت الجماعة أنصارها للتظاهر، في حين كان مؤيدو النظام يجهزون لتنظيم فعاليات احتفالية، أوقفتها حادث اغتيال المستشار بركات.
ومع مرور عامين على الثورة، التي يصفها البعض بأنها «حركة تصحيحية» لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أصبح مرسي في طريقه إلى الإعدام، بعد أن صدر حكم «أولي» بإعدامه منتصف الشهر الحالي، في حين عضد غريمه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي من سلطته وشعبيته يومًا بعد الآخر، وبات أكثر قوة وتماسكًا في سيطرته على أمور الدولة.
وتجاوب السيسي، قائد الجيش السابق، مع مطالب ملايين المصريين الذين خرجوا في مظاهرات مناوئة للرئيس الأسبق صيف العام قبل الماضي، وتوافق مع رموز دينية وقيادات سياسية على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتعيين المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئيسًا مؤقتًا للبلاد، لحين إعادة كتابة الدستور وإجراء الانتخابات، وهو ما تحقق العام الماضي.
ونصب السيسي رئيسًا للبلاد في الثامن من يونيو العام الماضي، خلفًا للرئيس السابق منصور، بعد أن فاز بنحو 97 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي خاضها أمام منافسه الوحيد حمدين صباحي.
ويقول المراقبون إن أحد أبرز مكتسبات ثورة 30 يونيو هو التضييق الذي تم على الإخوان المسلمين، التي تم تصنيفها جماعة إرهابية رسميًا، رغم رفض مرسي وأنصاره رفع «الراية البيضاء» حتى الآن، واستمرار محاولاتهم بشتى الطرق «السلمية منها وغير السلمية» للعودة مرة أخرى للسلطة.
ومنذ عزل مرسي تشهد مصر أحداث عنف راح ضحيتها مئات من القتلى وآلاف من الجرحى من المواطنين وقوات الأمن والجيش، وانطلقت في سياقها موجة من الأعمال الإرهابية لا تزال البلاد تعاني من أعراضها.
واكتنفت هذه الأحداث التباسات كثيرة بدا بعضها عشوائيًا، وبعضها ممنهجًا على المستويين؛ المحلي والدولي، اتصالاً بالرؤى السياسية للقوى التي خاضت غمارها، ومصالحها وتحالفاتها، كما امتدت أصداؤها إلى المجتمع الدولي.
وصدر خلال العامين الماضيين مئات الأحكام بحق قيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين. على رأسهم مرسي، والمرشد العام للجماعة محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر.
فقد أصبح مرسي محاطًا بثلاثة أحكام تتراوح ما بين الإعدام شنقًا في قضية اقتحام السجون خلال ثورة 25 يناير، والسجن المؤبد (25 عامًا) في قضية التخابر، والسجن المشدد 20 عامًا في قضية «أحداث الاتحادية». غير أنها كلها أحكام أولية متوقع نقضها. كما يحاكم مرسي أيضًا في قضيتين أخريين وهما إهانة القضاة، وتسريب وثائق إلى قطر.
في حين بلغت حصيلة أحكام ضد بديع حكمين بالإعدام في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«بغرفة عمليات رابعة»، وقضية «اقتحام السجون»، إضافة إلى خمسة أحكام بالسجن المؤبد وحبس لمدة 4 سنوات، بمجموع (128 عامًا)، بينما ينتظر أحكامًا أخرى في نحو 32 قضية لا تزال تنظر أمام المحاكم.
يقول الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وعضو جبهة «الإنقاذ الوطني» التي تم تدشينها من قوى سياسية مدنية لمواجهة جماعة الإخوان وأعدت لأحداث 30 يونيو: «لولا ثوره 30 يونيو لأصبحت مصر دولة إخوانية أحادية التفكير ودولة فاشية واندلعت الحرب الأهلية».
وأضاف في تصريحات له، أمس، أن «أهم ما تحقق بعد عامين من الثورة هو انتهاء حكم الإخوان، لكن هناك مخاطر أن تصبح الدولة أحادية، بأن يحكم الرئيس وحده، لأنه إلى الآن يتم وضع تشريعات في غياب مجلس نواب (برلمان) منتخب، إضافة لوجود مئات الشباب بالسجون بموجب قوانين يجب تغييرها».
