جوديث ميللر خبيرة الصحافة الاستقصائية.. «كبش فداء» حرب العراق

على هامش كتابها «القصة: رحلة صحافية».. صحافية «نيويورك تايمز» تحملت أخطاء تقارير أسلحة الدمار الشامل

جوديث ميللر
جوديث ميللر
TT

جوديث ميللر خبيرة الصحافة الاستقصائية.. «كبش فداء» حرب العراق

جوديث ميللر
جوديث ميللر

بالنسبة لهؤلاء الذين ينظرون للعالم من خلال منظار المؤامرة، فإن جوديث ميللر، المتحدثة اللبقة السمراء من نيويورك، تعتبر ملكة المؤامرات. فقد كانت هي من باعت فكرة للأميركان للإطاحة بالطاغية العراقي صدام حسين بأن قامت بدور مكبر الصوت لنادي من المتآمرين ضم في عضويته جورج بوش، ونائب الرئيس ديك تشيني، ووكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه»، وآخرين من وكالات الاستخبارات التي تتخفى خلف أسماء مختصرة. وضمت المؤامرة التي جعلت من ميللر ملكة عدة شخصيات منها المصرفي ذو المنصب السياسي أحمد الجلبي، والبرلماني الكويتي محمد جاسم صقر، وكبير المحافظين الجدد بإدارة جورج بوش رتشارد بيرل.
وفى الوقت الذي طرحت فيه فكرة التخلص من صدام حسين، كانت ميللر صحافية لامعة في «نيويورك تايمز» في الصحافة الاستقصائية ذات خبرة تخطت عقدين من الزمن حققت فيها أكثر من سبق صحافي، إضافة إلى سنوات قضتها في تغطية أخبار الشرق الأوسط. في عام 2002 وبينما كان جورج بوش يحشد قواته لإرسالها لبغداد، كانت ميللر أحد أكثر الصحافيين الأميركيين دراية بشؤون الشرق الأوسط، وكانت كذلك مصدر ثقة بالنسبة لمؤسسة الرئاسة الأميركية. فبعد سنوات قضتها في «نيويورك تايمز» بمكتب واشنطن، عرفت ميللر الطبقة الأميركية الحاكمة أكثر من غيرها من الصحافيين. في الحقيقة، كان لها صديق حميم عضو بالكونغرس (يدعى ليس أسبين الذي أصبح فيما بعد وزير الدفاع في عهد بيل كلينتون). امتلكت ميللر كذلك «الخلفية الصحيحة» بجذورها الروسية، اليهودية، الآيرلندية الكاثوليكية، إضافة إلى سنوات قضتها متنقلة ما بين نيوجيرسي ولاس فيغاس، ناهيك عن دراستها في إحدى أعرق الجامعات الأميركية.
ولذا لم يكن في مؤسسة الرئاسة من لا يثق في «جودي» كما يثق فيها أصدقاؤها.
وفى مرحلة الإعداد للحرب كتبت ميللر وشاركت في كتابة التقارير الإخبارية التي هدفت لإظهار استمرار صدام حسين في تنفيذ برنامج سري لإنتاج أسلحة الدمار الشامل كجزء من استراتيجية تهدف لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة. واتضح لاحقا أن صدام حسين كان قد أوقف برنامج تطوير أسلحة الدمار الشامل على عكس ما أوردته التقارير التي غالبا ما نشرتها «نيويورك تايمز» على صدر صفحاتها الأولي.
وأدى هذا الاكتشاف، إضافة إلى الأخطاء التي ارتكبتها إدارة جورج بوش في العراق في فترة ما بعد صدام حسين، إلى اتجاه واضح للتراجع عن الحرب. فبعد ما كانت نسبة مؤيدي الحرب تتخطى 80 في المائة من الأميركيين عام 2002 تراجعت النسبة إلى 30 في المائة خلال أربع سنوات.
وكما هي العادة دائما في تاريخنا الإنساني، كان الحل في البحث عن كبش فداء، فبحث الإعلام الأميركي ومؤسسة الرئاسة والمجتمع ككل عن كبش فداء يمكن التضحية به لتطهير الباقيين كي تستمر الحياة في شكلها الطبيعي. واستمر البحث عن كبش فداء في عدة اتجاهات، واستهدف البحث حتى نائب الرئيس تشيني، ناهيك عن «مؤامرة المحافظون الجدد» ثم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. إلا أنه تبين لاحقا أن أيا من هؤلاء «الكبار» لا يمكن جره إلى مذبح القرابين. عندها أصبحت جوديث ميللر ضحية سهلة؛ فلولا مقالاتها المثيرة للرأي العام التي نشرتها عن صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل التي تناولتها فيما بعد وسائل الإعلام لتضخمها مائة مرة ما كان هذا ليحدث.
أصبحت ميللر كذلك مستهدفة حتى داخل صحيفتها، حيث أدرك الناشر ومدير التحرير بيل كيلر أن للصحيفة جمهور من الناخبين وأن حالة الانتشاء قد انتهت وأن الشمبانيا والكافيار قد فقدا بريقهما الآن من الحرب، وذهب صدام حسين، ولم يتبق لكيلر سوى سلخ رؤوس أعدائه.
متناسيا عشرات المحررين الذين كلفهم بالدفاع عن غزو العراق، شرع مدير التحرير بيل كيلر في تكليف المحررين بكتابة تقارير عن كيف أن الجمهور قد ضٌلل فيما يخص أسلحة الدمار الشامل. فحتى من وجهة نظر «نيويورك تايمز» بدت ميللر كبش فداء مناسب.
ومع هذا، ففي واحدة من تلك الأمور التي تبعث على السخرية، والتي تضيف إثارة إلى التاريخ، لا يمكن استخدام «حكايات» ميللر كمادة لصلبها. وقد تم توثيق مصادر كافة الحكايات على النحو المناسب، ومن منطلق كونها أستاذة في المراوغة الصحافية، راعت ميللر مزيدا من الحرص لتوضح دائما في كل حالة أن كل التأكيدات حول أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق يجب أن تؤخذ بنصف حفنة من الملح على الأقل.
إن «القصة» الخبرية الأميركية التقليدية يتم بناؤها مثل قطعة فنية مع مكعبات الشعار. يكون لها موضوع عام - وهو في هذه الحالة أن العراق يخبئ أسلحة دمار شامل. وتستخدم على الأقل ثلاثة مصادر: واحدا مع، وواحدا ضد، وواحدا محايدا. لا بد من التعرف على هوية واحد على الأقل من المصادر بالاسم والمنصب. ولكن وجود مصدر واحد فقط على الأقل «يتحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه» يضيف غموضا إلى القصة. وعندما لا يكون من الممكن الوصول إلى مرجعية لرؤية متناقضة، يستخدم الصحافي صياغة ملتفة بأن يقول: «لم يمكن تأكيد ذلك بشكل مستقل».
يعرف الصحافي الأميركي المخضرم كيف له أن يميل قصة باتجاه هذه الرؤية أو تلك. ومن ثم، فقبل الحرب كانت كل «القصص» في «نيويورك تايمز»، وغيرها من وسائل الإعلام، تظهر بوضوح أو ضمنيا أن صدام حسين كان يخبئ أسلحة دمار شامل. ومع هذا، فبعد الحرب تمت إعادة معايرة «القصص» لتظهر أن كل المصادر كانت إما مخطئة أو كاذبة.
ومع هذا، ففي الحدث، تمت محاكمة وسجن ميللر بسبب «قصة» لم تكتبها. كان هذا متعلقا بفضح عميلة لوكالة الاستخبارات المركزية كان قد تم إرسال زوجها إلى النيجر للتوصل إلى ما إذا كان صدام يشتري «الكعكة الصفراء» لليورانيوم. لم تكتب ميللر عن هذا ولكن صحافيا آخر ذكر أنها قالت إنها سمعت بالأمر. وعندما طلب المدعي أن تذكر ميللر اسم الشخص الذي سمعت منه «القصة»، فإنها رفضت. وأصرت على أن الصحافيين يجب أن يحترموا سرية مصادرهم.
هذا ناهيك عن القول إن الأمر برمته كان سخيفا. إن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى إرسال أي شخص إلى النيجر لأن مناجم اليورانيوم في هذا البلد وكافة الصناعات ذات الصلة تخضع كلها لسيطرة شركة مملوكة للدولة الفرنسية. وكان يمكن لمكالمة هاتفية من السفارة الأميركية في باريس أن تتأكد من الأمر. كذلك، فإن بحثا سريعا على الإنترنت كان سيظهر أنه لا يتم إنتاج أي «كعكة صفراء» في النيجر. (توجد وحدة مملوكة لفرنسا في الغابون المجاورة). بل إن الذهاب إلى السجن لم يضع نهاية لمحنة ميللر. كان لا يزال يتم وصفها بـ«أخطر سيدة في أميركا» و«نبية الحروب والأكاذيب».
وتحكي ميللر محنتها وجزءا كبيرا من حياتها، في أحدث كتبها: «القصة: رحلة صحافية»، الذي تفضح فيه وحشية الحياة الأميركية العامة، مع هوسها النابع من ورع ذاتي، بمعايير أخلاقية فوق قدرات البشر لم تكن معنية أبدا بأن يتم احترامها. وهي تظهر كيف أن أفضل الأصدقاء يحتفظ دائما بخنجر تحت أكمامه تحسبا، وكيف أن أولئك الأكثر شقا للصدور على «المصلحة العامة» هم الأكثر اهتماما بمسيراتهم العملية ووظائفهم وأرباحهم الشخصية.
لن يسكت كتاب ميللر كثيرا من منتقديها. ولكنه بالنسبة إلى أولئك الذين لا يحملون ضغينة ذاتية هو رواية تستحق القراءة إلى حد بعيد لمسيرة صحافية امتدت عقودا طويلة، تشكلت في مصر، ولبنان، والعراق، والسعودية، وإيران، وبالطبع الولايات المتحدة نفسها، قضت معظمها في العمل الميداني.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.