وفي السياق ذاته، يقول الناشط السياسي المصري باسم أمين: «حادث اغتيال النائب العام، أمس، ذكّر المصريون بأنهم كانوا على صواب حين خرجوا للشوارع قبل عامين لعزل مرسي وجماعة الإخوان، معلنين رفض حكم الجماعات الإرهابية بعد أن وثقوا فيهم، فالثورة أنقذت البلد من مصير معتم».
لكن في المقابل، ترى قوى ثورية وسياسية في مصر أن ثورة 30 يونيو سُرقت من جانب فلول الحزب الوطني المنحل، ورموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إضافة إلى عودة الاعتقالات العشوائية من جانب وزارة الداخلية، وتشويه صورة نشطاء ثورة 25 يناير.
يقول الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن «السيسي فشل في التعامل مع كل من الإخوان ورجال مبارك معًا، وفي تحقيق أهداف ثورة 30 يونيو، فمثلما اختطفت جماعة الإخوان ثورة 25 يناير، اختطف نظام مبارك ثورة 30 يونيو من خلال تعيين الكثير من المسؤولين المحسوبين على نظام مبارك في مواقع هامة بالدولة».
كما يعد إجراء انتخابات برلمانية، أبرز التحديات التي لم تتحقق حتى الآن منذ ثورة 30 يونيو بسبب تعقيدات قانونية وأمنية، رغم نجاح السلطات من قبل في إجراء استفتاء على الدستور ومن بعده إجراء انتخابات رئاسية نصبت السيسي رئيسًا للبلاد منذ عام واحد فقط.
غير أن المؤشرات أظهرت تزايد شعبية الرئيس السيسي. فقد أظهر استطلاع أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام «بصيرة»، صدر مطلع يونيو الحالي أن السيسي ما زال محافظًا على نسبة مرتفعة من الموافقة على أدائه، حيث ذكر 9 من كل 10 مصريين أنهم موافقون على أدائه. وأوضحت نتائج الاستطلاع نسبة الموافقين جدًا على أداء الرئيس وأنها بلغت 69 في المائة.
وقال «بصيرة» إن هذه النسبة ترتفع في ختام السنة الأولى لرئاسة السيسي إلى 80 في المائة بين الذين بلغوا 50 سنة فأكثر، في حين أنها لم تتجاوز 59 في المائة بين الشباب أقل من 30 عامًا.
ومنذ توليه السلطة قام السيسي بافتتاح كثير من المشروعات في مجالات الطرق والكباري والخدمات التي تنفذها القوات المسلحة. وقالت مصادر حكومية إن الأيام المقبلة ستشهد تدشين الرئيس عددًا من المشروعات الاقتصادية الكبرى، لتشكل حصاد عامه الأول من الحكم، أبرزها قناة السويس الجديدة، التي من المقرر إقامة حفل عالمي لافتتاحها في أغسطس (آب) المقبل.
إلى ذلك، قررت الأجهزة الأمنية الاستعانة بنحو 120 ألف ضابط وجندي من الجيش والشرطة، و180 تشكيلاً من عناصر الأمن المركزي، لتأمين المنشآت الحيوية والهامة اليوم (الثلاثاء)، تحسبًا لوقوع أعمال عنف في ذكرى الثورة. وتوعّدت الداخلية بالرد بكل قوة على أي محاولة لدخول الميادين أو تنظيم مظاهرات في ذلك اليوم.
وقال مصدر أمني إن وزير الداخلية أعلن حالة الاستنفار القصوى بين كافة قطاعات الوزارة، لمنع التظاهرات خلال ذكرى ثورة 30 يونيو، بعد ورود معلومات للأجهزة المعنية بالوزارة، باعتزام عناصر الإخوان تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية، لترويع المواطنين ونشر الفوضى.
ومن جهتها، رفعت وزارة الصحة حالة الطوارئ للدرجة القصوى، ومنعت الإجازات خاصة المستشفيات القريبة من الطرق السريعة بجميع المحافظات، وجهزت فرق الانتشار السريع من أطباء الرعاية الحرجة والعاجلة، ودفعت بـ3 آلاف سيارة إسعاف على مستوى الجمهورية، مع التركيز على أماكن التجمعات.
الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو تحل على مصر بـ«مذاق الدم»
السيسي عضد سلطته في الحكم ومرسي إلى «الإعدام» بعد عامين من الإطاحة به
الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو تحل على مصر بـ«مذاق الدم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة